| 16 أبريل 2024 م

أمة مبدعة|| ابن النفيس (607- 687هـ / 1211-1288م )

  • | الخميس, 14 يناير, 2016
أمة مبدعة|| ابن النفيس (607- 687هـ / 1211-1288م )
هو علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الحزم القرشي المعروف بابن النفيس ، ولد في دمشق في اوائل القرن السابع الهجري ، تعلم الطب على استاذه الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم المعروف بالدخوار ثم انتقل إلى القاهرة وعما بمستشفياتها بعد أن استدعاه السلطان الأيوبي الكامل محمد الذي يعير العلم عامة والطب خاصة اهتماماً كبيراً وتتلمذ ابن النفيس في دمشق على الطبيب علي بن عمران الإسرائيلي ( ت 637هـ / 1239م ) ، وكان عمران يتردد على البيمارستان الكبير ، ويعالج به المرضى زميلاً للدخوار ، ومشهود لابن عمران علاج أمراض كثيرة مزمنة كان أصحابها قد سئموا الحياة .
وقد وصفته كتب مسالك الأبصار في أخبار الملوك والوافي بالوفيات ، وفي مؤلفات أخرى بأنه كان نحيل طويل القامة ، رقيق الجانب ، عاش عزباً لم يتزوج ، وكان واسع الاطلاع من أعلم الناس لا في الطب فحسب ، بل في العلوم كافة ، فألف في الطب والفلسفة والنحو والفقه ، وهو من نوابغ عصره في الطب ، وقد لقبوه معاصروه بابن سينا لأنه كان يحفظ كتاب القانون لاين سينا عن ظهر قلب ، وكان يحفظ كذلك مؤلفات أبقراط وجالينيوس وديسقوريدس ، وكانت طرقته في العلاج تعتمد على تنظيم الغذاء أكثر من اعتمادها على الأدوية والعقاقير ، ولقد ألف ابن سينا موسوعة في الطب ، كان يعتزم إصدارها في أجزاء عديدة بالمئات إلا أن المنية عاجلته ، فلم يكتب سوى ثمانية ، وقد وجدت هذه الجزاء في مكتبته بعد وفاته ، وأنها لتشهد بطول باعه وعلو كعبه ، وصبره على العظيم على الكتابة والتأليف .
ولابن النفيس كتب أخرى كثيرة منها كتاب الرمد ، وثان في الغذاء ، وثالث في شرح فصول أبقراط ، ورابع في شرح تقديمات المعارف ، وخامس في مسائل حنين بن اسحاق ، وسادس في الهداية والطب ، وسابع في تفسير العلل والأسباب والأمراض ، وثامن في تعليق على كتب الأوبئة لأبقراط ، كما قام باختصار كتاب القانون لابن سينا ، وسماه موجز القانون ، ويعتبر هذا الكتاب من أشهر أعماله ، وقد ترجم إلى الإنجليزية والعربية والتركية ولقد حق للعرب أن تفاخر بابن النفيس كأحد العلماء الأفذاذ الذين أحاطوا بمعارف عصرهم ، وبرزوا في كثير منها وخاصة في ذلك العصر ، وله أيضاً كتاب شرح تشريح القانون وهو مفخرة للطب العربي وجدير بدراسة الباحثين .
وقد اهتم ابن النفيس بالتدقيق في فحص المرضى ومتابعة مظاهر المرض في تطورها واستجابتها للعلاج ، وبالنقاش والبحث مع الزملاء والطبة دون قيد أو حرج ، وتلك هي الطريقة الاكلينيكية الصحيحة ، كما كان مؤمناً بضرورة المرور على المرضى وتفقد أحوالهم ومتابعة ما كتب لكل مريض من الأدوية وأنواع الغذاء ، ويتجه بعد ذلك إلى استراحته في ديوان البيمارستان ، لكي يجتمع حوله الأطباء والمشتغلين لكي تجرى المباحث الطبية والنظر في الكتب والمراجع من أجل تراكم الخبرة والدراية والصالة في التفكير .
وقد أشار ابن أبي أصيبعة في كتابه : عيون الأنباء في طبقات الأطباء إلى ستين طبيباً عاشوا في مصر في فترة ابن النفيس ، ولتقدم الطب في أنحاء مصر لأن الإسلام سوى بين الناس جميعاً وفصل العلم عن الدين ، وأزال الحدود بين البلاد ، وأتاح التنقل بين ربوع البلاد العربية وديارها ، وفتح خزائن العلم لكل من سعى إليه – ولهذا لم يكن للطب الإسلامي جنسية ولا دين ولا مقر ينفرد به ، ذكر ابن أبي أصيبعة من الأطباء ابن رضوان ، وابن جميع ، وإبراهيم بن عيسى ت 260هـ / 873م .
شرح تشريح القانون: هذا الكتاب يضع ابن النفيس في أرفع مكان في مصاف أولئك الأفذاذ المتضلعين في العلم والفكر ، والذين أحاطوا بكل ما توصل إليه عصرهم من شتى صنوف المعرفة ، في هذا الكتاب تطاول ابن النفيس على القيود وتحرر من سيطرة جالينيوس وابن سينا مع إعجابه بالأخير ، وفيه ينكر ما لم تره عينه أو يصدقه عقله ، ويرجع الفضل إلى كشف مضمون هذا الكتاب إلى د. التطاوي .
في هذا الكتاب جمع ابن النفيس الشذرات المبعثرة لتشريح العظام والعضلات والأعصاب والأوعية من كتاب القانون في الطب لابن سينا ، وحيث ناقش ابن سينا تشريح كل جزء من أجزاء الجسم مع وظائفه وأمراضه ، فجاء تشريح المخ مع أمراض الرأس ، وهكذا للعينين والأنف الخ ، وقام ابن النفيس بالتعليق على الشذرات الخاصة بالتشريح إذ أن تشريح الجثث كان يعدد انتهاكاً لحرمة الجسم البشري عند العرب ، وفي أوروبا عند المسيحيين يقول ابن النفيس في مقدمة الكتاب : وبعد حمد الله والصلاة على أنبيائه ورسله ، فإن قصدنا الآن إبراز ما تيسر لنا من المباحث على كلام الشيخ الرئيس ابن سينا رحمه الله في التشريح في جملة كتاب القانون بأجزائه ليكون الكلام في التشريح وازع الشريعة وما في أخلاقنا من الرحمة ، واعتمدنا على تصور الأعضاء على كلام من سبقونا لهذا الأمر خاصة الفاضل جالينوس ، وأما منافع كل عضو من الأعضاء فقد اعتمدنا في معرفتها على ما يقتضيه النظر والملاحظة الدقيقة والبحث الأمين وما فقده العين والتجربة وأما تشريح العظام والمفاصل فتستهل بعد مضي سنوات وفناء اللحم ، وأما تشريح القلب والشرايين والحجاب والرئة فإنها صعبة للأحياء بسبب اضطراب الحي وتألمه ، وقد وصف ابن النفيس التشريح بأنه فن لا علم ، والفن يكتسب بالممارسة ، والعلم يكتسب بالدرس ، والتشريح في نظره فن للوصول إلى العلم والتشريح يقتضي آلات .
كشف الدورة الدموية :
ويعتبر كشف ابن النفيس للدورة من أكبر كشوفه وهو يخالف في ذلك أساتذته قال بمرور الدم من التجويف الأيمن إلى الرئة ، حيث يخالط الهواء ومن الرئة عن طريق الوريد الرئوي إلى التجويف الأيسر ، وقال هذا الوريد : أن هذا العرق يشبه الأوردة ويشبه الشرايين ، وقد خالف ابن النفيس ابن سينا في عدد تجاويف القلب ، وقال ليس فيه ثلاثة بطون ، فإن القلب له بطنان فقط ، والتشريح يكذب ما قالوه ، ولاشك أن ابن النفيس قد مارس التشريح مع تصريحه في بعض كتبه بأنه حاد عن مباشرة التشريح بوازع من الشريعة ، فلعله كان يحرص على علوم إثارة رجال الدين ، كما حرص على عدم الجهر بمخالفته أساتذته .
وقد فطن ابن النفيس إلى وجود أوعية داخل عضلات القلب تغذيها ، وقد خالف ابن سينا وتلك دلالة على أنه مارس التشريح فعلاً ، وكذلك كان أول من وصف الشريان الأكليلي وفروعه ، ويظهر أن القداسة التي كانت تضيفها الناس على أعمال ابن سينا ، قد لعبت دورها في إهمال كشوف ابن النفيس ، خاصة وأنه أول من أشار إلى مرور الدم في الأوعية الشعرية ولابد أن نذكر أن أول من كشف لنا عن ابن النفيس هو الدكتور محيي الدين التطاوي سنة 1924 الذي عثر على نسخة مخطوطة من أحد كتبه في مكتبة برلين ، فقالم بدراسة الكتاب في رسالة قدمها للدكتوراه من جامعة فريبورج بألمانيا ، ثم وجدت نسخة أخرى في مكتبات باريس بالاسكريال وأكسفورد ، ويميل البعض إلى الاعتقاد أن أمثال سرفنتوسوكولومبوس وهارفي ممن وصفوا الدورة الدموية قد اطلعوا على نظرية ابن النفيس في مؤلفاته المترجمة إلى اللاتينية .
طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg