| 14 مايو 2024 م

دراسة ترسم خط النهاية للإرهاب على أرض الفيروز

  • | الخميس, 5 أكتوبر, 2017
دراسة ترسم خط النهاية للإرهاب على أرض الفيروز

لا شك أن سؤالاً يدور ويجول بخاطر كل متابع لما يدور بأرض الفيروز حتى كأنه يهمس متمتماً: متى وكيف نقضى على هذا الإرهاب الغاشم الذى يضرب بيد من الحقد والجهل فيُزهق دماءً زكية وأرواحاً نقية لم تقترف إثما ولم ترتكب ذنباً إلا أنها ترابط دفاعاً عن الأرض والعرض ملبية نداء الواجب ومضحية بكل غال ونفيس من أجل تطهير تلك البقعة المقدسة من رجس الإرهاب الدموى ومن هؤلاء المجرمين الذين لا يرقبون فى مؤمن إلاً ولا ذمة؟!

ولا يرضى أى عاقل - فضلاً عن رجال وهبوا أنفسهم فداء للدفاع عن قداسة الأوطان وسلامة البنيان - أن تظل قطعة من أرض مصر يسود فيها قانون الغاب، فمن يقتص لأبناء مصر من أولئك الجبابرة الفجرة الذين استقووا بالسلاح والمال والعتاد حتى توهموا أنهم دولة فوق الدولة وأنهم أهل الحق فراحوا يفرضون باطلهم على الناس ويقتلون مخالفهم بحجة الكفر والفسق أو بأى تهمة أخرى تبيح لهم سفك الدماء التى اعتادوا على إراقتها واعتقدوا ظلماً وزوراً أنهم يتقربون لله بسفكها!

وهيهات هيهات أن يتخيل كل ذى لب مدى الذل والانكسار والقهر والخذلان حين تسير فى تلك البقعة فاقدا شعور الأمان والإحساس بالسلام ففى أى لحظة قد تقع فى أيدى هؤلاء القساة الذين لا يعرفون الرحمة ولا يفهمون العدل وحينئذ لا تملك قوةٌ فى هذا المكان سواء كانت قبيلة أو عائلة أو أفراداً مهما بلغت قوتهم أو زادت مكانتهم دفع ظلم أو رد حق لمستضعف تم الغدر به على يد هؤلاء، هذا هو الشعور الذى يراود أى قاطن جديد بأرض سيناء حين يعلم أن لتلك القطعة من أرض مصر قوانين غير القوانين وأعرافا غير الأعراف وبشر غير البشر وكأنه فى مكان لا يعرف عنه شيئا، فكم سمعنا عن تجارة بالبشر وبالسلاح وكم سمعنا عن أوكار للمجرمين وأرباب السوابق وكم سمعنا عن مزارع ومصانع للمخدرات كل هذا فى أرض الفيروز التى سالت عليها دماء زكية أبت أن يظل شبر واحد منها تحت الاستعمار أيا كان.

ولم تكن الدولة لتقبل أن يظل فيها شبر واحد لا يخضع لسيطرتها مهددا لأمنها واستقرار أبنائها ومن هنا كانت حتمية المواجهة التى بدأت بصدق عام 2013 ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هو: كيف نقضى على الإرهاب فى سيناء؟

إن النتائج التى حققها الجيش فى الآونة الأخيرة من عمليات الاقتحام ومواجهة الإرهابيين والتى تهدف فى الأساس إلى القضاء على الإرهاب من جذوره لها أثر بين لا ينكره أحد، حيث قررت القوات المسلحة أن تقتحم جبل الحلال فى سيناء والذى كان يُعد من أكثر المناطق خطورة فى مصر فقد كان مُستودعا للأسلحة والجماعات الإرهابية والتكفيرية والإجرامية المتطرفة. وبذلك فإن تطهير هذا الجبل يعد تطهيرا لنسبة كبيرة جداً من الخطر الذى كان يهدد استقرار مصر وأمنها ولا شك أن القوات المسلحة والشرطة المصرية استطاعت أن تقضى على الكثير من العناصر التكفرية التى توافدت على مصر وقُدرت بالآلاف واتخذت من سيناء موطناً لها فأصبحوا قوة تقارع الدولة حتى إنهم استعرضوا قوتهم بالسلاح أمام أكمنة وثكنات الجيش فى سيناء فى تحد واضح للدولة آنذاك وقد لعبت الأسلحة الضخمة التى تم تهريبها عبر الصحراء عقب سقوط النظام الليبى والتى تم تخزينها فى سيناء الدور الأكبر فى هذا الأمر ولا تزال القوات المسلحة تحقق انتصارات جوهرية فى هذا المجال ومما يبرهن على ذلك أن العمليات الإرهابية فى سيناء خفت وتيرتها وضعفت قوتها كماً ونوعاً وذلك أمر بديهى فى ظل فرض قواتنا المسلحة القانون على هذه المنطقة.

سينتهى الإرهاب فى سيناء حين نتمكن من القضاء على الحاضنة الفكرية والجغرافية فى تلك البقعة والحاضنة الفكرية تعنى فقدان المناعة ضد مرض التطرف والإرهاب والتى يسهل معها وقوع الأفرد ضحية للتطرف والإجرام والتمرد والانحراف وتتمثل عناصر تلك الحاضنة فى الشعور بالانعزالية والتهميش وغياب العدل الاجتماعى وانخفاض مستوى التعليم وغياب الوازع الدينى السوى وانتشار البطالة التى يمكن أن تُستغل من قبل تلك الجماعات المتطرفة والتى تعمل على استقطاب الشباب غير المحصن وتجنيدهم إما عن طريق إغرائهم بالعيش الرغد السعيد فى الدنيا وبالجنة والحور العين فى الآخرة ولعل ما يؤكد تلك الفرضية الدراسة التى أعلنتها الأمم المتحدة، فقد نشرت جريدة «القدس العربى» تلك الدراسة الصادرة حديثاً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى والتى ذكرت «أن الحرمان والتهميش... هى الأسباب الرئيسية التى تدفع بالشباب الأفارقة (حيث إن أفريقيا هى محل الدراسة) ولوج دروب التطرف والعنف والتمرد». والدراسة المكونة من 128 صفحة- وهى الأولى من نوعها- تقوم على لقاءات مع 495 متطوعاً ومجنداً فى منظمات متطرفة مثل الشباب وبوكو حرام.

ألقت الدراسة الضوء حول ما إذا كان الدين يقوم بدور فى خلق الدافع للتطرف أم لا. وعلى عكس ما يتردد، فقد أفادت البيانات بأن المنضمين للجماعات المتطرفة غالباً ما يكون لديهم مستوى تعليمى دينى أو رسمى ضعيف، كما يكونون أقل فهما لمعانى النصوص الدينية.وعلى الرغم من أن نصف المشاركين فى الدراسة قالوا إن الدين هو سبب انضمامهم للجماعات المتطرفة، فإن 57 فى المائة منهم أقروا بأن لديهم فهما قليلا أو منعدما للنصوص الدينية أو أنهم لا يقرأون تلك النصوص على الإطلاق. وهنا تجدر الإشارة إلى ما يكرره الأزهر فى كل مواقفه ووقفاته من أن الدين لا يمكن أن يصنع أو يخرج إرهابيا ولكن القراءة الخاطئة وعدم الدراسة وفهم النص بدون آلياته كل ذلك حتما يؤدى إلى إرهاب أسود باسم الدين!

تتفق الدراسة السابقة مع ما يقرره الأزهر الشريف بأن فهم المرء لدينه يمكن أن يعزز صموده أمام محاولات جذبه للتطرف حيث يصبح الدين هنا هو الغطاء العازل والقلعة التى تحمى العقل والقلب من الكراهية والعنف. كذلك فإن الدراسة تفيد بأن تلقى 6 سنوات من التعليم الدينى يمكن أن يقلل احتمالات الانضمام إلى جماعة متطرفة بنسبة 32 فى المائة.

وأما بالنسبة للحاضنة الجغرافية فهى المناطق الحدودية والنائية الواقعة على الأطراف والتى لها تضاريس خاصة من حيث الجبال والكهوف الوعرة والمغارات التى يحتمى فيها المتطرفون وتعتبر ملاذاً للعناصر الإجرامية ومخزناً للأسلحة والمخدرات وتعتبر محافظة شمال سيناء بالأخص مقصدا جغرافيا للمتشددين والمتطرفين من كل أنحاء مصر نظرا لطبيعتها البدوية والقبلية ولعل التحدى الأقوى والعائق الأصعب أمام أجهزة الدولة يكمن فى احتواء شباب سيناء واستقطاب أهلها للوقوف مع الدولة فى وجه الإرهاب الأسود وانتشال بؤره من أرض سيناء الغالية على الرغم من أجواء التوتر والاحتقان بسبب التضييقات الأمنية جراء الحرب القائمة هناك وهذا المقصد وإن كان صعبا إلا أنه يمثل السلاح الأقوى لإبادة تلك الحاضنة الجغرافية كما أن الحاجة العاجلة للتركيز على التنمية، بما فى ذلك توفير الخدمات وتعزيز المؤسسات وخلق فرص التمكين الاقتصادى تعد من الأسلحة التى تساهم فى القضاء على الإرهاب فى سيناء ولعل هذا هو هدف الدولة الذى ظهر أثره جليا فى الآونة الأخيرة من خلال تصريح وزيرة الاستثمار لجريدة الوطن يوم الأ حد الموافق 13-9-2017 حين أعلنت أن تنمية سيناء هى أفضل طريق للقضاء على الإرهاب، مشيرة إلى أن برنامج تنمية سيناء اشتمل على نحو 12 اتفاقية تمويل مشروعات من الصندوق السعودى للتنمية، بخلاف اتفاقيات تمويل أخرى مع باقى الصناديق العربية، مثل الصندوق الكويتى، والذى يساهم فى تنمية سيناء بنحو 900 مليون دولار، ويشمل إقامة 6 محطات تحلية مياه البحر، وتوصيل خطوط الكهرباء والمحولات لعدد 26 تجمعاً بدوياً. وحين تصبح سيناء مصدر جذب للشباب بسبب المساحات الشاسعة القابلة للزراعة وبسبب المشاريع الطموحة التى تقيمها الدولة فينتشر فيها العمران والعلم والثقافة ويزول عنها الطابع القبلى والبدوى ويندحر الجهل والتعصب فحينئذ ستصبح سيناء مقبرة التطرف والإرهاب، ونحن نأمل أن توضع هذه الاتفاقيات موضع التنفيذ فى أقرب وقت وأن يستفيد منها قطاع كبير فى شمال أرض الفيروز طالما حرمت منه على حساب مناطق أخرى فيها، ونرجو أن تؤخذ هذه القرارات مأخذ الجد بعدما عانينا كثيراً من بطء حركة التطوير فى سيناء على مستوى التعليم والصحة واستصلاح الأراضى وما إلى ذلك من مجالات تسبب التراجع فيها فى خلق مساحة خصبة للمتطرفين.

وحدة رصد اللغة العربية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg