لاقت كلمة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، التى ألقاها خلال احتفالية وزارة الأوقاف بليلة القدر بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى وكبار مسئولى الدولة والمتسابقين من أكثر من 85 دولة المشاركين فى المسابقة العالمية السنوية لحفظ القرآن الكريم التى عقدت بمركز الأزهر للمؤتمرات، وقبولاً واهتماماً واسعاً، حيث تحدث فضيلته عن أن الإسلام دين يدعو للتسامح والتعايش وأنه لا يوجد فى القرآن الكريم آية واحدة تدعو لقتل غير المسلمين بل كل آيات القتال تدعو لرد العدوان عن النفس.
وفى هذه السطور نرصد آراء علماء الأزهر الشريف من بعض التخصصات للقراءة فى كلمة فضيلة الإمام لتوضيح بعض المصطلحات للعامة...
فى البداية، قال د. غانم السعيد أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بجامعة الأزهر، إن كلمة فضيلة الإمام الأكبر فى احتفالية ليلة القدر جاءت لتحمل رسائل متعددة تحتاج إلى تحليل عميق لمضمونها ويجب ترجمتها إلى كل اللغات الأجنبية ونشرها فى جميع وسائل الإعلام الغربية، فقد استهلها فضيلته بعرض الاختلافات حول مفهوم القدر الذى فى ليلة القدر، وهذه رسالة إلى أن الخلاف فى التحليل والاستنباط فى الإسلام منهج إسلامى، وأن الرأى والرأى الآخر أمر مقدر فى الإسلام طالما لا يصطدم بعقيدة ولا ينتج تشدداً.
ولفت إلى أن الرسالة العظيمة والمهمة الأخرى فى كلمة فضيلته، أن ليلة القدر قدرها فى الدستور العظيم الذى نزل فيها، فبهذا الدستور صارت ليلة لها ما قبلها ولها ما بعدها، فما قبلها كان اختلالا فى منهج الحياة تحولت معه حياة البشرية إلى ظلم واستبعاد وطغيان وإهدار للإنسانية وإهانة للإنسان الذى خلقه الله وكرمه ليعبده من خلال إعمار الكون واستعمار الأرض، وكان ما بعدها انتشالا للإنسانية من وهدة الحيوانية التى انزلقت إليها حيث لا شريعة ولا شرعية، بل حياة أقرب إلى حياة الغاب.
وأوضح أن القرآن الكريم شرع للبشرية المنهج الصالح الذى تستقيم به الحياة والذى يسوى بين بنى البشر جميعا فلا فرق بين عربى ولا أعجمى ولا أبيض ولا أسود إلا بالعمل الصالح والتقوى، وبهذا المنهج سقطت أكبر دولتين فى العالم فى ذلك الوقت وكان أقوى الأسلحة التى فى يد المسلمين. هما المساواة والعدل قبل السيف والسهم.
ونوه بأن الرسالة الثالثة الواضحة فى تلك الكلمة الجامعة، هى رسالة إلى الآخر الذى يرى الإسلام على غير حقيقته ويتعامل معه من خلال تصرفات شاذة من بعض أفراده الذين لم يستوعبوا جوهر الدين ولم يقفوا على مقاصده فاختطفوا الإسلام معهم وأقام بعض الغربيين المتربصين بهذا الدين منهم شهودا على تشدد الإسلام وتطرف المسلمين والإسلام على العكس من ذلك تماما.
وتابع: «الحقيقة أن هذه الكلمة نظرا لأن كثيرا من رسائلها موجه إلى الآخر، خاصة هؤلاء الذين يتحاملون على نتيجة لعدم الفهم الصحيح لجوهره، أو نتيجة للفوبيا التى صنعتها أقلام كارهة للإسلام وناقمة على المسلمين فأنا أرى أن تترجم كلمة الإمام إلى لغات العالم عن مرصد الأزهر وكل الجهات التى تحاول أن تصحح صورة الإسلام فى أذهان الآخر».
من جهته، قال د.عبدالغنى الغريب، أستاذ ورئيس قسم العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن المسلم مكلف بالالتزام والآداب والقيم الخلقية مع الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين، فواجب المسلم أن يكون صادقا وسمحا ووفيا مع المسلم وغير المسلم، لذلك أمر الإسلام بمجادلة أهل الكتاب بالتى هى أحسن قال تعالى: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن»، وهو ما أكد عليه فضيلة الإمام الأكبر فى كلمته.
وشدد على أن الإسلام أمر أتباعه بالتعامل بالعدل ولو مع الكافر فقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم ودعوة المظلوم وإن كان كافرا ليس دونها حجاب»، «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، فمسلمو اليوم يعيشون مظهر إيمانهم بدليل أن الواحد منا لا يحسن معاملة أخيه المسلم، فما بالك إذا كانت المعاملة مع مسيحيا أو يهوديا.
وأوضح أن الإسلام لم يعاد أى دين على الإطلاق بدليل أنه أوجب حماية عير المسلم، ورعاية حقهم فى الجوار والمشاركة بالمشاعر الإنسانية، وحسن معاملتهم وحقهم فى التملك والانتقال والعيش بسلام، وهو ما حث عليه النبى صلى الله عليه وسلم: «من آذى ذميا فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله».
ولفت إلى أن الإسلام لم يعادى الديانات السماوية السابقة بدليل أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وقف حينما مرت أمامه جنازة يهودى، ويقول الصحابة له إنه يهودى يا رسول الله، فيقول صلى الله عليه وسلم: «أليست نفسا»، مشيراً إلى أن الإسلام حفظ لغير المسلمين حقوقهم، حيث التقى عمر بن الخطاب بشيخ كبير يسأل الناس الحاجة، فقال له عمر: من أى أهل الكتاب أنت؟ فقال يهودى، فسأله: ما ألجأك إلى السؤال؟ فقال الحاجة والجزية يا أمير المؤمنين، فالتفت عمر إلى من كان معه وقال: والله ما أنصفناه، أقسمو له من بيت مال المسلمين، أى اجعلوا له راتبا من بيت المال، وهو ما صار عليه صحابة رسول الله وأتباعه من بعده، وهو ما أظهر شيخ الأزهر للعالم خلال كلمته فى الاحتفالية.
من جانبها، قالت د.إلهام شاهين، مدرس العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية بنات بالقاهرة، إن فضيلة الإمام الأكبر أشار فى كلمته إلى الخطر الجديد، التى يواجه الأمة الإسلامية، ونبه إلى نوع جديد من الإرهاب الذى يلوح فى الافق وعواقبه الوخيمة التى تنذر بشر مستطير وذلك بالحديث عن البيان الذى صدر بعنوان «المسيرة البيضاء» والذى ادعى فيه من قاموا على جمع التوقيعات حيث تمكَّن من قام بالدعوة إليه من الحصول على توقيع 300 مؤيِّد من شخصيات معروفة فى فرنسا، لفكرة حذف آيات من القرآن الكريم، أبرزهم الرئيس السابق ساركوزى، ورئيس الوزراء السابق إيمانويل فالس، والمُغنّى المعروف شارل أزنافور.
ولفت إلى أن فضيلة الإمام الأكبر رد بأسلوب راقى وعلمى على هؤلاء الذين يزعمون أن هذه الآيات تدعوا إلى «قتال اليهود والنصارى»، كما نشر نصاً فى صحيفة «لوباريزيان» للمطالبة بمحاربة معاداة السامية فى فرنسا، واعتبر الموقِّعون على النص أنّ «اليهود أصبحوا مهدَّدين بشكل كبير فى فرنسا، وأن سبب صمت السلطات هو اعتبارها للتطرّف الإسلامى مجرّد ظاهرة اجتماعية، وأيضاً لحسابات انتخابية على اعتبار أنّ أصوات الجالية المُسلمة أكثر من الجالية اليهودية فى فرنسا».
وتابعت: «ما جعل هؤلاء يأملون فى تحقق ذلك وتنفيذه ما أشاروا إليه من أنّ «الفاتيكان ألغى سابقاً نصوصاً فى الكتاب المقدّس غير متناسقة ومناهضة للسامية، بحيث لا يستطيع أى مؤمن الاعتماد على نص مقدّس لارتكاب جريمة»، على حدّ قولهم، وقد تعامل فضيلته مع ما ورد فى ذلك البيان بمنهج علمى وعقلى رصين حيث تتبع ما ورد فى ذلك البيان بالرجوع إلى مضابط الفاتيكان فلم يجد اصلا صحيحا لما كتبوه من موافقة الفاتيكان على تجميد آيات بالكتاب المقدس ولا حذف لأى حرف منه وأوضح أن كل ما هنالك أن المجمع الفاتيكانى.
وأوضحت أنه كان يقر بأن بعض اليهود من ذوى السلطان وأتباعهم هم المسئولون عن قتل المسيح، إلا أن المجمع يرى أن ما اقترفته هذه الأيدى الآثمة لا يمكن أن ينسب لكافة اليهود فى عصر المسيح عليه السلام ولا فى عصرنا الحاضر ثم يطالب المجمع سائر الكنائس بأن تراعى هذه الروح وهى تعلم الإنجيل أو تكرز به، متسائلة إذا كان هذا هو حالهم، فلماذا يلجأ هؤلاء إلى الادعاءات الكاذبة حتى يبرروا مطلبهم وقد دق فضيلته ناقوس الخطر حينما ألمح إلى ما تثيره تلك الدعوات فى نفوس المسلمين.
واستطردت قائلة: «حقا قال فضيلته، فقد أثار هذا الطلب غضب المسلمين فى فرنسا ثم انتقل مع انتشار الخبر إلى إثارة غضب المسلمين فى الشرق والغرب على السواء، فوصفه إمام المسجد الكبير فى باريس بـ«الهذيان والمحاكمة غير العادلة» بحق مسلمى فرنسا، وقال إن هذا نوع من الإرهاب العلمانى وهو عين ما نتفف عليه وما نحذّر منه دائما أن التطرّف والإرهاب يأتى من مُدَّعى التَدَيُّن ومُدَّعى العلمانية والحداثة بنفس القدر، فكلاهما متطرّف يريد فرض رأيه بالقوة على الآخرين».
ونوهت بأن خوف الإمام الأكبر على مستقبل العالم والدعوة إلى عدم إثارة غضب المسلمين وتوضيح المفاهيم المغلوطة، هى التى جعلت العقلاء فى العالم يهتمون بكلمة الإمام الأكبر، حيث طلب رئيس المرصد الفرنسى ضد الإسلاموفوبيا، عبدالله ذكرى، من الموقِّعين الرجوع عن هذا النقاش «الكارثى الذى يصيب بالغثيان»، والتوقّف عن «التجنّى» على الإسلام والمسلمين.
من جانبه، قال د.على محمد الأزهرى، مدرس بكلية أصول الدين بالزقازيق، إن كلمة فضيلة الإمام مناسبة للوقت والواقع، حيث فند فضيلته مزاعم الداعين لحذف آيات القرآن الكريم، ورد عليهم بأسلوب رصين ودقيق، موضحاً أنه لو نظرنا فيما يدعيه هؤلاء الأشخاص فلن نجد آية فى القرآن الكريم تدعو لقتال غير المسلمين دون سبب، بل لن نجد آية تحض على بداية القتال من جانب المسلمين، مستشهداً بقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»، فإن صدر اعتداء الآخرين أمر لا يختلف عليه العقلاء، وجاء الأمر من الله تعالى بعدم الاعتداء على الآخرين طالما لم يعتدوا على المسلمين قال تعالى: «وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».
ولفت إلى أن فضيلته استشهد بجملة من الآيات تحث على حسن معاملة غير المسلمين، إن الله تعالى أمر بحسن البر مع غير المسلمين الذين يعيشون معنا فى مكان واحد، فقال تعالى: «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، ليس هذا فحسب بل يتجلى لنا سماحة الإسلام مع الآخرين وباعتراف البابا شنودة نفسه حيث قال فى مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية السادس عشر: إن أول مرحلة من السلام كانت فى تاريخ الإسلام هى العهود والمواثيق الشهيرة، ولعل فى مقدمتها الميثاق الذى أُعطى لنصارى نجران، والميثاق الذى أعطى لقبيلة تغلب، ووصية الخليفة أبى بكر الصديق لأسامة بن زيد، والوصية التى قدمها الخليفة عمر بن الخطاب قبل موته، والميثاق الذى أعطاه خالد بن الوليد لأهل دمشق، والميثاق الذى أعطاه عمرو بن العاص لأقباط مصر، وفى هذه المواثيق أمَّن المسيحيين على كنائسهم وصوامعهم ورهبانيتهم وأملاكهم وأرواحهم.
وأشار إلى أن تاريخ مصر مع غير المسلمين وحسن تعامل المسلمين والتعايش السلمى، فيه ما يفند مزاعمهم، فعندما أتى عمرو بن العاص إليها، كان البابا القبطى (بنيامين) منفياً ثلاثة عشر عاماً بعيداً عن كرسيه، فأمَّنه عمرو بن العاص وأعاده إلى كرسيه وأسلمهُ كنائسه التى أخذها منه الروم، وعاش معه فى سلام.