| 27 أبريل 2024 م

التنمر المدرسي .. جهود المواجهة تتواصل

  • | الأربعاء, 19 سبتمبر, 2018
التنمر المدرسي .. جهود المواجهة تتواصل

د. يسرا علام : " أنا ضد التنمر " توعية بأخطار الظاهرة

(البلطجة - التسلط - الترهيب - الاستئساد - الاستقواء) كلها أسماء مختلفة لظاهرة سلبية تعرف باسم «التنمر المدرسى»، وهى ظاهرة ليست جديدة على المجتمع، وقد ازداد الوعى بها وبأضرارها مؤخراً، لأنها بدأت تنتشر فى المدارس وبين الطلاب بسبب الغزو الإعلامى وتغير الكثير من العادات والتقاليد الأصلية للمجتمع المصرى، وهى ظاهرة تشكل خطورة شديدة على نفسية أبنائنا وسلوكياتهم، مما يستدعى التيقظ لها والوقوف على أسبابها وطرق علاجها ومحاولة القضاء عليها ومحاربتها، وهذا ما فعله المجلس القومى للطفولة والأمومة ووزارة التربية والتعليم بالتعاون مع منظمة اليونيسف والاتحاد الأوروبى من خلال إطلاق حملة لمناهضة العنف ضد الأطفال.. حول أهداف الحملة وأسباب التنمر ووسائل علاجه جاء هذا التحقيق..

فى البداية أشارت الدكتورة عزة العشماوى الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة إلى أن نسبة كبيرة من حالات العنف تتم بين الأقران أى بين الطفل والطفل، ومن هنا جاءت فكرة القيام بحملة لمناهضة العنف ضد الأطفال تحت عنوان «أنا ضد التنمر» لتوعية الناس بهذه الظاهرة وخطورتها وكيفية القضاء عليها وهذا بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة يونيسف وبدعم من الاتحاد الأوروبى وبالشراكة مع وزارة التربية والتعليم. وأوضحت أن التنمر يعد أحد أشكال السلوك العدوانى الذى يمارسه الشخص فى حق الآخر فيتسبب فى إيذائه سواء جسدياً أو لفظياً وذلك يتم بين الأطفال فى المدارس بشكل مستمر ومتعمد، وتوقيت إطلاق الحملة جاء تزامنا مع بدء العام الدراسى وهو اختيار موفق لتوقيت الحملة.

وأشارت إلى أننا قمنا بعمل الخط الساخن لنجدة الطفل وهو 16000 لكى نستقبل عليه مكالمات واستشارات الناس للاستفسار عن الحملة ومعرفة كيفية التصرف فى حالة حدوث حالات تنمر مع الطلاب سواء مع الطالب المتنمر أو الطالب الذى يتعرض للتنمر، حيث استقبلنا حتى الآن 12923 استشارة بخصوص التنمر فى خلال أسبوعين من إطلاق الحملة، وكانت محافظة القاهرة أعلى المحافظات فى معدلات الاتصالات وتليها محافظتا الإسكندرية والجيزة، وقمنا بتحليل هذه الاستشارات لكى نعرف أكثر الأعمار عرضة للتنمر وهى كانت من 10 إلى 12 عاما وهى تمثل تقريبا نصف البلاغات وباقى المكالمات تتراوح الأعمار بين 7 إلى 10 أعوام وبين 12 إلى 15عاما، وكانت النسبة الأعلى لحدوث التنمر للذكور وهى تمثل نحو 70% من الاستشارات التى جاءت إلينا، حيث إنهم أكثر ميلاً للعنف والسخرية.

وأعربت الدكتورة عزة عن سعادتها بردود الفعل الإيجابية على هذه الحملة حيث تلقى المجلس العديد من الاستشارات عن حالات التنمر وكيفية علاجها والتعامل معها والتى جاءت من مختلف الفئات أى من الآباء والأمهات ومن المدرسين وهناك اتصالات من الأطفال التى تحدث لهم حالات تنمر بأنفسهم، ففى بعض الأحيان يخجل الطفل أو يكون لديه تخوف من معرفة والديه بما يحدث له فى المدرسة من قبل زملائه فوجد الحل فى اللجوء إلينا لأنه يحكى لأشخاص لا يعرفهم ولم يرهم وهذا يعطيه شعورا بالراحة بعض الشىء، كما أنهم يقومون بمراسلتنا أيضاً على صفحة المجلس.  

وأكدت الدكتورة يسرا علام مستشار وزير التربية والتعليم للتسويق والترويج والمسئولة عن الحملة أن الهدف من حملة «أنا ضد التنمر» التوعية بأخطار ظاهرة التنمر على الطلاب فى المدارس، والمقصود بالتنمر هو الأفعال السلبية المتعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر ولو بأبسط الأشياء مثل كلمات التوبيخ والإغاظة والشتائم والتى تتم بصورة متكررة، كما أن التنمر من الممكن أن يكون بالاحتكاك الجسدى كالضرب والدفع والركل، وذلك بقصد وتعمد عزل الطفل المتنمر عليه من المجموعة ورفض الاستجابة لرغبته، وهذه الظاهرة تشكل خطورة على أبنائنا فى المدارس، فهناك تلاميذ يغيبون من المدارس خوفاً من التنمر، لذا وجب الاهتمام الجاد لمعرفة أسباب هذه الظاهرة وعلاجها لحماية أبنائنا بمساعدة معلميهم وأولياء أمورهم والمجتمع كله بجميع مؤسساته، وذلك لتحقيق استراتيجية إعادة بناء المواطن المصرى أخلاقياً وتعليمياً كما طلب الرئيس السيسى، فنحن نحقق ذلك من خلال المناهج وفى الوقت نفسه بما أننا وزارة التربية والتعليم فنهتم أيضاً بأخلاق الطالب.

وأشارت إلى أن الحملة بدأت فعالياتها فعلياً على مواقع التواصل الاجتماعى بدءا من 29 أغسطس الماضى وتوالت الحملات التليفزيونية واللافتات الخارجية بالشوارع والميادين بمناطق متنوعة منذ 6 سبتمبر، والخطوة المقبلة هى نزولنا إلى المدارس فى جميع المحافظات لعمل ندوات وورش عمل توعية للطلاب والمدرسين، فبدأنا فى وضع خطة تدريجية للاجتماع بمديرى المديريات أولاً ثم بعد ذلك مديرى الإدارات، ثم نتواصل مع جميع المدارس لجميع المراحل، وسيشاركنا جلسات التوعية الإخصائيون الاجتماعيون فى المدارس لأنهم هم من سيواجهون هذه الظاهرة وسيوجهون الطلاب بكيفية التصرف فى حالة حدوث التنمر عليهم، وهم من سيحاولون تعديل سلوك الطالب المتنمر ومحاولة معرفة ما يدفعه لهذا الفعل ضد زميله وأيضاً محاولة إيجاد حل لوقف هذا الطالب عن ممارسة هذا الفعل.

وأضافت الدكتورة يسرا أن مشاركة المجلس القومى للطفولة والأمومة لنا فى هذه الحملة ستكون من خلال نزولهم معنا للمدارس لعمل ندوات التوعية، فقيام الوزارة بمفردها بهذه المهمة أمر صعب فليس لدينا العدد الكافى لتغطية جميع المدارس فى جميع المحافظات، كما أن المجلس قام بعمل خط ساخن لاستقبال الشكاوى لأى حادث تنمر أو الإبلاغ عنها، فكل منا يساند بشكل أو بآخر للقضاء على ظاهرة التنمر تماماً.

وفى ذات السياق أوضح الدكتور جلال مجاهد المدرس بقسم الخدمة الاجتماعية وتنمية المجتمع بكلية التربية بجامعة الأزهر، أن ظاهرة التنمر تتعدد أشكالها وتتفاوت فى تأثيراتها حسب الأشخاص والمواقف، ومن هذه الأشكال على سبيل المثال ما يمارسه الشباب والفتيات فيما بينهم سواء فى المدارس أو الجامعات أو النوادى أو حتى داخل الأسرة من سلوكيات عدوانية متكررة تجاه فرد أو مجموعة، والتى غالبا ما تكون (لفظية) بهدف السيطرة على الضحية وإذلالها ونيل مكتسبات غير شرعية منها، وربما تصل إلى العنف البدنى أو الإيذاء الجسدى وهو ما يصل إلى حد الجريمة التى يجب أن يعاقب عليها القانون.

مضيفاً أن التنمر المدرسى يحدث نتيجة للعديد من الأسباب المعقدة والمتشابكة والتى تشتمل على أبعاد نفسية واجتماعية وأسرية ومجتمعية وسياسية واقتصادية وتربوية والتى اجتمعت معا بشكل معين وأثرت فى تكوين شخصية المتنمر وجعلته يمارس هذا السلوك على ضحاياه. موضحاً عدة طرق لمواجهة ظاهرة التنمر المدرسى، منها بناء الأسرة المسلمة السوية التى تعتمد على منهج التربية الإسلامية الصحيحة النابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومن توجيهاتها أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وضرورة بناء الشخصية المستقلة المتوازنة والمتكاملة فى جميع جوانب الحياة خاصة الجوانب النفسية والاجتماعية والمجتمعية، والتوازن فى تربية النشء ما بين التربية التسلطية والتربية التساهلية، وضرورة أن تسود روح المحاورة بين أفراد الأسرة (الأب والأم والأطفال) وإيجاد مساحة للتعبير عن الرأى مما ينتج عنه تربية الأطفال فى الأسرة على الحوار وقبول الآخر، وتعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال من خلال إسناد بعض المهام اليسيرة إليهم ومساعدتهم فى إنجازها وتشجيعهم بعد كل إنجاز، وكذلك الحد من الاستخدام السلبى لتكنولوجيا المعلومات خصوصا وسائل التواصل الاجتماعى، والتى أدت إلى وجود هوة سحيقة بين أفراد الأسرة الواحدة وأصبح لكل فرد من أفراد الأسرة عالمه الافتراضى بعيدا عن الواقع محور المجتمع، مع ضرورة أداء المؤسسات التربوية المجتمعية دورها فى توعية النشء خاصة فى مرحلة المراهقة بخطورة التنمر وتداعياته على الفرد والأسرة والمجتمع، ووجوب تضافر الجهود الحكومية والشعبية فى التوعية بهذه الظاهرة من خلال التكامل بين المؤسسات التربوية، خصوصا مؤسسة الأسرة والمسجد والنادى وجماعة الرفاق، وضرورة إعادة بناء منظومة القيم والأخلاق الفاضلة من جديد.

وأيدت ذلك الدكتورة أسماء عبدالفتاح المدرس بقسم أصول التربية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر، موضحة أنه بالإضافة إلى أشكال التنمر من عداء لفظى وبدنى فهناك التنمر الإلكترونى باستغلال الإنترنت والتكنولوجيا وتقنياتها كوسائل التواصل الاجتماعى لإيذاء أشخاص آخرين بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية واستخدام رسائل تسعى للترهيب والإيذاء والتخويف والتلاعب والقمع وتشويه السمعة أو إذلال المتلقى.

وعن أسباب التنمر أوضحت أن منها ما هو مرتبط بالأسرة ومنها ما هو مرتبط بالمدرسة ومنها ما هو مرتبط بوسائل الإعلام، فأحيانا يكون السبب مرتبطا بأسلوب التربية غير السوية فى الأسرة كتدليل الأطفال وعدم تعويدهم على مراعاة مشاعر الآخرين، أو بسبب إهمال الأسرة لمتابعة سلوك أبنائها وتقويمه منذ الصغر، وأحيانا يكون للأسرة دور سلبى فى تشجيع الطفل على التنمر وحثه على الانتقام ممن يعتدى عليه ظناً منهم بأنّ ذلك من حقه وأنّه دليل على قوّة شخصيّته. كما تشير نتائج الدراسات والبحوث إلى انحدار التلاميذ المتنمرين من أسر تتخذ من العنف والعقاب النفسى والجسدى وسيلة لحل مشكلاتها، وتسود هذه التصرفات أكثر فى البيوت التى ينعدم فيها الدفء والعطف والرعاية الوالدية، أما فيما يخص المدرسة فقد يقوم الطالب بتقليد بعض المعلمين الذين يمارسون العنف اللفظى أو البدنى مع الطلاب، وأحيانا يكون التنمر بسبب ما تقدمه وسائل الإعلام من برامج مستوردة تشجع على العنف كبرامج الكارتون وغيرها أو المسلسلات والأفلام الغربية التى تظهر الشخص المتنمر فى صورة بطل ويقوم الطفل بتقليدها ظنا منه بأنه بطل. 

مشيرة إلى أن علاج التنمر المدرسى يتطلب تعاون جميع مؤسسات المجتمع من مؤسسات تعليمية ووسائل إعلام ومؤسسات اجتماعية وتوفير بيئة تعليمية آمنة للطلاب والمعلمين، فيمكن تنظيم ندوات عامة لتوعية أولياء الأمور بمفهوم التنمر، وآثاره السلبية التى تعوق نمو الطلاب نفسيا واجتماعيا، والتأكيد على دور الأسرة فى غرس الأخلاق الحميدة فى نفوس الأطفال منذ الصغر كالتعاون ومساعدة الضعفاء والاحترام، وتقوية الوازع الدينى لديهم ومعالجة السلوكيات الخاطئة التى تصدر عن الأبناء منذ الصغر، حتى لا تتطوّر هذه السلوكيات ويُصبح من الصعب علاجها.

هبة نبيل – هدير عبده

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
4.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg