| 02 مايو 2024 م

قصة الشيخ الأزهري الذي قلده قيصر روسيا بخاتم ماسي وخلده التاريخ بتمثالين .. تكامل الإسلام والغرب يعيد ذكرى رائد تعليم اللغة العربية في جامعات موسكو

  • | الخميس, 25 أكتوبر, 2018
قصة الشيخ الأزهري الذي قلده قيصر روسيا بخاتم ماسي وخلده التاريخ بتمثالين .. تكامل الإسلام والغرب يعيد ذكرى رائد تعليم اللغة العربية في جامعات موسكو

تزامنا مع الندوة الدولية «الإسلام والغرب» تستعيد «صوت الأزهر» ذكرى وفاة الشيخ محمد عياد الطنطاوى النجريدى رائد تعليم اللغة العربية فى جامعات روسيا، فقد كانت زيارته لها حدثا كبيرا كما كان فراقه لها كذلك فى مثل هذه الأيام 27 أكتوبر1861.

كان الشيخ الأزهرى النجريدى رائدا لتعليم اللغة العربية فى المدارس والجامعات الروسية وترجع قصته إلى الأزهر الشريف فبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم فى قريته نجريد أرسله والده إلى الجامع الأحمدى بطنطا فتتلمذ على يد الشيخ محمد الكومى والشيخ محمد أبوالنجا والشيخ مصطفى القناوى وحفظ متوناً كثيرة كمتن المنهج فى علم الفقه، وألفية ابن مالك؛ قبل أن يبدأ فى دراسة الشروح والتعاليق على المتون، وفى بداية دراسته بطنطا تأثر بالشيخ مصطفى القناوى، شيخ الجامع الأحمدي - آنذاك - والذى أعجب بنبوغه وقدرته الفائقة على تحصيل العلوم الشرعية فأعطاه إجازة فى تدريس الحديث من الكتب الستة؛ بالإضافة إلى موطأ الإمام مالك، وعندما بلغ الثالثة عشرة من عمره انتقل إلى القاهرة؛ ليبدأ دراسته بالجامع الأزهر ويتلقى العلم من كبار العلماء الشيخ حسن العطار، والشيخ محمد بن أحمد البيجورى، والشيخ برهان الدين إبراهيم السقا، ويصادق رفاعة الطهطاوى وصار بعدها عالما له مريدوه ومحبوه فكان من تلاميذه المستشرقان الروسيان «موخين» و«فرين» فرشح أحدهما أستاذه الطنطاوى ليخلف معلم اللغة العربية يوليان سينكوفسكى الذى ترك عمله فى القسم التعليمى التابع لوزارة الخارجية الروسية فغادر الشيخ الطنطاوى القاهرة على متن الباخرة فى 1840 ووصل إلى أوديسا على ساحل البحر الأسود يرافقه تلميذه موخين.

ومن هناك غادر إلى كييف، ثم واصل رحلته بعد ذلك ليصل إلى سانت بطرسبورج فى مايو 1840 لتستغرق رحلته فى ذلك الوقت نحو سبعين يوما وبمجرد وصوله احتفت الصحافة والدوائر العلمية والاستشراقية بمقدمه إلى روسيا، واعتبرت مجيئه بمثابة حدث ثقافى وعلمى مهم ولم تكن هذه الحفاوة محض صدفة، فقد كان اسم الشيخ الطنطاوى فى ذلك الوقت معروفاً على نحو جيد بالنسبة للعديد من المستشرقين والرحالة الأوروبيين إضافة إلى اهتمام روسيا فى تلك الفترة بالشرق والعرب، وقد ذاع صيته فى المجتمع الروسى فنشر سافيلييف، تلميذ المستعرب سينكوفسكى، الذى أصبح فيما بعد عالما فى الآثار والمنمنات مقالا بعنوان شارع نيفا فى صحيفة أخبار بطرسبورجدارت حول قدوم الشيخ حيث جاء فيها: تسألوننى من يكون ذلك الرجل الوسيم، الذى يرتدى لباسا شرقيا وعمامة بيضاء، وله لحية سوداء كالفحم، وعيون متقدة يشع منها البريق، ويعبر وجهه عن النباهة وهو المسمر البشرة، ولكن ليس من شمس سان بطرسبورج الباهتة، لقد التقيتم به مرارا وهو يتمشى فى شارع النيفا بكل زهو وفخار وخاصة عندما يكون الطقس لطيفا، وبالطبع فأنتم تتشوقون لمعرفة ذلك الشخص الغريب.. إنه الشيخ محمد عياد الطنطاوى الذى وصل للتو من شاطئ النيل؛ ليشغل مكان أستاذ اللغة العربية فى معهد اللغات الشرقية فى وزارة الخارجية الروسى ويمكنكم الآن تعلم اللغة العربية من دون مغادرة بطرسبورج، وابتدأ الشيخ عمله بإلقاء محاضراته فى كلية اللغات الشرقية بجامعة سانت بطرسبورج فى أوائل أغسطس من ذلك العام، وذاع صيته بسبب جهوده العلمية والتفاف الطلاب حوله فأصدر القيصر الروسى نيقولاى الأول مرسوماً فى الثانى من يوليو عام 1840م بتعيين الطنطاوى مستشار دولة ومشرفاً على الاحتفالات الملكية، بجانب عمله الأساسى كأستاذ للغة العربية فى القسم التدريسى بالدائرة الآسيوية لوزارة الخارجية الروسية، وهكذا صار الشيخ الأزهرى الذى ينتمى إلى طائفة علماء التنوير المسلمين يؤدى مهام عمله الجديد بصفته موظفاً فى جهاز الدولة الروسية، وعضواً فى طبقة النبلاء، وأحد المقربين من البلاط القيصرى الروسى.

وبعد سنوات أصبح الشيخ يتقن اللغة الروسية كأى مواطن روسى، بجانب إتقانه اللغات الفرنسية والفارسية والتركية والتترية، وظل يعمل بالتدريس بالإضافة إلى كونه مستشار دولة ومشرفاً على الاحتفالات الملكية حتى نهاية عمره فواصل التدريس ولم يغادر روسيا منذ قدومه إليها إلا مرة واحدة عام 1844 زار خلالها القاهرة وطنطا واهتم بجمع المخطوطات الشرقية وتبلغ مجموعة المخطوطات التى تركها الطنطاوى وتم الاحتفاظ بها فى جامعة بطرسبورج نحو ثلاثمائة مخطوطة، جزء منها عبارة عن كتابات تخصه، والآخر مخطوطات اقتناها فى فترة عمله فى الأزهر تتناول موضوعات فى تاريخ الإسلام، والصوفية، والطب، والأخلاق، والفلسفة، والدين، واللغة العربية، والعروض، واللغة العامية، وتقديرا لجهود الشيخ فى نشر اللغة العربية فى روسيا حيث كان يُدرّس قواعد اللغة، كما قلده القيصر خاتماً مرصعاً بالألماس الغالى.

وكان مقربا من القصر وله قصائد فى محبتهم منها واحدة يعرب فيها عن شكره للقيصر نيقولاى وزوجته الكساندرا يقول فى مطلعها: «الله يحفظ قيصرا والقيصرة ويُديم عز نيقولا وإسكندره». وقد كان الطنطاوى مشغولا بأتراح وطنه مصر وتمنياته له بالرقى والتقدم، مثلما تمنى صديقه رفاعة، الذى تعلم فى باريس، ولاحظ الفروق الحضارية والبون الشاسع بين مصر والغرب، فكتب إلى صديقه رفاعه الطهطاوى رسالة قال فيها: أنا مشغوف بكيفية معيشة الأوروبيين وانبساطهم وحسن إدارتهم وتربيتهم، خصوصا ريفهم، وبيوته المحدقة بالبساتين والأنهار إلى ذلك مما شاهدتهم قبلى بمدة فى باريز، إذ بطرسبورج لا تنقص عن باريز فى ذلك، بل تفضلها فى ذلك كاتساع الطرق، وأما ما قبل البرد فلم يضرنى جدا، إنما ألزمنى ربط منديل فى العنق ولبس فروة إذا خرجت، وأما فى البيت فالمدافئ متينة معدة لإدفاء الأرض ولطالما أنشدت قرب النار: النار فاكهة الشتاء فمن يرد أكل الفواكه فى الشتاء فيصطل

وترك الشيخ الأزهرى إرثا ضخما من المؤلفات أشهرها تحفة الأذكياء بأخبار بلاد الروسيا، وأحسن النخب فى معرفة لسان العرب» وهو كتاب أكسب الطنطاوى شهرة واسعة فى كل أوروبا، وترجمة تاريخ روسيا الصغير لأوسترالوف، وقاموس عربى فرنسى طبع فى قازان عام (1849م)، ومجموعة الحكايات وملاحظات فى تاريخ الخلافة والشرق الإسلامى، وقواعد اللغة العربية (مكتوب بالروسية)، ومجموعة أمثال عربية مترجمة للروسية، ونظمت جامعة سانت بطرسبورج الروسية فى نوفمبر 2010 مؤتمراً علمياً دولياً احتفاء بالمئوية الثانية لميلاد الشيخ عياد الطنطاوى، وأصدرت كتاباً من 301 صفحة، تضمن جميع الأبحاث التى تناولت سيرة الشيخ الراحل ونوقشت فى المؤتمر، وفى مارس 2016 أقامت المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم، احتفالاً شعبياً إحياء لذكرى مرور 155 عاماً على وفاة الشيخ عياد الطنطاوى، ووضعت بالمواكبة لهذه الذكرى تمثالاً للشيخ الراحل بمسقط رأسه فى قرية نجريد بمركز طنطا بمحافظة الغربية نحته الدكتور أسامه السروى المستشار الثقافى لمصر بروسيا والأستاذ بكلية التربية الفنية بحلوان وقد روعى فى صنع التمثال أن يكون نسخة طبق الأصل من ذلك التمثال المنصوب له فى مدخل مدينة بطرسبورج من قبل الحكومة الروسية حضره لفيف من المسئولين وعلماء الدين من بينهم المؤرخ الأزهرى الدكتور مجاهد الجندى، ودون قصة كفاحه ونجاحه عدد من المفكرين منهم أغناطيوس كرتشكوفسكى فى 1929م فى كتابه (حياة الشيخ محمد عيّاد الطنطاوى) وترجمته للعربية كلثوم عودة، ونشره المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بمصر عام 1964م، والدكتور حسين الشافعى فى كتاب من تراث الشيخ محمد عياد الطنطاوى أول لمعلم للعربية فى البلاد الروسية، وكذا فى موقعه الإلكترونى أنباء روسيا، وأصيب الشيخ بالشلل فى نهاية حياته وتوفى فى 27 أكتوبر 1861م ودفن بمقابر المسلمين فى ضاحية فولكوفو بالقرب من سانت بطرسبرج، وكتب على قبره الذى يعد أثرا تاريخيا وثقافيا من العلامات الروسية فى العصر الحديث هذا مرقد الشيخ العالم محمد عياد الطنطاوى، الذى قضى نصف عمره فى مصر والنصف الآخر فى روسيا يتبين للجميع أنه يمثل نموذجا للتنوع والتكامل بين الإسلام والغرب.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg