| 16 أبريل 2024 م

"ادفع بالتي هي أحسن".. خُلق نبوي قولا وعملا

  • | الأحد, 18 نوفمبر, 2018
"ادفع بالتي هي أحسن".. خُلق نبوي قولا وعملا

قال الدكتور نادى محمود الأزهرى - رئيس قسم التفسير بكلية الدراسات الإسلامية بنين بأسوان جامعة الأزهر، إن من بين أخلاق القرآن المتكاثرة، وآدابه الجمَّة المتعاضدة، التى حض على التحلى بها، خلق «الدفع بالتى هى أحسن»، قال سبحانه: (وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت: 4، يقول ابن عباس: «أمر الله تعالى فى هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم». فخلق «الدفع بالتى هى أحسن» من أسمى الأخلاق، وأرفع الآداب التى حث عليه القرآن ورغب فى التخلق به.

وأشار الأزهرى إلى أن السيدة عائشة - رضى الله عنها - قالت: «إن النبى مكتوب فى الإنجيل: لا فظ ولا غليظ ولا صخاب فى الأسواق، ولا يجزى بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح».

وأوضح أن كتب السير والتاريخ تذكر أن يهوديا أراد أن يتحقق من هذا الخلق الذى نُعت به رسول الله، فيما عندهم من الكتب، كما يحدثنا ابن سعد عن الزهرى قال: إن يهودياً قال: ما كان من شىء من نعت رسول الله فى التوراة إلا رأيته إلا الحِلْم، وإنى أسلفته ثلاثين ديناراً فى تمرٍ إلى أجل معلوم، فتركته حتى إذا بقى من الأجل يوم أتيته، فقلت: يا محمد، أقضنى حقى، فإنكم معاشر بنى عبدالمطلب مُطُلٌ فغضب عمر بن الخطاب وهمَّ أن يضربه، فنهاه رسول الله وقال له: «غفر الله لك يا أبا حفص، نحن كنا إلى غير هذا منك أحوج؛ إلى أن تكون أمرتنى بقضاء ما علىَّ، وهو إلى أن تكون أعنته فى قضاء حقه أحوج»، قال اليهودى: فلم يزده جهلى إلا حلماً، فلما قبض اليهودى تمره، قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإنه والله ما حملنى على ما رأتنى صنعت يا عمر، إلا أنى قد كنت رأيت فى رسول الله صفته فى التوراة كلها إلا الحلم، فاختبرت حلمه اليوم، فوجدته على ما وصف فى التوراة».

ويتابع: فما أعجب هذا الخلق وما أسحره، إنه يتفوق على قوة العضلات، وسطوة الانتقام، فبحول الله وقوته، وبفضل هذا الخلق الذى حض عليه سبحانه فى كتابه ينقلب الخصم والعدو خلقا آخر: (فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم). ويتجلى هذا أيضاً فى موقف صاحب الخلق العظيم من كفار قريش الذين آذوه أشد الإيذاء، حيث قابل ذلك بالعفو والصفح الجميل، فعندما فتح مكة، ودانت قريش لرسول الله أعلن العفو العام عن أهل مكة، حيث قال لهم: «يا معشر قريش، ما ترون أنى فاعل بكم؟ قالوا: أخٌ كريم، وابن أخٍ كريم. قال: «لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء»، إن موقف رسول الله هذا بمثابة رسالة لأمته أن يترسموا خطاه فيها، ويجعلوا خلق «الدفع بالتى هى أحسن» واقعاً مجسداً بين أفراد المجتمع؛ ليتحقق الأمن النفسى والسلم الاجتماعى.

وذكر الأزهرى أن رسول الله أراد أن يشيع هذا الخلق فى المجتمع؛ ليسود الخير بين أفراده وينمحى الشر، وتصفو النفوس من رواسبها، وينعم المجتمع بهدوء النفس وطمأنينة القلب، وتتجدد أوصر المحبة، وتتقوى وشائج الصلات بين الأفراد، ففى الصحيح: «جاء رجل إلى النبى يقول: يا رسول الله، إن لى ذوى أرحام، أصل ويقطعون، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟ قال: «لا؛ إذا تتركون جميعاً، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك من الله ظهير ما كنت على ذلك»، وعند أبى داود عن سليم بن جابر قال: أتيت رسول الله فقلت: «يا رسول الله، إنا قوم من أهل البادية، فعلمنا شيئاً ينفعنا الله تبارك تعالى به - فذكر الحديث وفيه -: «وإن امرؤ سبك بما يعلم فيك، فلا تسبه بما تعلم فيه، فإن أجره لك، ووباله على من قاله».

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
4.4

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg