| 19 أبريل 2024 م

د. عمار علي حسن في دراسة عن التعليم الديني.. ورعاية الأخلاق: الإسلام يُؤدب النفس ولا يكتفى بالظاهر

  • | الأحد, 18 نوفمبر, 2018
د. عمار علي حسن في دراسة عن التعليم الديني.. ورعاية الأخلاق: الإسلام يُؤدب النفس ولا يكتفى بالظاهر
د. عمار علي حسن

مع حلول ذكرى المولد النبوى الشريف، واستدعاء الأخلاق العظيمة للرسول عليه الصلاة والسلام، تسنح فرصة متجددة للمنادة بتركيز التعليم الدينى على خدمة التربية الأخلاقية، كى تظفر مجتمعاتنا بأفراد قد تأدبوا وتهذبوا وحازوا الفضائل والقيم الإيجابية، التى تسهم فى صناعة التقدم، وتحسين أحوالنا وظروف عيشنا التى تردت إلى مستوى مفزع ومخز فى آن.

فالسلوك هو الذى يحدد شخصية الإنسان أمام من يتعاملون معه، وليس فقط أفكاره المضمرة، ولا ما يتفوه به عما يستقر داخله من تصورات وقيم أخلاقية واتجاهات متعددة، فالحكم على شخص أو الوصول إلى وصف عام لشخصيته، قوى أم ضعيف، مندفع أم رزين، شجاع أم جبان، متزن أم مضطرب، يعتمد على تقديرنا لسلوكه، وفهم ما فيه من جوانب دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية ونفسية، ثم إدراك علاقة التوازن بين الفرد والمجتمع، والمصلحة الخاصة والعامة، على اعتبار أن غاية تربية الفرد، هى بناء المجتمع السليم.

كانت هذه مقدمة دراسة للدكتور عمار على حسن «حول التعليم الدينى.. ورعاية الأخلاق»، أكد فيها أن إنتاج السلوك الإيجابى هو غاية الأديان وكثير من الفلسفات والنظريات والأفكار البناءة، ولذا ظل مسألة تشغل العلماء فى مشارق الأرض ومغاربها، فأدخلوا تصرفات البشر إلى المعامل والمختبرات، بغية التحكم فيها، وضبط ردود الفعل عليها، والتنبؤ بها، بما يواكب حركة تقدم المجتمع البشرى وتطوره الذى يمضى بلا هوادة، وكذلك بما يصنع صورة عامة لأى أمة تجعل من الممكن اكتشاف القيمة الأكثر تمثيلا لها، مثلما فعل أندريه سيجفريد فى كتابه «سيكولوجية الشعوب» الذى انتهى فيه إلى وصف الألمان بـ«النظام» والإنجليز بـ«العناد» والفرنسيين بـ«البراعة» و«الأمريكان بـ«الديناميكية» والروس بـ«التصوف».

وقال، بوسعى فى هذا المقام أن أطرح الأفكار المدنية حول التربية الأخلاقية بشقيها القائمين على القيم الأخلاقية والالتزام الأخلاقى، والتى تنبنى على منظومة قيم أساسية مثل الاستحقاق والجدارة، والإنجاز والاحترام والتعاون أو التبادل والعمل الجماعى والحرية والعدل والمساواة والتسامح، لكن من نخاطبهم، وهم المختصون بالعلوم الدينية والوعاظ والدعاة، سيتعاملون بحذر، إن لم يكن برفض، مع هذا المسلك، وسيحيلون دوما إلى ما لديهم، على اعتبار أنه يكفيهم. ولذا فإنى أحاججهم هنا بما يألفونه، ويتحمسون له، لكنهم يهملونه إهمالا جارحا وبارحا، فربما تكون هذه طريقة أجدى فى الإقناع المبدئى، الذى يجب أن يتبعه نقاش حول ما تتطلبه قضية الأخلاق من توسيع دائرة فهمها، وربطها بمقتضيات عصرنا، والانفتاح على أى عطاءات أو إسهامات عنها وحولها.

وأضاف: أقول ابتداء إنه نه من باب أولى أن يهتم القائمون على التعليم الدينى الإسلامى فى توظيف ما أتاحه لهم الدين من تعاليم فى التربية الإيمانية والعقلية والجسدية للإنسان لصقل سلوكه ليكون حسنا، ممتثلين للأقوال المنسوبة إلى الرسول (عليه الصلاة والسلام)، والمتوافقة مع القرآن الكريم «أكمل المؤمنين أحسنهم خلقاً»، «إن من أحبكم إلىّ وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً»، «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم»، «ما من شىء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذئ» مشدداً: يجب الامتثال لكل عطاء القرآن الكريم الذى يصف الرسول قائلا: «إنك لعلى خلق عظيم»، فى تهذيب جوانب السلوك الإنسانى كافة، بدءاً بعلاقته الخاصة مع ربه حتى اتساقه مع نفسه، مرورا بعلاقته مع والديه وزوجته وأبنائه وأقربائه وذوى رحمه وجيرانه وأصدقائه ومجتمعه، بما يسهم فى تكوين «الإنسان الأصلح» الذى يرتقى فى إنسانيته.

وأشار «حسن» إلى أن القرآن جعل من الأخلاق قضية جوهرية، جانب منها ربانيَّ، لا تهزه الأهواء، ولا تجرحه الشهوات، ولا يتحول عن قواعده، أو يتبدل لخدمة طبقة أو طائفة من الناس، لأنهم سواسية، مصروفة كرامتهم فى الدنيا إلى آدميتهم: «ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا»، وفى الآخرة إلى تقواهم، وليس لجاه أو منصب أو مال أو عصبة أو عزوة: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجلعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير».

وأضاف، يجعل القرآن جانبا من الأخلاق إنسانيا، حيث تُصان الحرمات، وتُحمى الحقوق، ويجرى التواؤم بينها وبين الطبيعة السوية للبشر، وبين بعض ما يميزهم عمن سواهم من مخلوقات الله، وأن تنبع من داخلهم، لا تفرض عليهم فرض القهر والتحكم والتسلط، وأن تراعى الطبيعة المزدوجة للإنسان الناشئة عن نفخة الروح، وقبضة الطين، فتلبى الاحتياجات المشروعة للجسد، وتراعى إشراقة الروح، دون أن تهمل ما يواجهه الفرد من ظروف وأحوال ومستلزمات، أو تتخلى عن سعيها الدائم الدائب فى سبيل تحقيق الكمال الإنسانى.

وبين «عمار» فى دراسته أن المعاملات بين الناس، يجب أن تتحلى بقيم المحبة والتراحم والتكافل وتوقير الكبير والعطف على الصغير، والابتعاد عن الجدال العقيم والفجر فى الخصومة وصولا إلى الأشياء البسيطة مثل البشاشة فى وجوه الناس، وحفظ اسمائهم، وذكر خصالهم المميزة، والتصرف حيالهم، وفق «المداراة» وليست «المداهنة»، بما تعنيه الأولى من خفض الجناح للناس، والرفق بالجاهل فى محاولة تعليمه، وبالفاسق فى نهيه عن فعله، وترك الاغلاظ عليه حتى لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، وما تعنيه الثانية من التلطف الذى يقر الخاطئ على خطئه، والفاسق على فسقه، والسائر على هواه.

وأضاف: إن القرآن يحض على قيمة العمل وضرورته، فيقول الله تعالى: «هو الذى جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور»، ويقول: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله» موضحاً أن القرآن عالج، وبعده الفقه الكثير من الأسباب التى تؤدى إلى الفقر والعوز والاحتياج والإملاق، ومنها الذاتى مثل الكسل والجهل والتبذير، ومنها الطبيعى وهو ما يترتب على وقوع كوارث كالسيول والزلازل والبراكين، ومنها الاجتماعى والاقتصادى مثل قلة الإنتاج، وسوء التوزيع، واضطراب وسائل التكافل والإحسان وأوضح أن الإسلام نظر إلى الفقر على أنه ليس مشكلة قائمة بذاتها إنما ذات طابع اجتماعى، لم يكتف فى علاجها بالبكاء على حال الفقراء البائس، ولا بإسداء النصائح إليهم كى يتحملوا وإلى الأغنياء كى ينظروا إليهم بعين الإشفاق، إنما وضع الإجراءات ومنها توفير فرص العمل، وحق تملك الأرض التى تم إحياؤها بعد موات، ودفع الزكاة والصدقات بوصفها «ضربية فى عنق الأغنياء للفقراء»، وحرم كل ما يؤدى إلى الافتقار، مثل الربا والغش والاحتكار والاكتناز والترف والإسراف ولعب القمار والسفه...إلخ.

وشدد على أن تحريم الربا ناجم عن أنه يسبب العداوة والبغضاء بين الأفراد، ويقضى على روح التعاون، حين يصنع طبقة مترفة تتضخم الأموال فى يدها دون تعب، وطبقة تتعب وتكدح وتعيش فى فقر مدقع، أما الاحتكار فيؤدى إلى حرمان الناس من الحصول على ما يريدون من احتياجات، ويعطى المحتكر فرصة كى يغالى فى السعر كيفما شاء، ويجنى ثمار طمعه وجشعه أموالا يكنزها، فيزداد التفاوت بين الطبقات، ويتفشى الحقد والغبن والحسد، ولهذا ربط الرسول الاحتكار بسوء الاعتقاد حين قال عليه الصلاة والسلام: «من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه»، وفى الغش نسب إلى الرسول: «من غشنا فليس منا»، وهذا أمر مفهوم فى إطار الآية التى توعدت هؤلاء بالويل والثبور: «ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون»، وتحريم الرشوة مرده إلى أنها تزيد من الفساد الاجتماعى، حين تمنع أى فقير مجتهد من الحصول على ما يستحقه من فرص، وتخرب ذمم من بيدهم تسيير أمور الناس الحياتية. ولهذا يُنسب للرسول: «لعن الله الراشى والمرتشى والرائش بينهما».

وأكد على أن القرآن يريد السلوك الاقتصادى للفرد منا أن يكون متوازنا ومعتدلا، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما»، ويقول أيضاً: «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً»، وهناك أحاديث منسوبة للرسول تؤكد هذه القيمة، ومنها: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس»، «الاقتصاد نصف المعيشة، فما عال من اقتصد»، «بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه».

وأضاف، أما التوازن فى العمل والكد وبذل الجهد فتعكسه أحاديث أخرى منها: «إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى» و«ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليرقد»، ويأخذ السلوك الاجتماعى الذى يحض عليه القرآن وما وافقه من أحاديث نبوية درجات متتابعة، تعزز التكافل والتراحم والتعاون، بادئة بالوالدين، الذين يجعل الله البر بهما يأتى مباشرة عقب الإيمان به سبحانه، إذ تقول الآية الكريمة: «قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً»، وتقول ثانية: «ووصينا الإنسان بوالديه»، وثالثة: «وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالين إحساناً»، وأيضاً «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا».

وأضاف: يأمر القرآن الرجل بأن يحسن معاملة زوجته: «وعاشروهن بالمعروف»، فيما تُنسب إلى الرسول عدة أقوال فى هذا الشأن منهان: «أوصيكم بالنساء خيراً»، و«خياركم خياركم لنسائكم»، و«الدنيا متاعها المرأة الصالحة». وجاء الفقه لينظم، بمنطق الزمن الذى أُنتج فيه، علاقة الزوجين فى مختلف الأحوال: الرضا والسخط واللين والشدة والفرح والحزن، وعلاقة الأبوين بأبنائهما فى التربية التى تبدأ بالتدليل المتوازن الذى يفضى إلى إفساد، والتعليم والتدريب، وتعود الاعتماد على النفس، وكذلك فى الإنفاق والإعالة، إذ يقول القرآن: «لينفق ذو سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله»، فيما ينسب للرسول: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت».

وقال: بعد الأسرة الصغيرة يأتى حق الجار، وهنا يُنسب للرسول: «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، و«والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذى لا يأمن جاره بوائقه»، و«لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة فى جداره»، و«يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة». أما الأقربون فالقرآن يحض على صلة رحمهم: «هل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم»، وينسب للرسول: «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذى إذا قطعت رحمه وصلها»، و«الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلنى وصله الله، ومن قطعنى قطعه الله»، و«لا يدخل الجنة قاطع رحم»، ويأتى الأصدقاء فيُنسب للرسول قوله بشأنهم: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» و«مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك، إن لم يصبك منه شىء أصابك من ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل نافخ الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه»، وبعدها يأتى الناس أجمعين حيث يحض الرسول على مخالطتهم ومشاركتهم: «المؤمن الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذى لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».

وشدد على أن الإسلام لا يُقصر حسن معاملة الناس على المتفقين مع المسلم فى الاعتقاد، إنما يمتد إلى أهل الأديان الأخرى. فالقرآن يقر قاعدة تقول: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»، موضحاً أن ممارسات الرسول حيال أهل نجران وكتابته للنجاشى ملك الحبشة، وقيصر إمبراطور الروم، والمقوقس حاكم مصر، وما أتى فى حجة الوداع، فيها الكثير من القواعد والنصائح والعبر التى وجب على المسلمين الالتزام بها.

وأضاف: هناك مبادئ عدة تحدد العلاقة بين المسلم وغير المسلم، فللأخير الحق فى الحياة، حتى إن القصاص فى الإسلام لا يعرف التفرقة بين نفس ونفس، فالحياة عطاء إلهى لا يسلبه إلا واهبه، وهنا يقول القرآن: «إنا نحن نحيى ونميت وإلينا المصير»، وغير المسلم آمن على عيشه وأهله وماله، حتى لو كان مشركا، وهنا يقول القرآن: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره، حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه»، وهناك تفسير لهذه الآية يقول صاحبه: «لا حيلة لأحد ولا سلطان أن يناله بر أو أذى، فهو الآن فى ذمة رسول الله، ومن اتبعه، ولذا توجب سلامته، وتحقق كفالته وأمنه ما دام كنا فى ديار المسلمين وحماهم، فإن أراد المضى لبيت رغبه، توفرت حمايته وحراسته حتى يأتى إلى عشيرته».

وأكد على أنه يشترط فى كل ما سبق من سلوك اجتماعى البدء بتربية النفس، أو تقويم الذات على الالتزام بما فرضه القرآن وأوجبه، فمن أخلاقيات الإسلام أنه يؤدب النفس، غير مكتف بالسلوك الظاهر، إنما يدعو إلى سلامة النية والطوية، وإليهما يُسند الأعمال، حيث يقول الحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، ويفتح أبواب أربعة لمثل هذا التأدب، وهى: التوبة والمراقبة والمحاسبة والمجاهدة، فالتوبة تعنى مقاومة هوى النفس، والتخلى عن سائر المعاصى والذنوب، والندم على كل ذنب سلف، والعزم على عدم العودة إليه فيما هو آت. وهنا يقول القرآن الكريم: «استغفروا ربكم ثم توبوا إليه»، و«وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون»، فيما يكون باب التوبة مفتوحا، فالحديث يقول: «إن الله يبسط يده بالتوبة لمسىء الليل إلى النهار، ولمسىء النهار إلى الليل حتى تطلع الشمس من مغربها».

ويهتم الإسلام بتربية الفرد على الحلم والأناة والأمل والرجاء وهجر اليأس والقنوط وترك القلق والخوف والاحتمال والعفو والوقار والسكينة والتحرر من الخجل، الذى يقوده إلى الانكماش والانطواء، والتحلى بالحياء الذى هو من الإيمان، وقد وردت الكثير من الأحاديث التى تحض على فضيلة الحياء: «إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء»، «الحياء من الإيمان»، «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأقصاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».

وقال، إن الإسلام عوَّد الفرد على الجرأة الأدبية شريطة ألا تصبح وقاحة وسماجة، ونهى الإسلام عن «العجب بالنفس»، ورآه من أعظم المهالك فى الحال والمآل، وهنا يقول الحديث: «ثلاث مهلكات، شح مشاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه»، ونهى الإسلام عن اغترار الإنسان بماله فيتعالى على الناس ويبذخ، واغتراره بقوته فيظلم، واغتراره بنسبه فيتكبر، واغتراره بعبادته فيشقى، ويحبط عمله. وجعل القرآن لعلاج الغرور مقامين، أن يعرف الإنسان نفسه: «من نطفة خلقه فقدره»، وأن يعرف ربه: «ليس كمثله شىء»، ولذا يوجب الإسلام كراهية مدح الذات، فالقرآن يقول: «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى»، «ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم، بل الله يزكى من يشاء ولا يظلمون فتيلا»، مضيفاً أن القرآن علمنا فضيلة الصبر، ويقدمها على الصلاة والتقوى، فيقول: «واستعينوا بالصبر والصلاة»، و«يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون»، ويرى بعض الفقهاء أن الصبر على المكاره والمصائب يبدأ مع النفس، وهو أشد أنواعه وأقواها، ويكون بـ«كف الباطن من حديث النفس».

ويعلمنا الرسول حفظ أسرار الناس، والابتعاد عن الثرثرة والاغتياب، وتنسب إليه فى هذا أحاديث عدة منها: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، «إن من أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، الرجل يفضى إلى زوجته وتفضى إليه ثم ينشر سرها».

وبين أن القرآن يغرس حب الله والناس والحق والفضيلة والجمال فى النفس الإنسانية، ويجعله من الإيمان، وهنا يقول: «والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم»، ووردت فى هذا أحاديث عدة منها: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود فى الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف فى النار»، «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالى؟ اليوم أظلهم فى ظلى يوم لا ظل إلا ظلى»، «قال الله عز وجل: المتحابون فى جلالى، لهم من منابر من نور يغطيهم النبيون والشهداء»، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه كما يحب لنفسه».

وقد دخل القرآن إلى النفس البشرية من كل مدخل محافظاً على الطبيعة المزدوجة للإنسان، بوصفه قبضة طين ونفخة روح، حيث يقول القرآن الكريم: «وإذا قال ربك للملائكة إنى خالق بشراً من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين»، وبوصفه أيضاً يجمع بين جنبيه نفسا فيها من الخير كما فيها من الشر، وفيها من الفجور كما فيها من التقوى: «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها»، ففى كل نفس قيم واتجاهات متناقضة: الخوف والرجاء، والحب والكره، والصبر والقلق، والالتزام والتفلت، والواقعية والمثالية، والحسى والمعنوى، والإيجابى والسلبى. ويجب أن يكون دور الدين هو تزكية القيم الإيجابية والفضائل ويحد من السلبيات والمثالب والرذائل، ساعيا بالفرد إلى أن يصل إلى الكمال الإنسانى.

واختتم دراسته بأن كل ما سبق من مظاهر سلوكية، بدت هى ما ينبغى أن يكون، يجب أن يحظى باهتمام التعليم الدينى، الذى أفرط فيما هو كائن فى حديث مكرور عن العبادات والرقائق، وجعل منها جل ما يعظ به الناس ويرشدهم له، فى وقت تردت فيه الأخلاق، واضطربت التصرفات، واهتزت الفضائل، وانصرمت القيم، بما يهدد مجتمعاتنا بالتحلل، ويخصم الكثير من القوة الناعمة لدولنا.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg