| 15 مايو 2024 م

"الشباب" و"بوكو حرام".. خنجران في خاصرة القارة السمراء

  • | الجمعة, 7 يوليه, 2017
"الشباب" و"بوكو حرام".. خنجران في خاصرة القارة السمراء

جماعة «بوكو حرام» و«حركة الشباب» الصومالية، سلاحان يَفتِكان بأمْن القارّة ويُهدّدان أبناءها ويزيدان من معاناتهم ويعملان على نشْر الفِكر الخبيث بين أوساطهم؛ فيجعلهم أمام اختيارٍ بين أمرين وكلاهما مرٌّ: إمّا الانسياق واعتناق الفكر المتطرّف وما يَستتبع ذلك من بيعٍ للنفس وتعطيلٍ للعقل وخُسرانٍ للدنيا والآخرة، أو البقاء عُرضةً لفقْد السِّلْم والحياة الآمنة، وربما فقْد الحياة بأكملها جَرّاء عمليات هذه الجماعات الإرهابية، وعلى الرغم من خطورة الموقف يَطرقُ الأملُ أبواب أفريقيا مُعلناً أن التخلّص من الإرهاب ليس مستحيلاً - وإن كان يتطلّب جهوداً مُضنيةً - على الصعيدين الميدانى والفِكرى.

واستمراراً لجهوده فى متابعة الجماعات المتطرّفة، يواصل «مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف» عملَه على سَبْر أغوار تلك الجماعات وكَشْف حقيقتها وفَضْح مَكْرها؛ حمايةً للبلاد والعباد من مخالب هذه التنظيمات وأنيابها، ومما لا يخفى أن معاناة القارة السمراء لم تَعُدْ تقتصر على الفقر والمجاعات والأمراض والأوبئة، بل إنّ هناك وباءً أشدّ خطراً، وكارثةً أشدّ فَتْكاً؛ إنه الإرهاب الذى استشرى فى بعض دول القارة الأفريقية مُهدّداً أمْنَها، وأضحى يُشَكِّل خطراً داهماً يَنخَرُ الجسدُ الأفريقيُّ بسببه؛ ممّا يتطلّب إجراءَ تَدَخُّلٍ جراحيٍّ دقيقٍ وسريع من أجل استئصال هذا المرض الخبيث، إلا أن اتساع رقعة انتشاره جعلت عملية استئصاله من الصعوبة بمكان؛ فما أن تكاد القارة الأفريقية تتخلص من جماعة «بوكو حرام» التى تسببت فى سفْك دماء الآلاف من الأبرياء وإصابة مئات الآلاف فضلاً عن تشريد الملايين، مما جعلها تتصدر قائمة الجماعات الإرهابية الأكثر دمويّةً فى العالم لعام 2014 ثم تراجعها قليلاً فى عام 2015 لتُصبحَ فى المرتبة الثانية بعد «تنظيم داعش»، فإذا بـ«حركة الشباب الصومالية» تتصدر واجهة الأحداث بإرهابٍ ألهب منطقة شرق أفريقيا وأثار الرعب والهلع فى نفوس الأفارقة، فبعد فترةٍ من التراجُع بسبب الانقسامات التى ضربت صفوف الحركة بالإضافة لجهود العمليات العسكرية التى تنفّذها القوات الصومالية المدعومة بقوات الاتحاد الأفريقى «الأميصوم» والتى أسهمت فى إقصاء الحركة قليلاً عن المشهد، عاودت الحركة نشاطها الدموى وبشراسة كبيرة خلال عام 2016 مما جعلها تتصدّر المشهد فى أفريقيا على صعيد الجماعات الإرهابية الأكثر دمويّةً فى أفريقيا، وربما فى العالم لاسيما فى ظل تراجُع تنظيم «داعش» وانحسار «بوكو حرام»، الأمر الذى يؤكّده بيانٌ صادر عن مشروع «مواقع الصراعات والأحداث المسلحة»، وراجعه «المركز الأفريقى للدراسات الاستراتيجية»، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، جاء فيه؛ أن «حركة الشباب» تفوّقت فى عام 2016 على نظيراتها فى القارة السمراء، وتسببت فى مقتل 4281 شخصاً بنسبةٍ فاقت ضحايا هجمات «بوكو حرام» و«داعش» فى العام نفسه، إذ تسببت «بوكو حرام» فى مقتل 3499 شخصاً، وتنظيم «داعش» الذى قتل 2350 شخصاً فى أفريقيا خلال عام 2016 ذاته، وتُعدّ هذه هى المرة الأولى التى تتفوق فيها «حركة الشباب» على «بوكو حرام» من حيث عدد الضحايا.

ومن الممكن أن نوجز أسباب تَصَدُّر «حركة الشباب» الجماعاتِ الأكثر فتكاً فى أفريقيا فيما يلى:  هناك العديد من الأسباب التى جعلت من القارة السمراء بصفة عامة أرضاً خصبة للأيديولوجية المتطرفة؛ على رأسها الطبيعة الجغرافية للبلاد، وكذلك ضعف الإمكانات المتاحة لدى المؤسسات الأمنية ووسائل القضاء على الإرهاب ومعاقله، بالإضافة إلى الفقر المدقع الذى يضرب القارة، إضافةً إلى بعض المشكلات التى تعانى منها أغلب المجتمعات الأفريقية؛ كالبطالة المنتشرة بين الشباب والتى استغلتها الجماعات المتطرفة بتقديم إغراءاتٍ كثيرة، ناهيك عن الجهل المستشرى فى كثير من بلدان القارة.

كما أن «حركة الشباب» عملت على تطوير نفسها، وتعمل على اختيار الوقت المناسب لتنفيذ هجماتها، مما يجعل القوات الصومالية وقوات الاتحاد الأفريقى فى موقف المُدافع دائماً، فضلاً عن انتهاج الحركة أسلوبَ حرب العصابات، وانتشار عناصرها فى العديد من المناطق والمدن الصومالية، إضافةً إلى محاولات الحركة المستميتة من أجل إثبات الذات وفرْض السيطرة على الأرض، وخاصّةً مع ظهور «تنظيم داعش» فى الصومال، ومحاولات التنظيم المستمرة لسحْب البِساط من تحت أقدام الحركة. كما أن من عوامل تنامى خطر «حركة الشباب» وتعاظُم قوّتها خلال العامين الأخيرين، اعتماد الحركة على سلاح الإعلام فى سبيل ممارسة تضليل عقول الشباب وإغوائهم بموعوداتٍ زائفة واستمالة قلوبهم باللعب على وتر العاطفة الدينية بهدف استقطابهم للانضمام للحركة تحت زعْم أنها حركةٌ تحارب الكفار، وتَسعى لنُصْرة المسلمين، والمستضعفين، ورفْع راية الإسلام؛ مما جعل كثيراً من الشباب قليلى الوعى، ضعيفى الحُجّة، يتهافتون عليها كتَهافُت الجراد على النار، ظنًّا منهم أنهم بذلك يناصرون الدين، وما ذلك إلا وبالٌ عليهم وعلى أوطانهم وإساءة للدين وتشويه لصورته السمحة. كما يضاف لعوامل ارتفاع أسهم حركة الشباب واشتداد شوكتها انخفاض الروح القتالية لقوات الاتحاد الأفريقى بسبب الوضع المادى لجنودها، والذى تسبب فى انسحاب أهمِّ قوّةٍ عسكريّةٍ مُشارِكةٍ فى التحالف، ألَا وهى القوات الإثيوبية، التى تشارك بأكبر عدد من الجنود، وما تعانيه البَعْثة المُكلّفة بحفظ السلام فى الصومال وملاحقة عناصر «حركة الشباب» والقضاء على إرهابها من مشكلاتٍ مادية ولوجيستية وغيرها، ممّا يُؤثّر سلباً على تنفيذ مهامّ هذه البَعْثة.

و«مرصد الأزهر» إذ يُقدِّم هذه الحقائقَ ويَضعُها بين أيدى متابعيه وقرائه، فإنه لَيَعتصرُ ألماً لِما حاق بالقارّة الغنية بأبنائها وثرواتها وإن كانت فقيرة فى إمكاناتها، من إرهابٍ يقضى على الأخضر واليابس، إرهابٍ لا يَرعى فى مسلمٍ ولا غيرِه إلًّا ولا ذِمَّةً، فالكلُّ مُستهدَفٌ، والجميعُ فى نظر أولئك المجرمين كفّارٌ يجب قتالهم، ويُهيب «المرصد» بكافة المؤسسات العالمية والإقليمية والمحلية، التى تهتم بقضية الإرهاب وتقوم على مكافحته والحدّ من انتشاره بالمواجهة عسكريًّا أو إعلاميًّا أو فكريًّا، أن تقف من دول القارة التى ابتُليت بهذا الداء العُضال موقفَ الداعم المساند الذى لا يألوا جهداً فى مكافحة هذا الإرهاب والحدّ من هذا التطرّف، والوقوف صفًّا واحداً ضد أكبر خطرٍ يُهدّد البشرية جميعاً، لا الدول المتضررة من الإرهاب فحسب، وها هو الأزهر الشريف كعادته دائماً يُعلن دعمه الكامل لأى جهدٍ من شأنه إنقاذُ أبرياءَ، وتأمينُ خائفين، وتصحيحُ فكرٍ، وتقويمُ فهمٍ، وتعديلُ سلوكِ مَن يحمل بيده سلاحاً يقتل به أبرياءَ، ويصيب به مسالمين، وقد يحمل بيده ذاتِها الخيرَ لنفسه ووطنه والعالَم أجمع، ويُصبحُ عنصراً فاعلاً فى تَقَدُّم البشرية وازدهار الأوطان.

وحدة رصد اللغات الأفريقية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg