| 20 مايو 2024 م

هل الحرب العالمية الثالثة على الأبواب؟

  • | الثلاثاء, 28 فبراير, 2017
هل الحرب العالمية الثالثة على الأبواب؟

هل أوشكت الحرب العالمية الثالثة على الاندلاع؟ وماهى القوى أو الدول التى ستسعى إلى ذلك رغبة منها فى تعديل النظام العالمى الحالى، وسعيًا لإيقاف الولايات المتحدة عن تسيد الكون.

عن شبح الحرب العالمية الثالثة يكتب روبرت كاجان المؤرّخ والمؤلّف الأمريكى، بمجلّة «فورين بوليسى أنه فى عالم اليوم فإن أبرز القوى الساعية إلى قلب النظام العالمى رأسًا على عقب هى الصين وروسيا، فكلاهما يسعى إلى استعادة الهيمنة الإقليمية التى تمتعت بها سابقًا، بالنسبة للصين، يعنى ذلك الهيمنة على دول شرق آسيا، وخضوع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا لإرادة بكين، وتحريكها بما يتفق ومصالح الصين الإستراتيجية والاقتصادية والسياسية. وبالنسبة لروسيا، فالعين على وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا، والتى لطالما اعتبرتها موسكو جزءًا من دائرة نفوذها، ما تسعى إليه بكين وموسكو هو تصحيح ذلك التوزيع الظالم للقوة ومناطق النفوذ فى النظام العالمى ما بعد الحرب.

كما تشعر موسكو وبكين فى نفس الوقت بتهديدٍ بالغ الخطورة، يتمثّل فى القوى الديمقراطية التى تتسيّد النظام الدولى، والأنظمة الديمقراطية الموجودة على حدودهم،. فالقوى الأوتوقراطية المستبدة، منذ أيام «كليمنس فون مترينش»، تخشى عدوى الليبرالية، ومجرّد وجود الديمقراطيات على حدود موسكو وبكين، والتدفق المعلوماتى العالمى الحرّ الذى لا يمكنها التحكّم فيه (مهما حظرت الصين مواقع التواصل الاجتماعى) والاتصال الخطير بين رأسمالية السوق الحرّ والحريّة السياسية – كلّها تهديداتٍ لأنظمة حاكمة تأسست على إخضاع القوى المسببّة للاضطراب داخل أراضيها.

هجمات مرتدة

لكن القوتين التصحيحيتين الساخطتين على النظام العالمى الحالى ابتعدتا حتى الآن عن مواجهته بشكل مباشر، والسبب هو القوة العسكرية والاقتصادية التى تتمتّع بها الولايات المتّحدة وحلفاؤها، فعلى الصين مواجهة التحالفٍ القائم بين أمريكا وقوى إقليمية قويّة تربطها مصالح إستراتيجية مشتركة – من ضمنها اليابان، والهند وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى دولٍ أصغر، مثل فيتنام وأستراليا. أمّا روسيا فعليها مواجهة حلف الناتو بكل قوّته العسكرية، ويُمكن للقوى التصحيحية أن تحرز نصرًا مبكّرًا فى النزاع، مثل الإخضاع الصينى لتايوان، لكنّها ستضطر إلى التفكير اكثر من مرة أمام القدرات الإنتاجية لمجموعة من دول العالم الأكثر ثراءً وتقدمًا، بالإضافة إلى  احتمالات إقصائها من الأسواق الأجنبية التى يعتمد عليها اقتصادها.

ويعنى ذلك أن أى تحرّكٍ عنيفٍ من جانب الصين أو روسيا، سيهدّد مباشرة بسقوط النظام العالمى نتيجة للهجمات المرتدّة، وهو ما وصفه العالم السياسى «ويليام وولفورث» بالاستقرار المتأصل فى النظام أحادى القطب: حيث تسعى القوى الإقليمية إلى تغيير الوضع القائم، فتلجأ الدول المجاورة إلى القوة العظمى الأمريكية البعيدة من أجل احتواء طموحات القوى التصحيحية. هكذا اضطرّت الصين وروسيا فى السابق إلى المُشاركة فى النظام العالمى وتحقيق المكاسب من خلاله، بدلًا من الانقلاب عليه.

إذن النظام العالمى القائم لا يعتمد فقط على القوة الأمريكية، وإنما يرتكن إلى ترابط العالم الديمقراطى وتماسكه، وبينما كان واجب الولايات المتّحدة لعب دور الضامن الرئيس فى النظام العالمى الحالى، فإن جوهره الأيديولوجى والاقتصادى – أى ديمقراطيات أوروبا وشرق آسيا والأطلنطى – وجب أن يظل على ترابطه.

تصدع النظام الديمقراطى

لكن نظرة على الأوضاع العالمية الحالية تُظهر تصدّع النظام الديمقراطى بصورةٍ خطيرة، الأوضاع الاقتصادية، وعودة القومية والقبلية بقوة إلى الساحة، فى مُقابل ضعف القيادة السياسية وعدم استجابة الأحزاب السياسية الرئيسبة، كلّها خلقت أزمة ثقة ليس فقط فى الديمقراطية، وإنما فى المشروع التنويرى الليبرالى كلّه، وهو مشروعٌ يُعلى مبادئ الإنسانية المشتركة والحقوق الفردية فوق الخلافات العرقية والإثنية والدينية والقومية والقبلية، مشروعٌ يتطلّع إلى تبادل الاعتماد الاقتصادى الذى سيخلق مصالح مشتركة عابرة للحدود، وإلى مؤسسات دولية تسوى الخلافات وتسهّل التعاون بين الأمم.

وبدلا من ذلك، شهِد العقد الماضى صعود القبلية والقومية، والتركيز المُتزايد على «الآخر» فى كل المجتمعات، وفقدان الثقة فى الحكومات، وفى النظم الرأسمالية، وفى الديمقراطية، ما نشهده الآن هو نقيض «نهاية التاريخ» التى تنبأ بها «فرانسيس فوكوياما، وذلك لأن التاريخ عاد لينتقم، ومعه عادت كل الجوانب المُظلمة من النفس البشرية، ومن ضمنها التطلع البشرى الحثيث إلى قائدٍ قوى يأتى ليرشد البشرية فى زمنٍ من الارتباك والتشرذم.

أزمة ثقة

ربّما كانت أزمة مشروع التنوير ظاهرة حتمية متكررة، ناشئة عن العيوب المتأصلة فى الرأسمالية والديمقراطية. ويحيلنا روبرت كاجان إلى الثلاثينات عندما أدّت الأزمة الاقتصادية والقومية الصاعدة بالكثيرين إلى الشكّ فى أن الديمقراطية والرأسمالية هى أفضل من بدائل كارثية اخرى كالفاشية والشيوعية. وليست مصادفة أن أزمة الثقة صاحبها انهيارٌ فى النظام الإستراتيجى أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية.

كان السؤال حينها هو ما إذا كانت أمريكا، بصفتها قوة عظمى، ستُلقى بثقلها للحفاظ على نظامٍ لم تعُد بريطانيا وفرنسا قادرتين على إقامته، أو مستعدّتين لذلك، والسؤال الآن، هو ما إذا كانت واشنطن مستعدّة للاستمرار فى مساندة النظام العالمى الذى أقامته، والذى يعتمد كليًا على القوة الأمريكية، أو ما إذا كان الأمريكيون على استعداد للمخاطرة بانهيار النظام العالمي..

يوضح «كاجان» إن الوقت ما زال مبكرًا لمعرفة تأثير رئاسة  ترامب على المشهد العالمي. ومع ذلك، تُشير العلامات المبكّرة إلى أن الإدارة الجديدة ستسرّع من الخطى فى اتجاه الأزمة عوضًا عن إبطائها. موقف إدارة ترامب من روسيا لا يُمكن إلا أن يزيد من جرأة بوتين كما ان مناصبة الصين العداء ستؤدى ببكين على الأرجح إلى اختبار عزم الإدارة الجديدة عسكريًا.

لكن الشكّ فى الاستعداد الأمريكى للتخلّى عن النظام العالمى لم يأتِ مع ترامب، وإنما سبق باراك أوباما نفسه. 25 عامًا مرّت بعد انتهاء الحرب الباردة كانت كافية لتُنسى الكثير من الأمريكيين الأسباب وراء اضطلاع امريكا بهذا الدور غير العادي. فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، بدا توجه «العودة إلى الوضع الطبيعي» فى انتخابات 1920 الرئاسية الأمريكية ، بريئًا، لكن هذه السياسات الأنانية ساعدت فى تآكل الإرادة البريطانية والفرنسية فى مواجهه ألمانيا، وهيأت الساحة للاضطرابات التى تمخّضت فيما بعد عن الحرب العالمية الثانية، خاصة وأن امريكا كانت الدولة الوحيدة القوية بما فيه الكفاية للعب دور صانع السلام فى أوروبا وآسيا.

لكل ذلك من الصعب على جيل الألفية أن يفهم الأهمية الباقية للهياكل السياسية والاقتصادية والأمنية التى تأسست فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، أو أن يتعلّم شيئًا عنها من كتب المدرسة الثانوية والجامعة، المهووسة بالإشارة إلى شرور الاستعمار الأمريكي. نتيجة لذلك، نفد صبر الرأى العام الأمريكى الذى ظلوا يطالبونه بتحمّل صعوبات الدور العالمى وتكاليفه الباهظة. وبينما لم تفلح الحروب الفاشلة السابقة، فى كوريا عام 1950 وفى فيتنام فى الستينات والسبعينات، وكذلك الأزمات الاقتصادية والركود التضخمى فى منتصف وأواخر السبعينات – لم تفلح فى تحريض الأمريكيين ضد التدخّل فى شؤون الآخرين، فإن الحروب الفاشلة فى العراق وأفغانستان، والأزمة الاقتصادية فى 2008، نجحت فى ذلك.

اوباما والخندقة

فى عهد باراك أوباما، كانت الإستراتيجية الأساسية تجاه التدخّل العالمى هى الخندقة، كانت استجابة إدارة أوباما لفشل إدارة بوش فى العراق وأفغانستان هى تقليص النفوذ الأمريكى الخارجى بدلًا من محاولة استعادته. والمحاولة المبكّرة لـ«إعادة ضبط» العلاقات مع روسيا كانت الضربة الأولى لسمعة امريكا باعتبارها حليفًا يمكن الاعتماد عليه، إذ جاءت بعد الغزو الروسى لجورجيا مباشرة، وعلى حساب حلفاء أمريكا فى وسط أوروبا، وفى وقتٍ كانت السياسات الروسية تجاه الغرب – وممارسات بوتين القمعية تجاه شعبه – تزداد قسوة.

ثمّ جاءت الاستجابة غير اللائقة من الغرب تجاه الغزو الروسى لأوكرانيا والاستيلاء على القرم، لتُشير إلى عزوف الإدارة الأمريكية عن إجبار روسيا على التراجع فى منطقة نفوذها. وفى سوريا، استدعت الإدارة الأمريكية التدخّل الروسى من خلال سلبيتها، ولم تفعل أى شىءٍ لتثبيط ذلك التدخّل، لتعزّز الانطباع المُتزايد بأن أمريكا تنسحب من الشرق الأوسط، ذلك الانطباع الذى خلقه الانسحاب الأمريكى الكامل من العراق.».

هذا الانسحاب من الشرق الأوسط لم يدعم موقف روسيا فقط، ،لكن شجّعت سياسة الخندقة أيضا النفوذ الصينى فى شرق آسيا. ولم يغب عن أنظار دول شرق آسيا الاتفاق النووى الإيرانى، وفشل الإدارة الأمريكية فى التمسّك بتهديداتها باستخدام القوة ضد الرئيس بشار الأسد.

 

طباعة
الأبواب: كلام يهمنا
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg