| 26 أبريل 2024 م

الدكتور محمد أبو ليلة يكتب : فكر الغلو.. وغلو الفكر

  • | الأحد, 26 فبراير, 2017
الدكتور محمد أبو ليلة يكتب : فكر الغلو.. وغلو الفكر

مما لا شك فيه أن التطرف والغلو أمر مذموم فى الشريعة، ومخالف للحنيفية العظيمة، ومناقض للفطرة السليمة؛ لأن هذا الدين بُنى على التيسير، ورفع الحرج وذم التشديد، والأمر به محفوظ عن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ من فعله وقوله، متواتر من هديه وخُلقه، وقد أمر به فقال: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا»، وبين أن الدين نفسه يسر، فكل من انتهج الغلو دينا فقد انحرف عن الدين المستقيم، واتبع غير سبيل المؤمنين، فقال:«إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا..»، وعندما تضيق الأمور وتشتد، يأتى الفرج فتنحلّ، وإذا ضاق الأمر اتسع، ولذلك لما وقَفَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِى حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَمَا سُئِلَ عَنْ شَىْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: «افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ».

وأما الغلو فلفظ يدور على معنى مجاوزة الحد والقدر، أيا كان موضعه فى القول أو الاعتقاد أو العمل، وقد ذمه الله  تعالى فى كتابه الكريم، فقال تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ ﴾ (سورة النساء : الآية 171 ) وحذر منه سيد المرسلين فقال ثلاثا: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ».

وهذا الغلو والتطرف قد يكون فى الاعتقاد، فتنشأ عنه فرق الضلال، وتُولد من رحمه الفتن والأخطار، ويصبح المبتدع سيافًا يضرب رقاب المخالفين، ويظن أن ما يفعله دينا، ويتقرب إلى الله بما يفعله فيضل بذلك ضلالا بعيدا، ولنا فى الخوارج عبرة، وفى المعتزلة شاهد وقصة.

وقد يكون التطرف والغلو فى القول والعمل، وقد حذر النبى من بدايات غلو لاحظها كما فى الحديث المشهور فى قصة الثلاثة رَهْط الذين جاؤا إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِى، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادته، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، والقاعدة فى هذا قول رسول الله لعبد الله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنهما-: صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا.."

والشخص إذا شدد على نفسه وأبى إلا ذلك فشأنه ونفسه، لكنه إذا دعى إلى منهجه فهنا يكون معه وقفة؛ لأنه سيدخل إلى أفكار الناس ما تنافيه الفطرة، وقد ينسبها إلى الشرع فتعظم الفرية، هنا يكون تفسيره للنص متشددا كذلك، حيث تكلف وتعمق وادعى ما لم تكن حقيقته كذلك.

 وقد يكون التطرف والغلو فى الفكر، عندما يأخذ الشخص بآراء شاذة بعيدة عن روح الشريعة وعمومتها، أو يخرج بقول مخترع يخالف الإجماع، فيتسبب للناس فى تشتت عظيم.

وخلاصة الموضوع أن الفكر المتطرف هو:
1- كل فكر بُنى على تحزب وتعصب لفكره ما، وادعى أن فِكره هو الإسلام، وأن ما عداه يكفر، أو ينقص إيمانه، أو ساهم فى تشتت الأمة وتمزقها.
2- كل فكر حمل سلاحا على المسلمين، أو حملهم على اعتناق فكره بقوة السلطان كالمعتزلة، وأراق دماء من خالفه كالخوارج.
3- كل فكر أخذ بالشاذ من أقوال العلماء، وجعله لنفسه منهجا، أوخالف الإجماع كبعض مراهقى العصر.
4- كل فكر قلل من شأن العلم والعلماء، أو طعن فيهما، أو تكلم بما لا يليق عن الصحابة.
5- كل فكر يدعو الأمة إلى السبات العميق والاستسلام لعدوها،والتخلف والجهل أمام أعدائها وأصدقاءها.
6-كل فكر يتبنى القضاء على المؤسسات العلمية الشرعية، بدلا من إصلاحه وتقويتها.

7-كل فكر بنى على اعتناق قول واحد، ورد القول الآخر وإن كان فيه الصواب.
واسأل الله أن يحفظ مصر، وجميع بلاد المسلمين، والحمد لله رب العالمين.

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
4.8

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg