| 26 أبريل 2024 م

رجائى عطية يكتب من تراب الطريق: الأنصار.. العطاء والإيثـار (141)

  • | الإثنين, 13 مارس, 2017
رجائى عطية يكتب من تراب الطريق: الأنصار.. العطاء والإيثـار (141)

يتحدث المسلمون وتتحدث المدينة، بما درج عليه العرب منذ الجاهلية، من لجوء إلى بعض العرب إلى «النسىء» .. بأن يجعلوا العام ثلاثة عشر شهرًا .. فيجعلوا
« المحرم » « صفرًا » .. حتى يستحلوا فيه ما لا يستحل فى « المحرم » أحد الأشهر الأربعة الحرم.. وكان جنادة بن عوف بن أمية الكنانى ويكنى «أبو ثمامة» ، يوافى الموسـم كل عام فينادى : « ألا إن أبـا ثمامة لا يُحَاب ولا يُعَاب (لا ينسب إليه إثم) ، ألا وإن صَفَر العام الأول العام حلال » فيحله الناس ، فيحرم صَفَر عامًا، ويحرم المحرم عامًا .. وهذا تحايل وكفر، باستحلال المحرم فى الشهر الحرام .. فهم يتركون المحرم عامًا، وعامًا يحرمونه! وكان البعض يستغل ذلك فيجعل المحرم صفرًا، ليغزوا فيه ويغنموا فيه ويصيبوا فيه، كفرًا واحتيالاً على الشهر الحرام .. وكان المشركون يسمون الأشهر: « ذو الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع أول، وربيع آخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو الحجة (مرة ثانية) » .. فيحجون فيه مرة، ثم يسكتون عن شهر المحرم فلا يذكرونه، ليستحلوا فيه الحرمات .. فكان المشركون بذلك يحرمون أربعة أشهر من السنة ، عدًّا لا تحديدًا بأسماء الأشهر ، فيؤخرون بعضها أو يقدمونه ويجعلون مكانه من أشهر الحل وفق ما أرادوا حسب حاجتهم إلى الغزو والغصب والقتال .. وذلك تحايل وضلال وإضلال!

وفى هذا النسىء ، تنزل على الهادى البشير (صلى الله عليه وسلم) قول رب العزة : « إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ » ( التوبة 37 ) .

*              *                *

 

صار المسلمون وغير المسلمين بالمدينة، يحتكمون إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يشجر بينهم من خلاف أو نزاع .. ويقول الرواة إن نزاعًا كان قد شجر بين نصرانيين: تميم الدارى وعدىّ بن بدّاء كانا يختلفان فى تجارة لهما إلى الشام من قبل الإسلام، وبين أهل مولى لبنى سهم يقال له بدين بن أبى مريم، وكان يختلف بدوره فى تجارة له بالشام .. والتقى هناك بتميم وعدىّ وألمّ به مرض، وخشى الموت، فأوصى إليهما بما معه، وكان فيه « جام » من الفضة (إناء من الفضة مخوص بصفائح الذهب مثل خوص النخل)، وطلب منهما قبل أن يلاقى ربه بأن يبلغا ما ترك إلى أهله.

فلما آبا ودفعا إلى أهله بما تركه، عدا « الجام » ، سألهما ذووه عنه، فقالا لهم ما ترك غير هذا وما وقع إليهما غيره .. ولم يلاق الرد لدى أهل الميت قبولاً، ولكنهم سكتوا على مضض ..

ومضت سنون، وأسلم تميم الدارى ولم يكن حين الواقعة على الإسلام، فشعر بالإثم وذهب يسأل عن أهلية الميت حيث وجدهم، فأقر لهم بأنه كان وصاحبه قد باعا «الجام» بألف درهم، وأعطاهم خمسمائة درهم، وأرشدهم إلى أن صاحبه فى ذمته مثلها ..

بيد أن عدىٌّ أنكر ما بذمته، فأتى أهل السهمى به إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلاذ عدىّ بالإنكار، فسألهم الرسول البينة على دعواهم فعجزوا .. فأمرهم الرسول عليه السلام أن يستحلفوه فحلف بما يعظم به عند أهل دينه، فلم يكن مسلمًا .. بينما حلف أولياء السهمى بأن
«الجام» له ، واستمسكوا بأن شهادتهم أحق من إنكاره .. وعز الترجيح بين المتخاصمين لافتقار الدليل ..

حينذاك تنزل على النبى عليه الصلاة والسلام من آيات ربه .. « يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِى بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى
أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ
لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ » ( المائدة 106 ـ 108 ) .                ( يتبع )

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg