تتنوع مظاهر الاحتفال بمولد النبى (صلى الله عليه وسلم) بتعدد بلدان العالم الإسلامى من أقصاه إلى أدناه، فهناك دول تحتفل بالأناشيد الدينية وحلقات الذكر بالمساجد الكبرى وشراء الحلوى التى تعد خصيصًا لهذه المناسبة، وأخرى لا يقتصر الاحتفال فيها على اليوم ذاته بل يبدأ الاستعداد والاحتفال به قبل أن يهل شهر ربيع الأول.. «صوت الأزهر» التقت عددا من طلاب مدن البعوث الإسلامية ليحدثونا عن كيفية الاحتفال بالمولد النبوى فى بلدانهم.
من جانبه يبين مدثر حسين العباسى طالب الدراسات العليا بكلية أصول الدين قسم تفسير وعلوم القرآن من ولاية إسلام آباد دولة باكستان، إن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى باكستان ينقسم لاحتفالين حكومى وشعبى، ويكون الاحتفال عند التأكد من رؤية هلال ربيع، ويذاع فى التليفزيون الحكومى والتهنئة لكل الشعب، ويهنئ المسلمون بعضهم البعض، ويسمى الباكستانيون شهر ربيع الأول «بربيع النور»، وهذا الشهر له قدسية كبيرة فى نفوس كل الشعب، تتمثل فى تجنب كل أنواع الموبقات احتراما لهذا الشهر العظيم، ومع بداية الشهر يزينون بيوتهم وشوارعهم بالأنوار والأعلام الخضراء، ويبدأ الاحتفال من أول يوم بدروس العلم والصلوات على رسول الله والابتهالات الدينية فى جميع المساجد، وفى ليلة الثانى عشر من شهر ربيع يكون الاحتفال الكبير بمولده (صلى الله عليه وآله وسلم) فيلبس الكل من رجال ونساء وأطفال لباسًا جديدًا مثل لباس العيد فرحا بمقدم سيدنا ومولانا رسول الله.
ويشير العباسى إلى أن بداية الاحتفال الحكومى تكون بتهنئة رئيس الوزراء للشعب الباكستانى بالمولد فى خطاب مخصص لذلك، والمصالح الحكومية تقوم بتزيين المبانى الحكومية بالنور والأعلام الخضراء وبعض الألواح المكتوب عليها عبارات تبين الفرح برسول الله، ويعد يوم المولد إجازة رسمية فى البلاد، وفى نهاية شهر ربيع ينعقد اجتماع من قبل الدولة تشارك فيه كل الجماعات الإسلامية سواء سنه أو شيعه أو سلفية ويتناقشون فى بعض القضايا التى تهم الأمة الباكستانية، ويخرجون بخطاب موحد يعلن ويذاع للشعب فى كل وسائل الإعلام المختلفة، كما يقوم الجيش الباكستانى كل فى منطقته فى طابور الصباح ويطلقون 21 صاروخا ملونا ابتهاجا بالمولد مع إعطاء التحية العسكرية جماعة فرحا بالمولد الشريف.
وعن الاحتفال الشعبى بالمولد النبوى يحدثنا العباسى قائلا: إن الاحتفال الشعبى الكبير فى مدينة لاهور فى مكان مشهور يسمى «منارة باكستان» يبدأ صباح بالخروج من البيوت جماعة وينشدون مع بعض القصائد والأناشيد المعروفة لدينا، ويجتمع كل محبى الاحتفال بمولده فى هذا الميدان، ويستمر طوال ليلة الثانى عشر حتى الصباح يتخلله المديح والقرآن والسلام على النبى، وتقديم الطعام، ويحضره كثير من علماء الأزهر من المبعوثين من مصر ويشارك قرابة 30 مليون مسلم، موضحًا أنه فى هذا اليوم الميمون يفرق على الفقراء الكثير من الأموال والهدايا.
الكاميرون
ويقول محمد الحبيب محمد حما الطالب بالفرقة الثانية كلية أصول الدين ومن ولاية ميجنجا دولة الكاميرون، إن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم فى الكاميرون يكون الاستعداد قبل قدومه بـــ 15 يوما، فيجمعون التبرعات والهدايا فى مكان الاحتفال وكل يشارك فى هذا الحفل قدر استطاعته والغالبية يتبرع بالأموال، أما التجار فيأتون بما عندهم من تجارة سواء بقوليات أو أرز أو لحوم بجانب تبرعهم بالمال، وكل يوم يقوم المحتفلون بالمديح والإنشاد بعد العشاء لمده تتراوح من ثلاث إلى أربع ساعات وبعدها يتناولون الطعام وكل واحد ينصرف إلى بيته.
ويشير حما إلى أنه فى الليلة الكبيرة ليلة مولده يقيمون الحفل الكبير ويشارك فيه عدد غفير من العلماء ويأتى أناس كثر من خارج المدينة لمشاركة أهل البلدة احتفالهم بمقدم خير البرية، وتكون بداية الحفل عقب صلاة العشاء بالقرآن الكريم يعقبه كلمات الترحيب بالضيوف والمشاركين وبعدها دروس العلماء عن سيرة المصطفى ومآثره التى نحن أحوج ما نكون إليها فى أيامنا هذه، يعقب كل هذا الإنشاد والمديح بسيرة خير البرية بالقصائد الصوفية والتى تستمر حتى صلاة الصبح وبعد الصلاة حتى السابعة صباحا ويتخلل الحفل الأكلات الطيبة التى تعد خصيصا ليوم المولد.
ويكمل حما كلامه قائلا: وهذا لا يمنع من وجود البعض الذى يحتفل بالمولد الشريف من بداية الشهر حتى نهايته، موضحاً أن هناك احتفالا آخر يوم 19 ربيع والذى يوافق يوم عقيقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنحتفل به احتفالا آخر برسول الله ويكون الاحتفال به أكثر من يوم مولده، مع كثرة المديح ويلبس الأطفال أثوابا جديدة لنعود أطفالنا أن مولده عيد لنا، كما يلبس القائمون على خدمة المحتفلين أثوابا جديدة مكتوبا عليها «خدام المولد النبوى» ويحضر هذه الحفلات كل المسئولين بالدولة، والحفل فى كل مدينة من مدن الكاميرون يكون تحت إشراف أمير المدينة، ويحرص كثير من أهل الكاميرون على الخطوبة وعقد النكاح والزواج فى يوم مولده تيمنا بهذا اليوم المبارك، وأى مولود يولد فى يوم مولده أو يوم العقيقة يسمونه «مولود» ولو طفلة تسمى «مولودة».
تايلاند
وتشير روسمانى ساما الطالبة بالفرقة الثانية كلية الشريعة الإسلامية ومن ولاية فطانى دولة تايلاند، إلى أن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف عند المسلمين فى تايلاند يأخذ نفس طابع الاحتفال تقريبا مثل البلاد الإسلامية الأخرى، حيث تذكر المواقف والعبر الطيبة من سيرته العطرة، وقراءة للبردة البوصيرية (التى يحفظها البعض هنا كالفاتحة) ويرددونها جماعية فى هذه المناسبة، وتعد الأطعمة والمنتجات الطيبة التى ينتجها المسلمون، وتخصص لهم الدولة أكبر ميادين العاصمة قرب المبانى الحكومية لإجراء احتفالهم بالمولد النبوى وينصب سوق كبير لهم، والمولد يفتتحه كل عام ملك البلاد أو مندوب عنه ويقابله شيخ الإسلام ورؤساء الوفود الإسلامية للترحيب به.
والاحتفال بالمولد تجمع له ميزانية كبيرة لتغطية الاحتفال به، وغالبية التكلفة تكون عن طريق التبرعات حبا وإجلالا وتعظيمًا لصاحب المولد الشريف، وتعلن الأسماء فى الإذاعة والتلفاز إكرامًا للأسماء التى تتبرع للمولد النبوى، موضحًا أن شيخ الإسلام ينصب كل عام رئيسًا للاحتفال بالمولد النبوى مسئول كل مهمته الإشراف على عملية الإعداد للمولد، ويكثر البيع والشراء فى يوم مولده ويشارك الحفل كثير من البوذيين، ويقوم المنشدون ليرتلوا بردة البوصيرى ويصلون ويسلمون عليه طول الليل، كما يقدمون الحلوى والأكل والمشروبات لكل الحضور، وتوزع الهدايا على الفقراء وهى عبارة عن أموال لتساعدهم على شراء ما يحبون فى يوم مولده.
إندونيسيا
وتقول «ديفى نور عزيزة جوارطو» الطالبة بالفرقة الأولى شعبة لغة عربية كلية الدراسات الإسلامية والعربيةـ من مدينة مالانغ جزيرة جاوه الشرقية دولة إندونيسيا، إن مولد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له مكانة كبيرة فى نفوس الشعب الإندونيسى حيث لا يوجد احتفال له من المكانة والمقام والسعادة والسرور كمولد سيدنا رسول الله رحمة رب العالمين للبشرية جمعاء، حيث يتجمع الآلاف من الإندونيسيين فى المتنزهات العامة والميادين الكبرى أو الاستاد الرياضى حسب كل مدينة سواء فى العاصمة جاكرتا أو المدن الأخرى للاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف.
وتشير ديفى: إننا نستعد للاحتفال بمولده الشريف بداية من شهر صفر حيث نقيم مجموعة من المسابقات المختلفة كحفظ القرآن، والتلاوة والإنشاد والخطابة، والفائزون ينالون جوائزهم فى الحفل الكبير فى يوم مولد الرسول، ونخرج جماعات من النساء والرجال والأطفال ونضع بعض الألوان والورود على ملابسنا ونمشى فى الشوارع والطرقات العامة مرددين بعض الأناشيد والقصائد مدحا فى رسول الله بعد صلاة العصر ونجتمع عند المسجد الكبير ونأكل ما أعد من طعام مكون من لحم البقر والأرز وبعض الحلويات، وبعد صلاة المغرب يكون الاحتفال الكبير بالمساجد الكبرى، ويتكلم العلماء والوعاظ عن فضل يوم مولد الرسول وأهمية الفرح به يتخلل هذه الحفلة الأناشيد الدينية.
وتكمل ديفى قائلة: يحرص كثير من الأسر فى إندونيسيا على زواج أبنائهم فى يوم مولده تبركًا بالليلة المباركة، وتحرص غالبية البلاد والمدن فى إندونيسيا على أن يكون الطعام فى هذا اليوم فى إناء من الفخار، والأرز الذى يؤكل فى هذا اليوم يسمى «تومفنج» ويوضع على صينية كبيرة مع اللحم مثل الجبل والكل يأخذ منه على قدره، كما يحرص رئيس الدولة أو من ينوب عنه على مشاركة هذا الحفل الكبير، ويحرص على مخاطبة الشعب وتهنئته بهذا اليوم العظيم.
لطفى عطية