| 26 أبريل 2024 م

"باقة ورد ".. مقال رئيس تحرير صوت الأزهر

  • | السبت, 11 فبراير, 2017
"باقة ورد ".. مقال رئيس تحرير صوت الأزهر

رئيس التحرير يكتب باقة ورد : شكسبير .. وعامل "الأسانسير" !

كان أشهر ناقد فنى عرفته الصحافة المصرية، يرتبط بالإبداع بصلة رحم، وأنا واحد ممن يقعون فى غرام المبدعين ولو كرهت زوجتى، أما لو تدثر المبدع بالتواضع، فالحقنى بالنشادر .. المهم، حدث ذات يوم، وكنا نحتفى فيه بميلاد هذا الناقد السينمائى، وقد جاوز السبعين، وبينما كان الجميع يمطره قبلات ومباركات ودعوات بعمر مديد، رأيتنى دون مقدمات أو ترتيب ذهنى أهامسه بلهجة ترتدى عباءة الاحترام: يا أستاذنا لماذا لاتصلى؟ فعاجلنى بصوت أسمع من به صمم : "أنت عايز شكسبير يخش النار وعامل الأسانسير يخش الجنة؟! "  فكسر ردى حاجز الهمس: "أنت بتحسبها غلط ..  إن أكرمكم عند الله أتقاكم ..وليس أغناكم أو أكثركم موهبة ونبوغًا فى عمله" . 

الطريف أو القبيح أنه كان دومًا غارقا بين طوفان كُتب أمامه، لدرجة أنها كانت تخفى نصفه العلوى تمامًا على من يمر على مكتبه، فإذا ألقى أحدهم السلام عليه، يكتفى الناقد الكبير بإشارة إلى لافتة خلفه مكتوب عليها : "وعليكم السلام" !.

مر على هذا المشهد ربع قرن أو يزيد، ومات الناقد من زمااان، مات وحيدا، شريدا فى الشارع، بلا زوجة ولا ولد،  لكن رده: شكسبير أم عامل الأسانسير؟! عاد حيا يسعى على لسان أحد تلاميذه.

قناعتى أن مبدأ العدالة، وإنزال الناس منازلهم، يحتم علينا ألا نهوى بالعظماء وفيهم الفلاسفة، والمخترعون والقادة والأدباء، إلى الحد الذى يصل لمنازل السوقة .. وقناعتى أن هناك فرقًا شاسعصا بين أن تجتهد وتبدع؛ لتكتب عنك الصحف ولتحجز لنفسك مكانا متميزًا على خارطة "الدنيا" ، وبين أن تبدع لتنال قبل أى شيء رضا الله، ولتكتب عنك ولك ملائكة اليمين، وليس معنى هذا أن تنسى نصيبك من الدنيا، وقد يكون جميلا أن يبتكر أحدهم اختراعا عظيما، أو يكتب عملا أدبيًا رائعًا، لكن منطلقه دنيوى، إلهه هواه، والأجمل أن تكون حياتك كلها لله وفى الله: " قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاى وَمَمَاتِى لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" إنه التجرد الكامل لله، بكل حركة فى الحياة ،إنها تسبيحة التوحيد المطلق والعبودية الكاملة.

وقناعتى أيضا أن بركة الإحسان تتعدى المؤمن إلى الكافر، فيحيا فى كنفها أهدأ نفسا مما لو أساء، ففى الحديث الشريف: " ما أحسن من محسن مؤمن أو كافر إلا وقع ثوابه على الله فى عاجل دنياه وآجل آخرته" ، وفى حديث آخر : " ما أحسن من مسلم ولاكافر إلا أثيب" قالوا: يارسول الله ، هذه إثابة المؤمن عرفناها ، فما إثابة الكافر؟ فقال النبى: " إذا تصدق بصدقة ، أو وصل رحما ، أو عمل حسنة ، أثابه الله، وإثابته بالمال والولد فى الدنيا وعذاب دون عذاب ـ يعنى فى الآخرة ـ وقرأ : "ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ".

لقد أثبت الواقع أن كثيرا ممن العظماء الذين نسوا الله، عاشوا تعساء وماتوا ميتة مأساوية، صحيح كانوا عباقرة فى جانب، وفى منتهى الخسة وسوء الخلق فى جوانب حتى بالمعايير الإنسانية، فقد كان " جاك روسو" أديبا ثائرا من أعظم واضعى دساتير الحرية فى العالم ، لكنه كان هزيل الشرف، وكان "نابليون" قائدا محنكا، لكنه كان ساقط الخلق، وكان " بسمارك" داهية فى السياسة، وكان كذلك كذوبا مزورا، وعظماء كثيرون آخرون شنقوا حياتهم بأيديهم بحبل اليأس!

عطر الكلام:

ماأجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا .. وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل

طباعة
الأبواب: الرئيسية, 7 أيام
كلمات دالة:
Rate this article:
4.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg