| 20 أبريل 2024 م

خلال حفل تقلده الدكتوراه الفخرية من جامعة "أوراسيا" فى كازاخستان.. الإمام الأكبر: طلاب الأزهر أبعد الناس عن الوقوع فى براثن الفكر المتشدد

  • | الإثنين, 15 أكتوبر, 2018
خلال حفل تقلده الدكتوراه الفخرية من جامعة "أوراسيا" فى كازاخستان.. الإمام الأكبر: طلاب الأزهر أبعد الناس عن الوقوع فى براثن الفكر المتشدد

قلدت جامعة «أوراسيا الوطنية» أكبر جامعات كازاخستان، فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، درجة الدكتوراه، وذلك فى حفل كبير، شارك فيه عمداء وأساتذة وطلاب الجامعة، وحشد من النخب والشخصيات الدينية والفكرية والثقافية فى كازاخستان.

وأعرب د.يارلان سيديكون، رئيس جامعة «أوراسيا الوطنية»، عن سعادته وفخره بزيارة الإمام الأكبر، مؤكدا أن الجامعة تعول عليها بشدة فى توثيق وتطوير علاقتها مع الأزهر، خاصة فى مجال تكوين وإعداد الكوادر الدينية، القادرة على نشر وتعليم الأصول والمبادئ الدينية، فى المساجد والمراكز الدينية.

وألقى فضيلة الإمام الأكبر كلمة خلال الحفل، أعرب فيها عن خالص الشكر والامتنــان للجامعة وأساتذتها وطلابها، مؤكداً أنه لا شك فى أن هذه القفزات الواثقة الخطى، تعليما، وراءها تعليم متميز جاد، وعقول يقظة سـاهرة تفكر آناء الليل، وتنفذ أطراف النهار، وهذا هو «الجهد المشكور» الذى تحتاجه شعوبنا الإسلامية، وتنتظره من شباب علمائها من رواد التعليم الجامعى وما قبل الجامعى، ومن المعلمين ورجال الفكر والأدب والفن والصحافة، وهو أمر ليس بصعب المنال ولا بعيد المدى حين تتوافر له شروط التغيير التى اختصرها القرآن الكريم فى قوله تعالى:  (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد: 11، والآية الكريمة قانون عام فى كل ما يراد فيه تغيير، بل هى قانون لنجاح أى مجهود يبذل على طريق التنمية والرقى والرفاهية.. ورغم أن هذا القانون نحفظه عن ظهر قلب، ويردده أبناؤنا فى مختلف مراحلهم التعليمية، إلا أنه كثيرا ما يعوزنا تطبيقه فى حياتنا العملية والنزول به إلى أرض الواقع.

تحية من القلب لهذه الجامعة المتوثبة، وإكبارا منا لصانعى عقولها وباعثى الهمم والعزائم بين جنباتها..

وقال شيخ الأزهر: لا أقول جديدا إذا رحت أتلو على مسامعكم احتفال «الإسلام» قرآنا وسنة وحضارة بالعقل والعلم، فلربما تحفظونه مثل ما أحفظه، ولكن أود أن أحدثكم عن الإطار العام للحضارة الإسلامية: علما ومعرفة وسلوكا.. وهو إطار يشبه «المثلث» المتساوى الأضلاع.. وهذه الأضلاع هى: الوحى الإلهى المخاطب به العقل الإنسانى، والعقل المفكر المنضبط بتعاليم الوحى، ثم الأخلاق التى تميز تمييزا دقيقا بين ما هو حسن وما هو قبيح. فأما الوحى فى هذه المنظومة الثلاثية فهو: النصوص الإلهية القاطعة، وهى نصوص القرآن الكريم. وما ثبت نقله ثبوتا قاطعا من أقوال النبى صلى الله عليه وسلم وأفعاله، بحسبانه نبيا يبلغ الناس ما أمره الله بتبليغه من شرائع وتعاليم وتوجيهات.

 ويأتى «العقل» ليمثل الشرط الأول فى التكليف وفهم الخطاب الإلهى والالتزام بمنطوقه ومفهومه.

  وقد عول عليه القرآن الكريم تعويلا كاملا فى خطاب الإنسان، وفى محاورة كل من لديه أهلية للفهم والحوار.

 وإن نظرة سريعة على صفحات القرآن؛ لتكفى فى إدراك «المنزلة العظمى» التى منحها للعقل، ولكل أنشطته المعرفية، سواء منها ما كان منها على سبيل الحدس، أو على سبيل الاستنباط والاستدلال. فقد وردت مادة «عقل»، وما يشتق منها أو يرادفها فى الدلالة على الفكـر والتأمـل، أكثـر من 120 مـرة فى آيات القرآن، وبمفردات متكررة لافتة للانتباه، مثل: يعلمون ويعقلون ويتدبرون ويفكرون وينظرون ويسمعون ويفقهون وغير ذلك، هذا فضلا عن التفرقة الدقيقة التى تطالعنا بين مرتبة «العلم» الذى هو اليقين الذى لا يقبل النقيض، وبين مرتبة الظن والشك والارتياب، وقد نعى الله تعالى على هؤلاء الذين يخلطون بين العلم والظن فقال:  (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا، فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا، ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) النجم: 28 - 30.

أما البعد الثالث فى هذا الإطار: فهو بعد الأخلاق الذى يرتبط بالسلوك والتصرف والتبعات الفردية والأسرية والمجتمعية..

 وأضاف شيخ الأزهر: حرصا على وقت حضراتكم أكتفى فى الحديث عن هذا البعد الثالث ببيان أمرين:

الأمر الأول: أن الحكم الخلقى فى الإسلام حكم ثابت، لا يتحرك ولا يتطور ولا يتغير، وهكذا شأن المعايير والموازين، حتى فى الأمور المادية والشئون الحسية، لأن الغش والتدليس والكذب كلها رذائل مرهونة بزيف الموازين وتذبذب المعايير، وسواء كان الموزون شيئا محسوسا، أو معقولا مجردا، ويلزم ذلك أن تكون قواعد الأخلاق حاكمة لحركة الحضارة ومصححة لمسيرة التاريخ، «ومن هنا كان من الصعب تصور أن يأتى على المسلمين زمن يتسلطون فيه على الآخر، أو يبررون قتله أو إخضاعه لإرادة غيره، فالفعل الحسن فى ميزان الأخلاق الإسلامية حسن فى كل الظروف والأحوال إلى آخر الزمان، والقبيح كذلك قبيح إلى آخر الزمان».

 الأمر الثانى: أن الأخلاق هى أساس العبادات فى الإسلام، بمعنى: أن العبادة فى الإسلام لا تغنى عن الأخلاق، مهما بالغ صاحبها فى التقيد بقيودها  والتشدد فى أدائها، والعجيب فى هذا الأمر هو أن عبادات المسلم -على اختلاف صورها وأشكالها-تصبح فى مهب الريح إذا لم تستند على خلفية من فضائل  الأخلاق العملية، قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: «إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتؤذى جيرانها بلسانها؟ فقال: لا خير فيها، هى فى النار، قالوا: وفلانة تصلى المكتوبة، وتتصدق بالأسوار من الطعام، وليس لها شىء غيره، ولا تؤذى أحدا؛ فقال: هى فى الجنة»، وكان يقول: «إن المؤمن يألف، ولا خير فى من لا يألف ولا يؤلف» ويقول: «إن العبد ليبلغ بحسـن خلقه عظيم درجات الآخرة، وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة، وإنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درك من جهنم وهو عابد».

واستطرد بقوله: تعلمون حضراتكم أن تاريخ الأزهر الشريف كجامع للعبادة وجامعة للعلوم والمعارف - يعود إلى سنة 972 ميلادية، أى منذ ألف وست وأربعين عاما مضت من عمر الزمان.. وبوسعى أن أؤكد لكم أن مناهجه التعليمية قد بنيت كلها داخل الإطار الذى أشرت إليه.. وهى تدور على دراسة: علوم النص، وعلوم العقل، وعلوم الذوق.

 وعلوم النص: هى كل ما نشأ من علوم تدور حول نص القرآن الكريم، ونصوص السنة النبوية.. كالتفسير وعلوم القرآن، والحديث وعلومـه، والفقه وأصوله وعلوم السيرة وأصول العقيدة ومسائلها الكبرى.

  أما علوم العقل: فهى مثل علم الكلام والفلسفة بمختلف مدارسها وعصورها، وعلم المنطق وأدب البحث والمناظرة، وعلم الجدل والخلاف، والمنطق الحديث ومناهج البحث.

ويقصد بعلوم الذوق: علوم التصوف الإسلامى بمدارسه وأذواقه المتعددة، وهو نفسه علم الأخلاق والآداب والفضائل..

وهكذا كان المنهج التعليمى فى الأزهر ترجمة صادقة أمينة لروح  الإسلام ووسطيته وطبيعة تراثه: العقلى، والنقلى.

 ومن المهم أن أشير إلى أن العملية التعليمية فى علوم التراث، وإن كانت تعتمد على الشرح والتوضيح، إلا أنها تقوم على منهج الحوار وثقافة الرأى والرأى الآخر، واحترام اختلاف المذاهب فى كل العلوم بلا استثناء. مما يرسخ فى ذهن الطالب الأزهرى منذ نعومة أظفاره شرعية الاختلاف، والتعامل مع الآراء المختلفة على قدم المساواة بحسبانها اجتهادات فهم النص.. وليس من حق أى مذهب أو رأى أن يصادر المذاهب الأخرى ويقصيها ما دام له سند من الشرع أو حجته من العقل.. ومن هنا قيل: «اختلافهم رحمة» أى سعة للناس فى الدين والدنيا.. وقد نقل الإمام الشاطبى فى كتابه الموافقات قول الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز: ما أحب أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا، لأنه لو كان لهم قول واحد لكان الناس فى ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، لو أخذ أحد بقول رجل منهم كان فى سعة.

وأوضح الدكتور الطيب، من هنا أيضاً كان طلاب الأزهر الشريف من أبعد الناس عن الوقوع فى براثن الفكر المتشدد، ومن أعصاهم على استقطاب الجماعات المسلحة التى تقتل الناس باسم هذا الدين الحنيف وباسم نبيه الذى بعثه الله رحمة للعالمين جميعا من إنسان وحيوان ونبات وجماد.. إن زيارتى لهذه البلدة الطيبة التى أفتتحها اليوم بلقائكم العلمى الراقى، تجدد فى ذاكرتى روابط علمية ولغوية ارتبط بها عقلى ولسانى بأرض كازاخستان وما حولها، مذ كنت طالبا بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين فى الأزهر الشريف فى ستينيات القرن الماضى، فقد بدأت دراستى فى الفلسفة الإسلامية بالكندى فيلسوف العرب، ثم بابنكم، ابن كازاخستان، فيلسوف الإسلام والمعلم الثانى أبى نصر الفارابى، المولود فى إقليم فاراب، سنة260هـ /874م، وهو ليس فيلسوفا إسلاميا فقط، بل هو فيلسوف عالمى، لاتزال جامعات الشرق والغرب تدرس فلسفته وتراثه فى كل أبعاده الميتافيزيقية والسياسية والاجتماعية، واكتشافاته الموسيقية وغيرها.. ولاتزال حياته البسيطة الموغلة فى الزهد والتعفف عن المادة مثار دهشة الزهاد وإعجاب العارفين.. وهناك فارابى آخر: ربما كان معاصرا للمعلم الثانى، وهو: أبوإبراهيم إسحاق الفارابى صاحب «ديوان الأدب» الذى تفرد فيه بمسلك خاص لم يسبقه إليه أحد، مما جعل منه أول معجم عربى مرتب بحسب الأبنية.. وقد طبع حديثا فى القاهرة فى أربعة مجلدات، وهذا العلامة اللغوى هو خال العلامة «الجوهرى» إسماعيل بن حماد، أحد علماء فاراب صاحب معجم الصحاح الذى لا يستغنى عن الرجوع إليه كاتب أو أديب فى اللغة العربية.. هؤلاء الأئمة الأعلام مجرد أنموذج لقافلة من رواد الفكر الإسلامى قد تستعصى على الحصر، نبتت فى كازاخستان ونشرت أنوار العلم والفكر فى سائر الأقطار الإسلامية، وبسابقتهم الضاربة بجذورها فى أقدم الأزمان؛ استحقت «كازاخستان» أن يقال عنها «إنها حاضنة أصيلة من حواضن العقل المسلم واللسان العربى».

 والأزهر الشريف وهو يفتح أبوابه على مصاريعها لأبناء كازاخستان للدراسة فى جنباته، إنما يراعى هذا التاريخ وهذه السابقة ويحرص كل الحرص على تواصلها واستمرارها..

وقال الدكتور الطيب: إن جامعتكم الموقرة، وهى تتفضل بتكريمى ومنحى درجة الدكتوراه الفخرية، تكرم فى الوقت ذاته الأزهر الشريف: جامعا وجامعة، علماء وأساتذة وطلابا، بل تكرم المسلمين فى الشرق والغرب، وتلفت النظر إلى رسالة الأزهر العالمية فى نشر مبادئ الإسلام الصحيحة، التى تقوم على السلام والأخوة الإنسانية، واحترام الآخر وقبوله، أيا كانت عقيدته، وكائنا ما كان جنسه أو لونه أو لغته، فالكل خلق الله وعباده، والناس سواسية كأسنان المشط، كما أخبر نبى الإسلام صلى الله عليه وسلم، وكما قال فى خطبته الأخيرة فى حجة الوداع: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربى على أعجمى، ولا لعجمى على عربى، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، كلكم لآدم، وآدم من تراب.

ودين يقوم على هذا المبدأ؛ يستحيل أن يوصف بأنه دين دماء وقتل وتفجير واغتيال، فهذه الجرائم البشعة هى خيانة لله ورسوله، وكذب وافتراء وظلم بين للإسلام والمسلمين.

طباعة
الأبواب: أخبار, متابعات
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg