| 29 أبريل 2024 م

الدكتور سامح فوزى يكتب كلمة حق: الاستثمار فى رأس المال الدينى

  • | الجمعة, 12 مايو, 2017
الدكتور سامح فوزى يكتب كلمة حق: الاستثمار فى رأس المال الدينى

أسباب الهجوم على الأزهر متعددة، وأظن أنها باتت واضحة للمجتمع، ليس فقط لنخبته المثقفة، ولكن أيضًا بالنسبة لجمهوره العادى. ذكر أحدهم على موقع «فيس بوك» تعليقًا على حديث أحد هؤلاء المُغيرين على الأزهر فى برنامج تليفزيونى «لماذا يتحدث بهذا الكمّ من الكراهية؟». المواطن العادى يدرك من الحديث ما إذا كان المتحدث يبغى الإصلاح، وبالفعل مؤسسة الأزهر، وكافة المؤسسات، تحتاج دائمًا إلى تطويرٍ ومراجعة وتحديث، أو أن غاية الحديث تقزيم الأزهر، وإضعاف دوره، وهز هيبة قيادته.

كل ذلك يدفع إلى التساؤل: لماذا يريد البعض تنمية رأس المال المادى فى حين يتخذون موقفا سلبيًّا من رأس المال الدينى؟

فى حياة المجتمعات هناك رأس مال مادى يستثمر فيه الناس مقابل عائد مثل الأموال السائلة والأراضى والعقارات والمشروعات، وغيرها، ويعتبرون ذلك عنوانًا للنمو الاقتصادى، وهناك رأس مال بشرى يتمثل فى التعليم والصحة والتدريب، ورأس مال اجتماعى يكمن فى العلاقات الاجتماعية التى تُبنى على أساس الثقة والتضامن والاحترام المتبادل، وهناك رأس مال دينى يتجسد فى المؤسسات الدينية، والرموز والقيم الدينية، والقيادات الروحية والعلماء. وكلما استثمر المجتمع فى رأس المال المرغوب لديه حصل على عوائدَ مرغوبةٍ. والسؤال: هل يمكن أن يتقدم المجتمع إذا كان كل غرضه النمو الاقتصادى دون أن يهتم بالاستثمار فى رأس المال الدينى؟ بالتأكيد لن يتحقق ذلك؛ لأن المؤسسات الدينية تساعد على توفير شبكات أمان اجتماعى تساعد الفقراء والمحتاجين فى الوصول إلى خدمات اجتماعية، وتنشر القيم الروحية والأخلاقية، وتعزز من فرص التعاون، وتعطى روحًا إنسانية دافقة تتسلل فى العَلاقات الاجتماعية تحفظ لها توازنها، وتساعد المرء على تحقيق غاياته فى إطار إنسانى وأخلاقى. وتشير الخبرة التاريخية إلى أن المجتمعات التى راهنت على التقدم المادى، وسعت إلى وأد الروح الدينية باعتبارها مُناهضةً للتقدم فشلت، وتخبطت فى أجواء من المادية القاسية، والآن تتصاعد فيها دعواتٌ تطالب باستعادة دور الدين مرة أخرى.

فى أوروبا هناك تجليات قوية لعودة الدين بعد أن تسبب التقدم المادى وحده، والركون إلى الحداثة الثقافية فقط فى موجات من التمزق الإنسانى. هناك الكثير الذى يمكن أن يقال فى هذا الصدد، ولكن ما يمكن أن نتوقف أمامه الآن هو خطاب البابا فرنسيس الذى يسعى إلى التركيز على الرسالة الاجتماعية والإنسانية للعمل الدينى، ونقد الرأسمالية المتوحشة، والمجتمع الاستهلاكى الذى استلب الروح الإنسانية، وفرّغ المظاهر الدينية من مضمونها الحقيقى.

من هنا أستغرب أن نجد خطاباتٍ معاكسةً فى المجتمع المصرى ترى الدين خصمها، والمؤسسات الدينية معوقة، والخطابات الدينية موئلًا للتطرف والعنف. قد يكون هناك قصور فى أداء المؤسسات الدينية، وقد نجد خطابات دينية تصدر للجمهور غير ملائمة أو تحوى أفكارًا فى غير موضعها، أو نُجابه صورة خاطئة يصدرها البعض- أفرادًا أو جماعات- عن التدين، ولكن سيظل علاج كل ذلك ليس بمواجهة الدين، والانقضاض على مؤسساته، والافتئات على هيبة رموزه، ولكن من خلال استثمارٍ جديدٍ فى رأس المال الدينى، من خلال تطوير العلوم، ودعم المؤسسات الدينية، وتشجيع العلماء على الإبداع، والتجديد، والنظر إلى التراث فى إطار مستجدات العصر، وبعث روحٍ جديدةٍ للتدين فى المجتمع، بحيث يصبح الدين طاقةَ تَحرّرٍ للإنسان.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg