| 26 أبريل 2024 م

العلماء: الاحتفال بذكرى المولد النبوي يكون بالتأسي بأخلاق الرسول

  • | السبت, 17 نوفمبر, 2018
العلماء: الاحتفال بذكرى المولد النبوي يكون بالتأسي بأخلاق الرسول

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثالا متجسدا لأرقى الأخلاق الإنسانية الطيبة، والتى تدل على عظمة الشخصية النبوية الكريمة، ولهذا وصف القرآن خلقه بالعظمة، فقال «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، وحينما سئلت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، عن أخلاقه، قالت: (كان خلقه القرآن) أى كان نموذجا عمليا لتطبيق تعاليم القرآن وأخلاقه فعرف بشمائله وأخلاقه الحسنة كالإيثار، والتواضع، والجود والكرم، والبشاشة، والأُنس، واللين، والتحاور مع الآخر.

ولم يكتف بحسن الأخلاق لنفسه، وإنّما دعا إليها أمته لتكون خير أمة أخرجت للناس بحق، ولذلك وردت العديد من الأحاديث الشريفة التى تحث المسلمين على امتثال خلق النبى وأن يتأسوا به، عملا بقوله عليه الصلاة والسلام «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، والسؤال الآن: كيف نتأسى بخلق النبى، وما مدى حاجة المجتمع اليوم للتأسى بأخلاقه عليه الصلاة والسلام؟

يوضح الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، أننا ونحن على أعتاب الاحتفال بذكرى المولد النبوى الكريم، يجب علينا أن نتأسى بأخلاق النبى، صلى الله عليه وسلم، وأن نتحلى بها، وبخاصة الصفات الأخلاقية التى تدعو إلى الرحمة، التى شملت أهله وأصحابه والأمة قاطبة، فقد كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأمته وخيرهم لأهله، فلم يسبق يوما غضبه رحمته، ولم يكن فاحشا ولا متفحشا، ولا صخابا، ولا يجزى بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، مشيراً إلى أن المولد النبوى الشريف، يمثل أعظم إطلالة للرحمة الإلهية على الخلق أجمعين، فكانت رحمته صلى الله عليه وسلم دائرتها واسعة، شملت العام والخاص والعدو والصديق والمحسن والمسىء، ومن ظن انحصار رحمته صلى الله عليه وسلم فى المسلمين خاصة فقد ضيق واسعا، لأن سعة رحمته، كما كانت مع المسلمين، فقد كانت أيضاً فى إقالة عثرات غير المسلمين والصفح عن جفائهم وغلظتهم، وذلك وصف مقرر ومعروف من خُلقه الكريم.

فضائل الخلق

وأضاف مفتى الجمهورية أن هذه الذِّكرى العطرة تذكرنا بأخلاق النبى صلى الله عليه وسلم ومدى حاجتنا إليها من أجل أن تتوحد كلمتنا وتنطلق مساعينا نحو البناء والعمران، واستعادة الروح المحبة للحياة والمقبلة عليها، منوها إلى بعض مظاهر أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم، التى نحن فى حاجة ماسة إليها، والتى منها التزامه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق والشجاعة والكرم والأمانة والصدق كما شهد له أهل مكة قبل بعثته الشريفة وكما وضح ذلك فى مواقف شتى، لافتا إلى أن رحمة النبى صلى الله عليه وسلم لم تكن محدودة، بل كانت تشمل تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادى والمعنوى، كما أنها لم تكن مقصورة على أهل ذلك الـزمان، بل امتدت على مدار التاريخ والأيام لتشمل العالمين.

مكارم الأخلاق

فيما يؤكد الدكتور حسين عبدالمطلب العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية، وأستاذ الشريعة الإسلامية، أننا فى هذا العصر تحديدا، نحتاج إلى استعادة أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم، والتأسى بها، والعمل فيما بيننا بتلك الأخلاق الحميدة، فهذا هو واجبنا ونحن على أعتاب احتفالاتنا بذكرى مولده الشريف صلى الله عليه وسلم، مبينا أننا إذا تعاملنا فيما بيننا بتلك الأخلاق النبوية الكريمة، فلن يكون بيننا جائع أو فقير أو محتاج، أو بيننا صراعات أو بيننا قتال، وسيكون المسلمون على قلب رجل واحد، وستنتهى المشاحنات، وسنكون فعليا خير امة أخرجت للناس، كما وصفنا الله تعالى، مبينا أن التأسى بأخلاق النبوة من حسن إسلام المسلم، ومن كمال تمام الإيمان، فالخلق كما قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم: «إنّ من خياركم أحاسنكم أخلاقا»، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً عن الخلق الحسن: «ما من شىء أثقل فى ميزان العبدالمؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإنّ الله ليبغض الفاحش البذىء»، مبينا أننا إذا ما تخلقنا بأخلاق النبى صلى الله عليه وسلم فسوف نكون بحق أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذى قال بأنه بعث من أجل أن يتمم مكارم الأخلاق.

وحول الصفات التى نحتاج إليها فى زماننا هذا، قال العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية، إننا فى هذا الزمان نحتاج إلى استعادة التأسى بأخلاق النبى صلى الله عليه وسلم، والتى منها الصدق والأمانة، وكذلك أيضاً حسن التعامل مع الناس سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، فالناس سواء يجب أن نتعامل معهم بالحسنى، كما ينبغى أن نتحلى بخلق النبى صلى الله عليه وسلم فى حسن الجوار، وذلك لما نراه اليوم من المساوئ المتعددة بين الجيران وبعضهم، فنحن فى حاجة ماسة لتلك الخصلة النبوى، فالجار أحق بالحسنى فى التعامل، ولذلك نجد النبى صلى الله عليه وسلم يوصينا بالجار خير وصية، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، ومنه أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: «خيرُ الأصحابِ عِندَ الله خيرُهُم لصاحِبه، وخيرُ الجيرانِ عِند الله خيرُهُم لجاره»، منوها إلى أننا أيضاً نحتاج إلى التحلى بخلق النبى الكريم فى تعامله مع الآخر، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم فى تعاملاته مع المسلمين وغيرهم، وحتى مع مشركى مكة وغيرهم، بدبلوماسية نبوية ضربت اروع الأمثلة، ونحن اليوم بحاجة إلى استعادتها لنتعامل مع بعضنا البعض بالحسنى، وأن نتقبل الآخر ونتحاور معه، وأن نتحلى أيضاً بالحلم وعدم الغضب والتنابذ بالألقاب، والبعد عن التخاصم والفجور، لأنها من علامات النفاق.

الصادق الأمين

ويشير الدكتور حسين توفيق أستاذ الحديث الشريف وعلومه بكلية البنات الإسلامية بطيبة الجديدة، إلى أن الاقتداء بخلق النبى صلى الله عليه وسلم يكون بالتأسى بأفعاله وأخلاقه وتعاملاته، واستحضار عظمة خلقه التى وصفها الله تعالى فقال «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، موضحاً أن من خلق النبى صلى الله عليه وسلم تعاملاته مع الآخرين فلم نجده يوما متكبرا أو متعاليا بل كان متواضعا يتعامل مع الناس بالصدق والأمانة، حتى إن أهل مكة أطلقوا عليه لقب الصادق الأمين، مشيراً إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان صادقا، فنجده يقول فى حديث شريف عن أبى أمامة أنه قال «أنا زعيم ببيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت فى وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت فى أعلى الجنة لمن حسن خلقه»، ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم تركه ما لا يعنيه لقوله صلى الله على وسلم «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالا يَعْنِيهِ»، ومن أخلاقه صلوات الله وسلامه عليه أيضاً الاجتماعية أنه كان دائم السؤال عن أصحابه وجيرانه وعمن حوله فكان يسأل عنهم، فبذلك كان رسول الله مؤلفا للقلوب، يصل من قطعه ويعطى من حرمه ويعفو عمن ظلمه ويصبر للغريب على الجفوة فى المنطق والمسألة ويعود المريض ويشهد الجنائز، ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم تواضعه، فقد كان صلوات الله عليه وسلامه، يتحلى بخلق التواضع وخفض الجناح للمؤمنين، وذلك امتثالا لأمر الله تعالى.

قرآن يمشى

ومن جانبه يؤكد الدكتور نبيل السمالوطى أستاذ علم الاجتماع والعميد السابق لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، أن النبى صلى الله عليه وسلم كان قرآنا يمشى على الأرض كما وصفته ام المؤمنين عائشة رضوان الله عليها، فكان خلقه القرآن، ونحن نحتفل بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، نحتاج إلى أن نتأسى بتلك الأخلاق النبوية الكريمة، لأن تلك الأخلاق النبوية من أهم الغايات التى بعث لأجلها رسول الله عليه السلام، حيث يقول صلوات الله وسلامه عليه (إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ صالحَ الأخلاقِ)، ومما يعين المسلم على اكتساب أخلاق النبى عليه الصلاة والسلام، الاقتداء به، فنحن بحاجة إلى الاقتداء بخلق النبى فى القول والفعل والعمل، مبينا أننا بحاجة ماسة فى مجتمعاتنا اليوم إلى التأسى بأخلاق النبى فى تسامحه، فقد كان صلى الله عليه وسلم متسامحا، وبرز تسامحه فى مواقف عديدة منها عفوه عن أهل مكة يوم أن فتحها منتصرا.

وتابع أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، أننا أيضاً نحتاج فى مجتمعنا اليوم إلى التأسى بخلق النبى صلى الله عليه وسلم فى قبول التعددية وقبول الآخر، وهو ما كان يتعامل به النبى صلى الله عليه وسلم فى مجتمع المدينة بعد أن هاجر إليها، مبينا أن قبول الآخر والتعددية هو اعتراف بالآخر ويعطيه حرية العبادة وحرية التعايش مادام لم يقاتل المسلمين، منوها إلى أن قبول الآخر والتعددية تعنى التسامح وتعنى العفو والاعتراف الكامل بالحريات للآخرين، فالكل يعبدالله تعالى لكن الاختلاف فى التغطية، مشيراً إلى أن المجتمعات اليوم فى حاجة لأن تتعامل فيما بينها بالتسامح وحرية التعايش والاعتراف بالآخر، ليسود الحياة السلام والمودة، لافتا إلى أن من بين الأخلاق التى فى حاجة ماسة إليها فى المجتمعات التعلم فنحن بحاجة ماسة للتعلم لنكون أمة علم، فالرسول صلى الله عليه وسلم طالبنا بالتعلم فقال «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد» وجاء فى الأثر «اطلبوا العلم ولو فى الصين»، فنحن فى حاجة ماسة فعليا إلى التحلى بأخلاق النبى فى تعاملاتنا وفى تعايشنا وفى حياتنا، لتسود بيننا المحبة والتآلف، ونبتعد عن الخلاف والتنابذ والفرقة.

قدوة للمسلمين

فيما تؤكد الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية، على ضرورة التأسى بأخلاق النبوة الكريمة، وتربية النشء والأجيال عليها، فالنبى صلى الله عليه وسلم فى خلقه وأفعاله وسلوكياته الشريفة قدوة للمسلمين أجمعين، فيجب التأسى والاقتداء به، منوهة إلى أن أبرز ما نحتاج إليه فى التأسى به من أخلاق النبى عليه الصلاة والسلام هو قبول الآخر والتعددية، والتحاور مع الآخر، وثقافة الاختلاف فى الرأى، فقبول الآخر والتحاور معه أمر حتمى، تفرضه طبيعة الحياة، فالنبى صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع مشركى مكة، وكان يتعامل مع غيره من الأديان التى كانت موجودة فى تلك الفترة، ولم نسمع يوما أن النبى عليه الصلاة والسلام نقض عهدا أو آذى ذميا أو قاتل معاهدا، أو تعصب لرأيه، فالنبى صلى الله عليه وسلم تعايش مع ثقافات مختلفة، وعقائد مختلفة بصدر رحب فقد تعايش مع اليهود، فى مكة والمدينة المنورة بكل سلام، وكان يعاملهم بأخلاقيات الإسلام، فالمجتمع اليوم بحاجة إلى التأسى بتلك الأخلاق النبوية.

 

طباعة
Rate this article:
4.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg