| 14 مايو 2024 م

المرأة في "داعش" .. ما بين المشاركة في القتال أو "قرن في بيوتكن"

  • | الأحد, 20 أغسطس, 2017
المرأة في "داعش" .. ما بين المشاركة في القتال أو "قرن في بيوتكن"

فى الوقت الذى تحتاج فيه المرأة إلى المشاركة فى التنمية من أجل نهضة بلادها إبان القرن الحادى والعشرين أطل عليها تنظيم داعش بوجهه القبيح البغيض؛ ليعود بها إلى الوراء أزمنة عديدة وعهودا مديدة، عبر سلسلة من المقالات الموجهة إليها بشكل خاص أماً كانت أو زوجة بنتاً كانت أو اختاً، مقالات فى ظاهرها الرحمة وفى باطنها العذاب، لا يتوانى التنظيم عن إصدارها فى كل عدد من أعداد مجلاته مدعومة ومزودة بآيات قرآنية انتزعوها من سياقها وأحاديث نبوية شريفة يخطئون فهمها، وضرب أمثلة فى غير موضعها بأمهات المؤمنين رضى الله عنهن من أجل التدليل على آرائهم الباطلة. ويبدو أن التنظيم كان يدرك قرب انهيار كيانه المزعوم، فحاول تحميل المرأة مسئولية هذا الأمر عبر مقال له بعنوان (كونى ردءا)، فأخذ يحملها مسئولية إخفاق المجاهدين على حد زعمهم فى الحروب الكاذبة التى يخوضها، ويحذرها من الإرجاف- نحو نشر الأخبار الكاذبة المثيرة للفتن والاضطرابات.

وفى مقال آخر تحت عنوان (رحلتنا إلى الله) يخاطب التنظيم المرأة مذكراً إياها بأن الرحلة ما دامت إلى الله فلا بد فيها من التضحية بالغالى والنفيس. ويعد المقال امتدادا لنهج التنظيم تجاه المرأة ورؤيته للدور الذى يجب أن تلعبه المرأة والمتمثل غالبا فى طاعة ولى الأمر طاعة عمياء، وتحجيم دورها والخوف من نشرها لما يزعزع ركائز التنظيم ويهز أركانه، فأخذ المقال يعظ النساء بالبقاء فى بيتوهن، وجعل همهن الأول شحذ همم الرجال للجهاد والثبات فى ساحة المعركة، حيث الرجل فى التنظيم يجاهد فى سبيل الله، وليس كمن يعمل بالتجارة فى ديار الكفر على حد تعبيرهم.

ومقال (رحلتنا إلى الله) هو آخر المقالات الموجهة بشكل خاص إلى المرأة من قبل هذا التنظيم، ويخاطب النساء فيه قائلاً:  «هناك الكثيرات يخرجن من بيوتهن مرات عدة، دون أن تكن لهن حاجة سوى اللهث وراء الدنيا، فى حين أن الله سبحانه وتعالى يأمرهن بالبقاء فى بيوتهن»، قال تعالى: «وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى» (الأحزاب: 33). لكن لا ضير من أن تشارك المرأة فى القتال، حيث إن مشاركتها لزوجها المجاهد فى القتال من وظائفها الأساسية، وإن لم تخرج لتقاتل فلتجلس فى البيت تصوم نهارها، وتقوم ليلها تدعو لزوجها بالنصر على ائتلافات الكفار -على حد زعمهم، فضلا عن أنه من الواجب عليها أن تشارك زوجات المجاهدين اللاتى توفى عنهن أزواجهن فى تربية أبنائهن، وأن تقبل بالتعدد كسنة لها فوائدها العظيمة على الأمة الإسلامية، كى لا تعد زوجات المجاهدين إلى ديارهن مرة أخرى ويتركن الدولة الإسلامية.

سعت المقالاتان إلى تشويه نظرة الإسلام للمرأة، وإظهار الإسلام على أنه إسلام رجال وللمرأة البيوت ثم القبور، اختزل تنظيم داعش دور المرأة من كونها نصف المجتمع، بل المجتمع برمته فى: الجلوس بالبيت وعدم الخروج منه إلا للقتال، أو إقناع زوجة توفى عنها زوجها بعدم العودة إلى ديار الكفر على حد زعمهم. أراد التنظيم حبس المرأة بداخلها، ونسى وهو نصاحا لها بأن رحلتها إلى الله تستوجب منها البقاء بالمنزل، وأن هناك مجالا رحبا لنشاط المرأة تستطيع من خلاله أن تملأ الأجواء خيراً، ورحمة وإحساناً، فيمكنها أن تبذل مجهوداً مشكورا يعود على أمتها بما لا يقل عما يأتيه الرجال من طيب أثر، أمامها من ميادين الخير أعمال مثل التمريض، وإسعاف الفقيرات من بنات جنسها بالعلاج والدواء والطعام والكساء، والعمل الخيرى والعناية بتربية اليتيمات وتعهد أمهاتهن بالرعاية والتوجيه، ومحاربة الجهل فى بنات جنسها، وإشاعة الثقافة الصحية بين النساء عامة، وتوفير العدد الوافى بالحاجة بحيث يسددن عوز النساء فى علاج الأمراض الخاصة بهن، وإن كان لا بد فعلى المرأة المساهمة فى التصدى لما يتفشى فى المجتمع من امتهان المرأة وإشقائها عن طريق البغاء والخمور وغيرها من المفاسد.

أما عن جهاد النساء، فقد شرع الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم الاستعانة بالنساء فى الجهاد، وأثابهن عليه من الغنائم، ودرج خلفاؤه من بعده على سنته؛ حتى إذا انقضى عهد الراشدين شك البعض فى هذه الاستعانة، فكتب نجدة بن عامر الحرورى إلى ابن عباس يسأله: «هل كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم يغزوا بالنساء وهل كان يضرب لهن؟»، فكتب إليه ابن عباس رضى الله عنه: (كتبت إلى تسألنى هل كان رسول الله يغزوا بالنساء؟ وقد كان يغزوا بهن فيداوين الجرحى، ويُحدين من الغنيمة)، وعليه يتضح استحباب خروج النساء ليشاركن الرجال شرف الجهاد فى حال الفتح والهجوم حين يكون الجهاد فرض كفاية على الرجال أنفسهم، أما إذا انعكس الأمر وهاجم العدو بلاد المسلمين أصبح التكليف والوجود درجة واحدة على الرجال والنساء والصبيان، والأحرار والعبيد، ولا يستأذن أحد أحداً فى تأدية هذا الواجب، وعليه فإنه وفى كلتا الحالتين ليست المرأة مضطرة للخروج للقتال، لأن القتال المزعوم لهذا التنظيم ليس سوى عبث ووهم من نسج خياله، للإفساد فى الأرض وتخريب البلاد، واستثمار النساء والأطفال وتشويه صورة الإسلام، وليس جهادا فى سبيل الله كما يدعى.

ختاماً؛ الحديث عن مصير الإنسانية وتقدمها دون ذكر المرأة ودورها، وسعيها لتحقيق الحداثة أمر من الصعوبة بمكان. فحضور المرأة فى المجتمع الإسلامى موجود منذ اللحظات الأولى، حيث مارست الريادة فى الإسلام فكانت السيدة  خديجة بنت خويلد (رضى الله عنها) أول من آمن بالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، والسيدة سمية بنت خياط رضى الله عنها أول شهيدة فى الإسلام، والسيدة رقية بنت محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أول من هاجرت إلى الله تعالى مع زوجها عثمان بن عفان (رضى الله عنه)، وغيرهن من نماذج مشرفات اشتغلن بالعلم تعلما وتعليماً، وبذلن أموالهن فى سبيل تنمية مجتمعاتهن.

إن تقاليد المسلمين فى معاملة النساء ليست على هذا النحو الذى يدعيه داعش، ولعل هذا النهج من قبل هذا التنظيم زاد من هجوم الغرب على الإسلام، وجعلهم فى حالة من رفض للتراث الدينى ظنا منهم بأنه سبب فى جعل المرأة، وانكار حقوقها، واستعبادها.

وحدة رصد اللغة التركية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg