| 05 مايو 2024 م

عبدالله السناوى يكتب قلم زائر: زوبعة حول الأزهر

  • | الجمعة, 12 مايو, 2017
عبدالله السناوى يكتب قلم زائر: زوبعة حول الأزهر

بعض الصور تزيح ما علق على الذاكرة العامة من غبار كثيف، لكنها لا تخترع تاريخًا ولا تصطنع قيمة، وقد كان مثيرًا للالتفات أن يعيد المصريون اكتشاف وزن الأزهر الاستثنائى من صورة واحدة تناقلتها الفضائيات ووكالات الأنباء والصحف الدولية، حين احتضن بابا الفاتيكان «فرنسيس» شيخ الأزهر «أحمد الطيب» بمودة، وشَدّهُ إلى صدره مقبلًا، كانت الصورة خروجًا دراماتيكيًّا عن العلاقات البروتوكولية المعهودة بين الكنيسة الكاثوليكية والأزهر الشريف.

تجلت قيمة الأزهر فى عيون المصريين، كما لو أنهم قد اكتشفوا للتو أنه أهم مؤسسة إسلامية فى العالم لأكثر من ألف عام وإحدى منارات القوة الناعمة التى تعلم وتلهم وسطية الإسلام وسماحته.

بعد تلك الصورة الموحية بحقائقها ورسائلها استُقبل الشيخ «الطيب» بحفاوة بالغة فى كل حفل عام يُدعى إليه كنوع من الاعتذار شبه الجماعى، أو شىء من رد الاعتبار عما تعرض له من حملات أخطرها مشروع قانون جديد يَنقَضّ عمليًّا على أى استقلال للأزهر.

أرجو أولًا أن يكون واضحًا أن رد الاعتبار الحقيقى يتجاوز إجهاض مشروع القانون المثير للتساؤلات حول من يقف وراءه إلى البيئة العامة فى البلد كله.

نقدُ أى مؤسسة مشروعٌ وطلب الإصلاح ضرورى، شرط ألّا تختلط الأوراق، فيُضرب الأزهر فى صميم دوره ويُصفّى استقلاله باسم الدولة وتمكينها من الإمساك بكل الخيوط، وهذه جريمة تاريخية متكاملة الأركان تؤمم كل المؤسسات فى صوتٍ واحدٍ وتحجب عن مصر التنوع الطبيعى والتوازن الضرورى لأى مجتمع حديث.

الأزهر بلا استقلال مبنًى بلا روح.

وأرجو ثانيًا ألّا ننسى أن دوره كان استثنائيًّا فى التاريخ الحديث، كما فى القديم تمامًا، فى نقل البلد من عصور إلى أخرى، واجه الحملة الفرنسية وقاد المقاومة قبل أن يفتح الطريق لبناء دولة «محمد على» الحديثة، التى أعلت من شأن البعثات التعليمية إلى أوروبا كمدخلٍ للنهضة والعمران، وأدخلت أبناء الفلاحين الجيش كمدخل للنفوذ والقوة، كما كان دوره رئيسيًّا فى تظاهرات ثورة (١٩١٩) التى ألهمت شعارى «عاش الهلال مع الصليب» و«الدين لله والوطن للجميع»، ومن فوق منبره وُلدت زعامة «جمال عبدالناصر» الذى أعلن إرادة المقاومة للعدوان الثلاثى عام (١٩٥٦)، على الرغم من خفوت دوره من مرحلة لأخرى إلا أن إرثه ألهم عام (١٩٨٢) العودة إلى رحابه رمزًا لرفض احتلال إسرائيل للعاصمة اللبنانية بيروت، فى تلك الأيام كان هناك مؤتمر للقوى الوطنية يبحث عن مكانٍ ما للتظاهر ضد ذلك العدوان الإسرائيلى، ارتفع صوت شاب من خلف الصفوف يقول: «الأزهر».

بقوة الرمز سرَى التصفيق فى المكان مدويًا، الأزهر ولا مكان آخر غيره تجسيدًا لإرادة المقاومة المصرية فى مواجهة بطش القوة الإسرائيلية، وبقوة الرمز يستحيل تطويعه بالقوة لما تريده السلطات أيًّا كان اسمها أو عنوانها.

هذا النوع من المعارك خاسر سلفًا.

وأرجو ثالثًا ألّا ننسى أن استقلال الأزهر من مقومات أن يلعب دورَه مؤثّرًا وملهمًا فى العالم العربى والإسلامى والقارة الأفريقية وبقية العالم.

الأزهر بدعاته وأدواره خارج مصر رسول قوة ناعمة تؤثر وتنير.

أرجو رابعًا ألا ننسى أن البعثات التعليمية، التى يستضيفها الأزهر، من مقومات قوته الناعمة واستقلال دوره من ضرورات هيبته.

بلا استقلال حقيقى فهو منزوع الصلاحية والهيبة كأنه من ملحقات السلطة التنفيذية.

استقلال الأزهر، كاستقلال القضاء والجامعات، من مقومات بناء الدولة المدنية الحديثة؛ لهذا السبب بالذات نص الدستور فى مادته السابعة على أنه «هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على جميع شئونه، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم».. و«شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء». على عكس «نزعة الأخونة» تتبدّى الآن «نزعة الهيمنة» لنزع أى استقلال عنه باسم الدولة.

فى المرة الأولى هبّ المثقفون للدفاع عن استقلال الأزهر، وتَحرَّك الإعلام، بينما يكاد الصمت أن يخيم الآن.

السؤال الحقيقى الآن وهنا: أين القواعد الدستورية العامة؟

إذا لم تكن هناك قواعد تحكم فإن كل شىء مندفع إلى الفوضى.

بنص الدستور: ممنوع تأسيس الأحزاب السياسية على أساس دينى، أو الخلط بين الدينى المقدس والسياسى المتغير.

وهذه ليست مهمة الأزهر.

قبل أن نسأل الأزهر تجديد الخطاب الدينى وتنقية مناهجه التعليمية مما قد يحرض على عنف، أو عدم اعتراف، بالآخر الدينى الشريك فى الوطن علينا أن نسأل مؤسسات الدولة: أين المفوضية المستقلة ضد التمييز المنصوص عليها فى الدستور؟

أين دولة القانون والسياسات العامة التى تضمن حقوق المواطنة؟

الإجابة ليست من شأن الأزهر.

ولا غياب استراتيجية متماسكة لمكافحة الإرهاب تدخل فى مسئولياته.

ولا هو مسئول عن الانحراف التشريعى، الذى تحرّش بالهيئات القضائية ويخاصم الحريات العامة، وبعضُ ما يُطرح تحت قبة البرلمان ضد العقل والمنطق وأى مصلحة حتى بات عبئًا لا يُحتمل على أى استقرار ممكن، كما يقال دائمًا: فإن الإرهاب يواجه بكل مقدرات الدولة، والأزهر جانب فى الصورة لا كلها، يتحمل قسطه فى المسئولية ولا ينوب عن الآخرين حيث أخفقوا، بصياغة أخرى لا يصح تحميله ما تقاعست عنه السياسات العامة فى فتح المجال العام لصناعة التوافقات الضرورية بالحوار النِّدِّىِّ لا الصراخ الإعلامى، وسَدّ الفجوات الاجتماعية التى تحتضن جماعات الإرهاب وتحرض عليه.

بصياغة ثالثة، لا ردّ اعتبارٍ حقيقيًّا للأزهر دون بيئة عامة صحية تَلتفّ حوله فى حدود دوره الدستورى، وتمنع من المنبع أى زوابع ضده.

وهذه قضية مصر كلها، لا الأزهر وحده.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg