| 05 مايو 2024 م

الدكتور عبد الحليم منصور يكتب.. ونواصل: فقه القبلة

  • | الجمعة, 12 مايو, 2017
الدكتور عبد الحليم منصور يكتب.. ونواصل: فقه القبلة

فى النصف من شعبان من كل عام يحتفل المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها بعيد تحويل قبلة المسلمين من البيت المقدس إلى بيت الله الحرام، وهذا الحدث له أهمية ودلالة خاصة فى حياة المسلمين، وقد تحدث القرآن الكريم عن ذلك كله فى ثلة من آيات الذكر الحكيم من سورة البقرة، وسوف أتناول بعضًا من فقه تحويل القبلة على النحو الآتى:

أولًا - أول ما يدل عليه حدث تحويل القبلة هو وقوع النسخ فى الشرع الإسلامى، فأول ما نُسخ من شريعة الإسلام القبلة، خلافًا لما ذهب إليه البعض من القول بإنكار النسخ كأبى مسلم الأصفهانى، خلافًا لما عليه جماهير أهل العلم، قال تعالى: «مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا» وقد كانت القبلة فى أول الإسلام إلى بيت المقدس، وقد مكث المسلمون قرابة ستةَ عشرَ أو سبعةَ عشرَ شهرًا يتجهون فى صلاتهم إلى بيت المقدس، ثم نُسخ هذا الحكم، وأُمروا أن يتجهوا فى صلاتهم إلى بيت الله الحرام .ثانيًا - وجوب العمل بخبر الواحد، وأنه حجة يجب العمل بها، ذلك أن نصوص السنة قسمان: متواترة، وهى ما نقله جمعٌ عن جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب إلى منتهى السند من غير شذوذ ولا علة قادحة.

ويفيد الخبر المتواتر العلم الضرورى، وهو الذى يضطر الإنسان إلى اعتقاده بحيث لا يمكنه دفعه، وإنما كان ضروريًّا - أى غير محتاج إلى نظر - لحصوله لمن لا يتأتى منه النظر والاستدلال كالبُلْهِ والصبيان. ومِن ثَمَّ فالمتواتر على رأس المقبول من السنة ويجب الاحتجاج والعمل به دون البحث عن رواته؛ لأنه باستيفائه شروطه السابقة، يكون حريًّا بالتصديق به، واليقين بما جاء فيه، من غير حاجة إلى البحث فى عدالة كلٍّ منهم أو ضبطه.

القسم الثانى: الآحاد، وخبر الواحد هو ما لم يجمع شروط المتواتر، أو هو ما رواه الواحد أو الاثنان فأكثر، ممّا لم تتوافر فيه شروط المتواتر، وجمهورُ العلماء على وجوب العمل بخبر الواحد متى ثبتت صحته، لكنه لا يفيد قطعًا كالمتواتر، وإنما يفيد الظن من ناحية وجوب العمل به، ودلالته على الحكم الشرعى.

ويستدل الفقهاء على وجوب العمل بخبر الواحد بحدثِ تحويل القبلة بقصة أهل قباء؛ لَمّا أتاهم واحد فأخبرهم بأن القبلة قد تحولت فتحولوا، وبلَغ ذلك النبىَّ صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليهم، وبمثل بعثه صلى الله عليه وسلم لعماله واحدًا بعد واحد، وكذلك بعثه بالفرد من الرسل يدعو الناس إلى الإسلام.

ثالثًا - استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة فى الفريضة إلا صلاة النافلة فى السفر على الراحلة، فإنه يُشرع ترك الاستقبال فيها، وكذا فى صلاة شدة الخوف عند التحام الصفوف، فيصلى المسلم راكبًا، أو راجلًا، مستقبلًا القبلة، وغير مستقبل لها، فعن جابر، قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة، والمراد من هذا الحديث هاهنا: أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلى المكتوبة إلا على الأرض مستقبلًا القبلة.

رابعًا - حكم الصلاة فى الطائرة: من الأمور التى يتعرض لها كثير من المسلمين اليوم دخول وقت بعض الفرائض وهم فى السفر على متن الطائرة، فهل يجوز للمسلم أن يؤدى الصلاة وهوعلى متن الطائرة فى الجو؟ وهل يُشترط له استقبال القبلة؟ أم يسقط عنه الاستقبال.؟ وهل تصح صلاته إن عجز عن القيام والركوع والسجود؟ وللإجابة على ذلك أقول:

من الثابت فقهًا وشرعًا أن المسلم مأمور بأداء التكاليف فى أوقاتها على النحو الذى شرعه الحق سبحانه وتعالى، متى كان قادرًا على ذلك، فإذا تخلفت القدرة، فإن المسلم يكون مأمورًا بأداء التكاليف على قدر الاستطاعة، قال تعالى: «فاتقوا الله ما استطعتم» ومِن ثَمّ فمتى عجز المسلم عن الصلاة قائمًا، صلى قاعدًا، أو على جنب، ومتى عجز عن استعمال الماء، انتقل إلى التيمم.

وفى مسألتنا: وهى صلاة الفريضة فى الطائرة، إذا لم يكن المسلم متوضئًا، فيجوز له أن يضرب على بعض الأماكن فى الطائرة ليصيب من غبارها ويتيمم؛ لأنه قد يكون غير واجد للماء، أو قادر على الحصول عليه.

- على المسلم أيضًا أن يستقبل القبلة ما استطاع، متى كان قادرًا على ذلك، ويمكن معرفة القبلة فى الطائرة بالوسائل العلمية الحديثة كالبوصلات وغيرها، فإن لم يكن ذلك ممكنًا فلا شىء عليه، ويسقط عنه الاستقبال، تخريجًا على قول الفقهاء فيمن يصلى على متن السفينة.

إن الذى يصلى على الطائرة وإن لم يستقبل عين الكعبة فإنه مستقبل لهوائها كما أن الكعبة قبلة فإن هواءها أيضًا قبلة كما هو منصوص عليه فى المذاهب المُتَّبَعة وقد نُقل عليه الإجماع.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg