| 19 مايو 2024 م

"توثيق الخطوبة".. بين حماية المُقبلين على الزواج وزيادة العنوسة!

  • | الأحد, 21 مايو, 2017
"توثيق الخطوبة".. بين حماية المُقبلين على الزواج وزيادة العنوسة!

أعلنت النائبة بمجلس النواب عبلة الهوارى، خلال الأيام الماضية، عزمها إعداد مشروع قانون لتوثيق- الخِطبة- الخطوبة، فى إطار مشروع قانون تنظيم الأسرة، وذلك لوضع ضوابط للخطوبة سواء فى بدايتها واستمرارها، أو فى حال فسخها، كذلك لتعويض المتضرر عند الفسخ. وقالت الهوارى من الأفكار المتضمن عليها القانون: وضع شرط جزائى للفسخ، ووضع حد معين لفترة الخطوبة. يشار إلى أن مشروع القانون هذا أثار جدلاً واسعاً بين المصريين طوال الفترة الماضية. وفى هذا التقرير نرصد المحاور المختلفة لمشروع القانون، وعرض آراء عدد من الشباب من الجنسين الذين يخوضون تجربة الخطوبة فى الوقت الحالى، كما نعرض للجانب الفقهى والقانونى والاجتماعى بشأنه.

بداية، يرفض الشاب محمد الجارحي- خاطب- فكرة مشروع القانون تماماً التى تلزم طرفى العلاقة بعقد رسمى يعاقب بشروطه من يخلّ بالاتفاق، سواء أكان العقاب مادياً أو غير ذلك، ويرى أن فترة الخطوبة شُرعت أصلاً للتعارف واختبار القبول عند طرفى العلاقة، التى من الممكن أن تنجح أو تفشل، مضيفاً: «رغم أن فشل العلاقة يترك أثراً سلبياً مؤقتاً، لكنه يحمى فى الوقت ذاته من أثر سلبى دائم لو تم الزواج بدون اتفاق وقبول تام بين الطرفين». ويشير الجارحى، إلى أن «المجتمع الشرقى أو الإسلامى لا يسمح بوجود علاقة بين شاب وفتاة قبل الخطوبة، لذا فإن الخطوبة تعتبر أول فرصة ارتباط واختبار لنجاح العلاقة من عدمه». هذا وقد سبق أن فشل «الجارحى» فى خطوبة من قبل دامت ثلاثة أشهر لعدم وجود أى توافق بينه وبين خطيبته السابقة، ووفق أخيراً فى خطوبته الحالية، التى يقول عنها: «أنا مبسوط لدرجة إنى ممكن اكتب كمان مؤخر من دلوقتى»، على حد تعبيره.

ويؤكد أيضاً أنه فى حالة الفسخ فالعرف أفضل من القانون، رغم أن الطرفين قد يختلفون أحياناً فى من يستحق الشبكة، لكن العرف أكثر مرونة، حيث إنه عندما فسخ خطوبته الأولى اتفق الطرفان على أن يسترد الشبكة- من السوليتير وكلّفته 50 ألف جنيه- عيناً لا قيمة، وحينما تسلمها تحمّل خسارة المصنعية وحصل على 34 ألف جنيه فقط. ويؤكد كذلك أن العقد لن ييسر الزواج، لأنه عبارة عن ورقة وإجراءات وقانون، أما الزواج فإنه بحاجة لقبول وتناغم والسعى لتكوين أسرة مستقرة، لافتاً إلى أن وجود الشرط الجزائى سيعجل من فسخ الخطوبة أكثر من إتمام الزواج «فكل طرف سوف يشك فى نوايا الآخر، لأنه يعنى يا تكمل يا.. والحياة مينفعش تبتدى كده»، حسب قوله.

يؤيده فى ذلك أحمد عسكر، خاطب أيضاً، حيث يرى أن «التوثيق سلاح ذو حدين، فمن الممكن أن يكون سبباً فى ظلم أحد الأطراف، والخطوبة ستظل عرفاً فى المجتمع لا يمكن توثيقها، خاصة فى المجتمعات الشرقية، لأن كثيرين يمرون بتجربة الخطوبة أكثر من مرة من الجنسين على السواء، فمن سيقبل أن يعرف أن خطوبة ابنته فشلت خمس مرات مثلاً؟»، وعن كون القانون يحمى الطرفين فإنه يؤكد أنه «سيكون عقبة قانونية لا حماية، وطريقة لابتزاز أحد الأطراف، والشرط الجزائى المقترح موجود بالفعل فى العرف، ففى بعض المناطق حينما يكون الفسخ من طرف الشاب لا يسترد هداياه أو شبكته».

من جانبها، تقول رانيا السيد، مخطوبة، إن مقترح القانون «فارغ، ولا قيمة له، وفكرته هزلية تماماً»، وتظن أن الأغلبية سترفضه نهائياً، ولن ترضى بتوثيق الخطوبة، موضحة أن الخطوبة مشروعة أصلاً للتعارف كى لا يكمل أحد الطرفين إذا ظن أنه لا يستطيع ذلك قبل العقد الشرعى، فلا معنى لوجود شرط جزائى لفسخ الخطوبة. ورغم تأييد آية مصطفى، مخطوبة، للقانون إلا أنها تراه «غير منطقى ولا يقبل التطبيق، لكنه لو تم بالفعل سيحمى البنت ويوفر عليها نوعية الشباب العابث، والعكس صحيح أيضاً»، مشيرة إلى أن «الضرر المترتب على فسخ الخطوبة لا يمكن تعويضه، ولكن ربما يكون سبباً للحد من التلاعب بمشاعر الآخرين، كما سيجعل الشاب يفكر ألف مرة قبل أن يخطب، وإن كان ذلك سيزيد من معدل العنوسة فإنه سيحد أكثر من معدلات الطلاق». وفى حين أنها تؤيد القانون إلا أنها تراه غير عملى «لأن كثيرين لن يقدموا على الإعلان عن الخطوبة تفادياً لمثل تلك الأمور ولن يوثّقوا»، متوقعة أن يكون القانون «مجرد سبوبة، وهيعملوا استمارة الخطوبة بـ100 جنيه، ولا حاجة». من ناحية أخرى، يقول الدكتور أحمد الشرقاوى الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إن العادات والأعراف الاجتماعية يجب ألا تعارض نصوص الشريعة، فما يتوافق مع الشريعة ويتناسب مع مقاصدها من حفظ العِرض والعقل والمال والدين.. إلخ فهو من الشريعة ولو لم تأت به صراحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلا شَرْطاً أَحَلَّ حَرَاماً، أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً..»، فما رآه المسلمون حسناً فى مجتمع ما أو زمان ما أو مكان ما وسارت عليه جماهير الناس وحقق ذلك مصالحهم ودفع عنهم المفاسد التى تهدد هذه المصالح فهذا الفعل فى شرع الله بشرط ألا يخرجهم عن المقصد الأساسى منه وهو فى هذه الحالة «حفظ العرض». وأوضح أنه إن كان التوثيق سيحفظ الحقوق، لا بأس منه، لكن بشرط ألا يخرج عقد الزواج ولا مقدماته- الخطوبة منها - من دائرة الكرامة والعفة والوقار حتى لا ينزل إلى منزلة العقود المدنية، فالزواج وما يتعلق به من مقدمات هو رباط مقدس، ولا مانع من التوثيق، خاصة أنه يدفع الكذب والتدليس والخيانة والإنكار، كأن يخطب الشاب فتاة وينكر ذلك ويخطب غيرها أو العكس.

ويتابع الشرقاوى: «أما بالنسبة للتعويض والضرر لفسخ الخطوبة، فإن التراث الفقهى به كنوز كثيرة تحدث فيه الفقهاء، مثل بحثهم فيمن يعدل عن الخطوبة، فمن يرجع عن الخطبة يغرم ما دفعه، فإن كانت الفتاة هى من تعدل غرمت قيمة ما دفعه، وإن كان عيناً ردته، واختلف بعض الفقهاء فى إذا كانت مستهلكة، فإن كانت قد استهلكت إحدى الهدايا، فلا رد فيها، وإن كانت الهدايا جزءاً من المهر فيجب ردها»، كما يرى أن الشرط الجزائى يأخذ الأمر إلى جهة العقود المدنية، وبالرغم من أنه ليس محرماً، إلا أن به نوعاً من النزول بقيمة المرأة، فالزواج والمرأة أغلى من ذلك، مؤكداً أن المجتمع نفسه بالممارسة هو من يحدد إذا كان هذا الأمر صالحاً له أم لا، ومدى جديته وجدواه.

بدوره، يرى المحامى محمود الشافعى، أن مشروع القانون هذا يعد أمراً إيجابياً إذا تمت رعاية الطرفين فيه، ما يجعل الأمر أكثر ترتيباً وتنظيماً، ويجعل من يقدم على الخطوبة أن يعرف قيمة الخطوة التى يأخذها، لافتاً إلى أنه بدون هذا القانون يمكن للمخطوبة أن تلجأ للقانون الحالى لتقاضى خطيبها لأضرار سببها لها، ولكنه أمر غير شائع فى المحاكم، ولكن أى قانون جديد يكفل حق الطرفين بشكل أكثر تفصيلاً سيكون أفضل. ويقول الشافعى: «إذا تم تفعيل القانون بالفعل سوف يلقى إقبالاً أكبر من الفتيات مثل محاكم الأسرة تماماً». وبخبرته فى محاكم الأسرة يؤكد أن الحلول العرفية حول حقوق المطلقة- وإن حدثت بعد اتفاق- فلا تستمر أحياناً إلا لشهر أو اثنين ثم ينكص الزوج بما اتفق عليه، ما يجعل المطلقة تلجأ للمحكمة، لذا فإن وجود قانون مثل هذا سيحفظ الكثير من الحقوق فى المجتمع، ويظن أن تكاليف أو رسوم هذا التوثيق ستكون رمزية، كما سيكون القانون مفيداً إذا لم يتضمن شروطاً مجحفة وإذا كفل أدلة كافية لإثبات من المظلوم ومن تسبب فى الضرر بالفعل. أما من الناحية الاجتماعية، فيقول الدكتور طه أبوحسين أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إن الزواج نفسه ليس مقيداً فى الأصل، فقديماً كان الزواج دون قيد رسمي- وثيقة- وتوثيق الخطوبة يصنع حالة من العزوف عن الزواج بين الشباب «فلو افترضنا مثلاً فى حالات الخطوبة غير الموثقة نجاح 70 حالة من أصل 100 حالة، فهذا جيد، لكن فى حالة التوثيق بعقد وإمكان فسخه.. وماذا لو تمت خطبة فتاة أربع مرات بوثائق رسمية فهل من سيقدم على خطبتها سيكون سعيداً؟!».

ويؤكد أبوحسين، أن «القانون لا فائدة منه على الإطلاق، ويجب التفكير فى شىء يساعد الشباب فى الزواج وكيف يتمونه بأقل تكاليف، وكيف يدبرون أمورهم المعيشية فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وتوعيتهم بقدسية الزواج بدلاً من التحدث عن أمور لا جدوى منها».

آمال سامي

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg