| 25 أبريل 2024 م

كيف نجعل من العام الجديد فرصة لمحاربة الفساد؟

  • | السبت, 21 يناير, 2017
كيف نجعل من العام الجديد فرصة لمحاربة الفساد؟

فرضت تعاليم الإسلام نظمًا أخلاقية من شأنها حماية المجتمع وصيانته من أسباب الفساد والانحراف المشجع على كل مظاهر الفوضى والخروج على النظام العام، جاءت أحكام الشريعة الإسلامية لتحقيق مصالح الناس الدينية والدنيوية لتستقيم الحياة, ومن هذا المنطلق ومع مطلع عام جديد نستقبله، كيف نجعل من العام الجديد فرصة لمحاربة الفساد؟ هذا ما يجيب عليه علماء الدين خلال السطور القادمة.

فى البداية، قال الدكتور إبراهيم الإسناوى، عميد كلية اللغة العربية جامعة الأزهر فرع المنصورة، إن الإسلام اهتم بحماية المجتمعات من الفساد، وما يؤدى إليه من اعتداء عليها بالقتل أو القطع أو السرقة والغصب والاحتيال أو الرشوة أو أكل الأموال بغير حق أو الاعتداء على الأموال العامة والخاصة، مصداقًا لقوله تعالى: "وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا.."، مشيراً إلى قوله فى محكم التنزيل: "وَلَا تَعْثُوا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ"، خاصة أن منهج الإسلام واضح فى محاربة الفساد ورتب مسئولية كبيرة على الفرد فى محاربة فساد، وقال أيضاً: "أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار".

إصلاح النفوس

وأوضح الإسناوى أن الشريعة الإسلامية شرعت عقوبات مغلظة من شأنها منع الفساد وسد الطريق الموصل له، ولم يتهاون فى أمر الجرائم الكبرى التى يقع فيها الاعتداء على النظام العام داخل الدولة، لافتًا إلى أن هناك وسائل ارساها الإسلام قائمة على مكافحة الفساد كالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والدعوة إلى الله لقوله تعالى: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، خاصة أن أساس الإصلاح فى أى مجتمع إصلاح النفوس الفاسدة، مشيرًا إلى أن انتشار الفساد فى المجتمعات أعظم طرق الهلاك والتى تقضى على أى مجتمع، ما يتطلب تنمية القيم الدينية والتركيز على البعد الأخلاقى فى محاربة الفساد بجانب التشريعات القانونية؛ لأن من حالات الفساد ما يتم بسرية ويكون من الصعب أن تقضى التشريعات والقوانين على أنماط الفساد بصورة تامة، ومن ثم يتضح جليا دور القيم الدينية فى مكافحة الفساد والقضاء عليه، بكونها تدعو إلى الفضيلة والالتزام بالأخلاق فى جميع نواحى السلوك البشرى، وفرض رقابة ذاتية على الفرد فى كل أعماله تقوم على الخوف من الله وتمنع حدوث الفساد بكل صوره وأنواعه.

وسائل شرعية

وشدد عميد كلية اللغة العربية على أن الفساد المالى للموظفين ظاهرة عالمية كان للإسلام السبق فى مكافحتها، عبر وضع ضوابط وقواعد للحد منه أهمها غرس الإيمان فى قلوب الناس وتشريع العقوبات الرادعة لكل من يعتدى على الأموال العامة التى أشد حرمة من المال الخاص والاعتداء عليه من كبائر الذنوب وقد دلت الأدلة على ذلك، حيث استعمل النبى الكريم رجلا من الأزد يقال له ابن "اللتبية" على الصدقة، فلما قدم قال: هذا مالكم وهذا أهدى إلى فقام النبى (صلى الله عليه وسلم) فصعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما بال العامل نبعثه فيأتى يقول: هذا لك وهذا لي؟ فهلا جلس فى بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذى نفسى بيده لا يأتى بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر..."، داعيا بسن التشريعات وتشديد العقوبات الرادعة لكل من يعتدى على الأموال العامة كأحد أهم الوسائل الشرعية للحدِ من الفساد.

عدو التنمية

ويضيف الدكتور أحمد سعد الخطيب، عميد كلية الدراسات الإسلامية السابق بقنا والمنتدب لكلية البنات بالمنيا الجديدة، إن الحاجة إلى الإصلاح من الأمور الملحة فى حياة الفرد والمجتمع بكونه الطريق الموصل للإصلاح الحقيقى النافع والماتع طريق الأنبياء عليهم الصلاة و السلام وكما قال الإمام مالك رحمه الله: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها"، لأن ضعف الإيمان وغياب الوازع الدينى يجعل النفس لا تبالى بارتكاب المحرمات, ولا تخشى من العقاب على الفساد فى الأرض لا تشعر بالضيق الذى يشعر به المؤمن فى حال اقترافه الفساد بل يزين له الشيطان سوء عمله فينتج عن ذلك نتشار الأخلاق الفاسدة، كالكذب والنفاق، والرياء، وخيانة الأمانة والرشوة والاحتيا، واتباع الهوى، موضحًا أن الإسلام يعمل على تنمية وتقوية الوازع الدينى لدى الفراد المجتمع ليكون المانع من ممارسة الفساد؛ فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات فقد وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله فى أرضه محارمه، ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب"، مشيرًا إلى أن الأمر الإلهى بالإصلاح ودفع الفساد والأخذ على يد المفسد حتى يتوقف عن فساده، فى قوله تعالى: "وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ"، فحينما يتواصى الناس بينهم ويذكرون أنفسهم بالمعروف ويتناهون فيما بينهم عن المنكر فى مواجهة الفساد، فهذا يقى المجتمع من الفساد وحينها يدرك كل فرد فى المجتمع أهمية دوره البسيط فى حماية الأمة ونهضتها، محذرا من تفشى الفساد الذى يزرع بذور التفرقة والعداوة والبغضاء بين الناس ويحطم كيان الأسر ويهدر كرامة الفرد غير أنه يؤدى إلى إهدار المال العام، ويعود على الدولة بالخسارة المالية، ويقف دون التقدم الاقتصادى لأن الفساد عدو التنمية وأحد أسباب فشل خطط التنمية خاصة فى الدول النامية.

محمد الصباغ

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg