| 29 أبريل 2024 م

رجائى عطية يكتب "من فيض الخاطر" : "الأنصار.. العطاء والإيثار" 147

  • | الثلاثاء, 25 أبريل, 2017
رجائى عطية يكتب "من فيض الخاطر" : "الأنصار.. العطاء والإيثار" 147

هول النبأ العظيم

على غير الأمل الذى ملأ القلوب، فوجئ المسلمون فى ضحى الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة (8 يونيو سنة 632 م)، بأصوات كالنشيج تتسرب إلى المسجد النبوي من بيت النبي الذى أملوا فى الصباح، حين أتاهم بالمسجد، وحضر الصلاة، أنه صلى الله عليه وسلم قد أبل من مرضه، ولكن سرعان ما تسرب إلى المسجد، مع أصوات النشيج، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قُبض، وفاضت روحه إلى بارئها وهو شاخص يقول: «بل الرفيق الأعلى من الجنة».

أخذ الناس يتسامعون بالنبأ العظيم، بين مصدقين ومنكرين، وأسرع عمر بن الخطاب إلى حيث كان جثمان النبى عليه السلام، وهو لا يصدق أنه مات، فكشف عن وجهه فألفاه بلا حراك، فحسبه فى غيبوبة لا بد أنه سيفيق منها. وعبثًا حاول المغيرة بن شعبة إقناعه بالحقيقة الأليمة، ولكن عمر غضب قائلًا له: كذبت! ثم خرج إلى المسجد لا يلوي على شيء، فقال والصدمة لا تزال ناشبة فيه: «لا أسمعن أحدًا يقول: إن محمدًا قد مات. إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى، إنه والله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل: قد مات. والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى، وإنى والله لأرجو أن تقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات» وروى عكرمة أنه رضي الله تعالى عنه جعل يقول: «إنما عُرج بروحه كما عُرج بروح موسى، ولا يموت رسول الله حتى تُقطع أيدى أقوام وألسنتهم» وأضاف عكرمة أن عمر ما زال يتكلم حتى أَزْبَدَ شِدقاه!

وقيل: إن أبا بكر الصديق قد جاء وعمر يخطب فى الناس، وهم فى حالة أشبه بالذهول، فبدأ أبوبكر دون أن يلتفت إلى شيء بالذهاب إلى بيت عائشة، فألفى النبي عليه الصلاة والسلام مُسَجًّى فى ناحية من البيت مغطى ببُرد حِبَرَة، فأقبل حتى كشف عن وجهه، ثم أقبل عليه يقبله وقال: ما أطيبك حيًّا وميتًا! ثم قال: «بأبى أنت وأمى، أما الموتة التى كتبها الله عليك فقد ذقتها، ثم لن يصيبك بعدها موتةٌ أبدًا». ورد البُرد على وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم ـ ثم خرج وعمر بن الخطاب لا يزال يكلم الناس.

من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات

ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

فقال أبوبكر لعمر: على رسلك يا عمر! أنصت! لكن عمر أبى أن يسكت أو ينصت واستمر يتكلم. فأقبل أبوبكر على الناس وأشار إليهم بأنه يكلمهم، فأسرعوا إليه وانصرفوا عن عمر، وتحدث أبوبكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس، إنه من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت». ثم قرأ:

«إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ» (سورة الزمر الآية30).. ثم تلا قوله تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِى اللّهُ الشَّاكِرِينَ» (سورة آل عمران الآية 144).

هنالك أفاق الناس، وخَرَّ عمر على الأرض ما تحمله رجلاه بعد أن أيقن أن رسول الله قد مات، ووصف عمر نفسُه ما أَلَمَّ به فقال فيما نقله الرواة عنه: «ما هو إلَّا أن سمعت أبا بكر يتلوها أي الآية فعفزت (دهشت) حتى وقعت على الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات»!

أبو عبيدة بن الجراح يرد اقتراح عمر بتوليته

وكيف وفيهم الصديق وثاني اثنين

ما إن أفاق عمر من الصدمة، وأيقن أن رسول الله قد مات، حتى جعل يفكر فيما يمكن أن يحدث لو اضطرب أمر الناس واختلفوا بعد وفاة الرسول. هنالك أسرع عمر يشق طريقه بين المجتمعين بالمسجد، حتى أتى أبا عبيدة بن الجراح، فقال له: «ابسط يدك أبايعك، فأنت أمين هذه الأمة على لسان رسول الله».

قيل: إن أبا عبيدة وجم حين سمع عبارة عمر، ولا بد أنه أدرك بدوره ضرورة البت العاجل فى أمر المسلمين، ولكنه لم يرض مقالة ولا رأي عمر، فقال له فى عتاب صارم: «ما رأيت لك فَهَّة (السقطة أو زلة اللسان) قبلها قط منذ أسلمت! أتبايعنى وفينا الصديق وثانى اثنين»؟!

وأنت لا تستطيع إلَّا أن تتوقف ذاهلًا متعجبًا معجبًا بهذا الأمين الحكيم المنكر ذاته، تأتيه بيعة الخلافة، ومن عمر بن الخطاب، والخلافة شرف ترنو إليه النفوس، فيكتم دعوته لفوره، ويعاتبه عتابًا شديدًا مسكتًا، فسكت عمر، ولم يعقب.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg