| 25 أبريل 2024 م

الثّبات على المبدأ

  • | الأحد, 18 نوفمبر, 2018
الثّبات على المبدأ

قال الدكتور سعيد الهلالى وكيل كلية اللغة العربية أستاذ البلاغة والنقد بالزقازيق جامعة الأزهر، إن الثّبات على المبدأ والالتزام به من المبادئ السّامية، والأخلاق الرّفيعة، التى لا يتحلّى بها إلا خُلاصة الخُلاصة من النّاس، ذلك لأنّنا نُشاهد كثيراً من النّاس نُعجب بقولهم وتنظيرهم، ونظن فيهم الخير ولكن سرعان ما يتغيّر موقفهم أمام الإغراءات والعروض أو التَّهديدات والتّحديات، ويتحوَّلون من النّقيض إلى النّقيض، وكأنّنا أمام أُناس مُخْتلفين تماماً عمّن كنُّا نشاهدهم، هذا الصنف من النّاس لا يُرجى منهم خيرُ، ولا تنتظر منهم الأمة شيئاً ينفعها، بل هم بلاؤها ومصدر شقائها وتعاستها؛ لأنهم لا يهمّهم إلا مصلحتهم ولا يبحثون إلا عن منافعهم، فأينما كانت ولَّوْا وجوههم شطرها وصَوّبوا أعينهم نحوها، تراهم اليوم هنا وتراهم غداً هناك.

 وأضاف الهلالى: والغريب العجيب أنهم يتصدّرون المشهد، ويحسبهم كثيرٌ من النّاس أنّهم النّخبة وأنّ فيهم القدوة والأسوة، وهم لا خير فيهم لا للأفراد ولا للأمة؛ لأنهم لا يحترمون مبدأ، ولا يؤمنون به، ولا تعنيهم الأفراد، ولا تهمهم الدولة؛ إنما هم يحترمون مصالحهم، ويرفعونها فوق رءوسهم.

وبين أنّ النّبى العظيم، حينما بعثه الله برسالة الإسلام الخالدة إلى الثّقلين، وقفت منه قريش موقفاً معانداً؛ فكفرت برسالته، وكذبته -وهو الصّادق الأمين- واتَّهمته بما هو منه براء -إذ اتَّهمته بالكذب مرّة وبالسّحر مرة وبالجنون مرّة وبالكهانة مرّة- وحاولت صدّه بكُلّ السُّبل؛ فصبّت عليه فى أول الأمر غضبها، وأذاقته كلّ ألوان العذاب، لعلّها تصرفه عن الدّين الجديد الذى جاء به، كما قاطعتْه وحاصرتْه، فلمّا لم يَفُتّ ذلك فى عضد النّبى صلّى الله عليه وسلم ذهبوا إلى أبى طالب عمّ النّبى؛ فقالوا له: يا أبا طالب إنّ لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا، وقد طلبنا منك أنْ تنهى ابنَ أخيك فلَمْ تَنْهه عنا، وإنّا والله لا نصبرُ على هذا، حتى تَكُفّه عنا، أو نُنَازله وإياك فى ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين. وانصرفوا فعظم على أبى طالب فراقُ قومه، وعداوتهم له، ولم يَطِب نفساً بإسلام رسول الله لهم ولا بخذلانه، فبعث إليه، فقال له: يا ابن أخى، إنّ قومك قد جاءونى فقالوا لى كذا وكذا...، فأبقِ على وعلى نفسك، ولا تُحمّلنّى من الأمر ما لا أَطيق،  فظنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلم أنّه قد بدا لعَمّه فيه ما لم يظهر من قبل، وأنّه خاذله مُسْلمه، وأنّه قد ضَعُف عن نصرته والقيام معه. فقال النّبى كلمته التى تستحق أن تُكْتب بماء الذّهب والتى سجّلها التّاريخ وخلّدها: «يا عم، والله لو وضعوا الشّمسَ فى يمينى، والقمرَ فى يسارى، على أن أتركَ هذا الأمر حتى يُظهره الله أو أَهْلك دونه ما تركتُه». ثم بكى وقام،  فناداه عمّه أبوطالب فقال: أقبلْ يا بن أخى، فأقبلَ الرّسول عليه. فقال له: اذهب فقُلْ ما أحببتَ، فو الله لا أخذلك ولا أُسلمك لشىء أبداً.

وأشار الهلالى إلى أن عظمة النّبى تتجلى فى ثباته على مبدئه؛ فلم يتأثر بتهديد قريش ولا بإيذائهم ولا بإغرائهم له بالمال أو الملك، إنّما ثبت على الحقّ الذى يؤمن به ويدعو إليه، وذلك لأنّ قلبه عامرٌ بالإيمان بالله سبحانه وتعالى،  وقد ظلّ على مبدئه طول حياته، فلم يتغيّر بفقر ولا بغنى ولا بخوف ولا بأمن ولا بضعف ولا بقوة، وإنما ظل ثابتاً على مبدأ واحد ووجه واحد. فما أحوجنا إلى التخلّق بهذا الخُلُق العظيم والمبدأ الرّفيع.

طباعة
Rate this article:
3.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg