| 14 مايو 2024 م

أفريقيا الوسطى.. حروب الجماعات المتلونة!

  • | الأحد, 20 أغسطس, 2017
أفريقيا الوسطى.. حروب الجماعات المتلونة!

أفريقيا الوسطى أو جمهورية الصراعات المشتعلة كما يمكن أن نطلق عليها، بلد أفريقى عانى كثيراً من الاضطرابات جراء صراع دام وحرب طاحنة بين جماعات تلوّنت بألوان كثيرة، فمنها ما اصطبغ بالصبغة الدينية ورفع شعار الدفاع عن المعتقد وحماية الهوية الدينية من الطرف الآخر، وقد تمثّل هذا فى جماعة سيليكا المسلمة وميليشيات أنتى بالاكا المسيحية المتشددة؛ حيث تسبب الصراع بين هاتين الجماعتين فى إغراق البلاد فى شلال من الدماء وترديها بين حطام المنازل والطرقات التى طالتها أيادى التخريب إبان ذلك الصراع، كما لم تسلم أفريقيا الوسطى من صراعات أخرى عرقية وسياسية، فضلاً عن الصراع المعتاد فى مثل هذه البلدان الفقيرة فى مواردها إلى حد ما على الموارد بين القبائل والطوائف المختلفة، فالجميع يريد الانفراد بالسلطة والاستحواذ على الموارد التى يمتلكها ذلك البلد.

ولطالما شغلت قضية الصراع الدائر فى أفريقيا الوسطى مساحة من تقارير ومتابعات وحدة رصد اللغات الأفريقية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرّف عملاً على تحقيق الرسالة التى أنشئ المرصد من أجلها وهى أن يكون عين الأزهر الناظرة على العالم بالرصد والتحليل والمتابعة والرد، فحازت تلك القضية اهتمام المرصد وأعد بعض التقارير والمتابعات بشأنها ليوضّح للقارئ حقيقة الأوضاع فى أفريقيا الوسطى، ولم يكتف الأزهر بذلك فحسب، بل أخذ على عاتقه مبادرات لإحلال السلام وإقرار مصالحة بين الأطراف المتنازعة فى البلاد حقناً للدماء وحفظاً للبلاد من خطر محدق وكارثة كبرى، فكانت قافلة السلام لأفريقيا الوسطى ثم وفد رفيع المستوى قام بدور الوساطة لحل النزاع والتوصل لاتفاق سلام بين الأطراف المتناحرة.

ورغم جهود المصالحة ومبادرات إحلال السلام ظلت أفريقيا الوسطى فى معاناتها جراء الصراع المتجدّد بين الحين والآخر، وتكبّدت جراء ذلك الصراع مئات الضحايا وآلاف بل مئات الآلاف من النازحين والمشرّدين، وقد استرعت الأزمة فى أفريقيا الوسطى اهتمام المجتمع الدولى فبادرت الأمم المتحدة بإرسال قوات متعددة الجنسيات بهدف حفظ السلام والحيلولة دون تردى الأوضاع أكثر مما هى عليه، ولكنّ ذلك لم يمنع استمرار الأزمة، بل وتفاقمها حتى إن قوات حفظ السلام ذاتها صارت مستهدفة من قبل ميليشيا مسلّحة صارت تقتّل هنا وهناك دون أن ترعى حقاً لوطن ولا إنسانية، بل وجّهت نيران أسلحتها صوب قوات حفظ السلام كما حدث، عندما أقدمت على قتل ثلاثة جنود مغاربة من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بعد أسرهم من قبل ميليشيا أنتى بالاكا فى مدينة بانجاسو والتى تبعد ما يقرب من 700 كيلومتر تقريباً عن العاصمة بانجى.

وأفادت تقارير أممية بأن هذه هى العملية الثانية من نوعها التى تقوم بها هذه الجماعة خلال أسبوع، مما دفع مجلس الأمن الدولى لمطالبة سلطات أفريقيا الوسطى بالتحقيق فى مقتل الجنود المغاربة الثلاثة وتقديم الجناة للعدالة. وأفاد بيان أصدره المجلس، بأن «أعضاء مجلس الأمن يدينون بأشد العبارات الهجوم ضد المينوسكا فى بانجاسو من قبل أفراد مشتبه بهم من مجموعة أنتى بالاكا، والذى أسفر عن مقتل جنديين مغربيين من القبعات الزرق وإصابة آخر بعد يومين من الهجوم الذى قتل فيه جندى مغربى آخر من قوات حفظ السلام.

فيما وصف «جان بيير لا كروا»، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام فى أفريقيا الوسطى الوضع فى البلاد، بـ«الخطير» مع احتمالية التراجع، وذلك عشية اندلاع معارك عنيفة شمال غرب البلاد. كما شدّد لا كروا على ضرورة مضاعفة الجهود من أجل فرض السلام وإعادة الأمن للبلاد.

المسلمون أول ضحايا العنف فى أفريقيا الوسطى

فى كل موجة عنف تجتاح أفريقيا الوسطى تطالعنا التقارير والإحصائيات بأرقام مفزعة لأعداد الضحايا إما جراء الحصار أو القتل والتنكيل بشتى ألوان التعذيب أو التشريد، ولا يجد من يطالع تلك التقارير والإحصائيات عناءً فى الخروج بنتيجة واضحة وضوح الشمس وهى أن مسلمى أفريقيا الوسطى هم أكبر المتضررين جراء أعمال العنف والأزمات الطاحنة التى تتعرّض لها البلاد، ففى أعقاب كل كارثة تحيق بالبلاد ابحث عن المسلمين تجدهم تحت الأنقاض وخلف الركام وبين الحطام، ثم توجّه إليهم أصابع الاتهام بالمسئولية عن العنف والإرهاب!!!

فقد تجدد استهداف قرى المسلمين وإجبارهم على النزوح واللجوء إلى دور العبادة من مساجد وكنائس، بحثاً عن ملاذ آمن، مما يعيد إلى الأذهان كابوس الإبادة الذى تعرض له المسلمون هناك قبل سنوات على أيدى ميليشيات مسيحية؛ حيث قامت ميليشيا أنتى بالاكا المسيحية المتشددة بمحاصرة نحو 2000 مسلم كانوا قد احتموا بكنيسة ببلدة بانجاسو Bangassou، التى تبعد نحو 700 كيلومتر شرقى العاصمة بانجى Bangui. من جانبها ذكرت مصادر أممية أن هجمات أنتى بالاكا ضد المسلمين أدت إلى مقتل ثلاثين شخصاً على الأقل، فى جرائم أقل ما توصف به أنها جرائم حرب بحق الإنسانية لا المسلمين فحسب، فضلاً عما تمثّله من تهديد للاستقرار والسلام فى البلاد ودول الجوار. يأتى هذا فيما حمّل تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية ميليشيا أنتى بالاكا المسيحية مسئولية ما يجرى فى البلاد واصفاً ما تقوم به هذه الحركة بالاستهداف الدينى للمسلمين، كما أشار التقرير إلى أن مجموعة أنتى بالاكا المسيحية تمارس عنفاً ممنهجاً وإجراماً وحشياً بحق المسلمين فتقوم بمنعهم من الصلاة وارتداء الملابس المميزة للمسلمين وتمنعهم من ممارسة حياتهم اليومية يذكر أن أعمال العنف فى جمهورية أفريقيا الوسطى أدت إلى تهجير نحو 503.600 شخص داخل البلاد بينهم أكثر من 100.000 عام 2017 وتم تسجيل أكثر من 484.000 شخص كلاجئين فى البلدان المجاورة (الكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد)، فيما فرّ نحو 21.500 شخص عبر الحدود إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية فى الأسابيع الأخيرة فقط.

وإن مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف إذ يتابع هذه التطورات الخطيرة فإنه يأسف لما آلت إليه الأمور فى أفريقيا الوسطى التى باتت مرتعاً لجماعات العنف وعصابات لا ترقب فى وطن ولا مواطنين إلاً ولا ذمة، بل تسعى لتحقيق مصالح وأهواء غير عابئة بتبعات ممارساتها وعاقبة جرائمها، كما يدعو المرصد المجتمع الدولى للتحرك بشكل عاجل لوقف الانتهاكات الجارية على الأرض، فبأى ذنب يقتل أشخاص مسالمون أو يحاصروا أو يحال بينهم وبين أبسط حقوقهم كمواطنين وأبسط حقوقهم كبشر. وينادى المرصد أيضاً بمساندة ودعم جميع مبادرات المصالحة الجادة التى تسعى لإيجاد حل جذرى للقضية ووقف فورى لجميع أشكال العنف. أما فى حالة الركون إلى حلول مؤقتة وأنصاف حلول فلا يعتقد أن تغييراً كبيراً سيحدث، بل ستبقى الإجابة عن التساؤل: الصراع فى أفريقيا الوسطى.. إلى أين؟.

وحدة رصد اللغات الأفريقية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg