| 20 أبريل 2024 م

رجائي عطية.. يكتب: الإسلام والعلم والحضارة "28"

  • | الأحد, 18 نوفمبر, 2018
رجائي عطية.. يكتب: الإسلام والعلم والحضارة  "28"
رجائي عطية

التاريخ والمؤرخون

التاريخ من أوفر العلوم حظاً فى الحضارة الإسلامية، حظى بمؤرخين ومؤلفين أعلام على مستوى العالم العربى بأسره، وفى شتى مدائنه، وحظى بمؤلفات نفيسة متميزة لا حصر لها، لا ينافسها إلاَّ عدد العلماء والمؤرخين الذين سطروا هذه المؤلفات والموسوعات الضخمة.

أخذ التاريخ والتأريخ بُعداً آخر مع ظهور الإسلام، وعنى المسلمون ومن عاشوا فى الحضارة الإسلامية من غيرهم، بكتابة التاريخ وبالتأريخ، وأحصى بعض المستشرقين عدد المؤرخين فى الألف سنة الأولى من المبعث، فبلغوا 590 مؤرخاً عدا من فاتوهم منهم.

وقد نحى هؤلاء فى كتابة التاريخ سبلاً مختلفة، أبرزها بالبداهة تأريخ السيرة النبوية، وعلى غرار ذلك كتب التراجم التى عنى بوضعها مؤرخو السيرة، فمنهم من ترجم لشخص واحد، ومنهم من ترجم لجماعة تجمعهم صفة، ومنهم من ترجم لعلماء من بلدٍ واحدٍ، وأظهر أساليب العناية بالتأريخ والترجمة لمن تجمعهم صفة واحدة كالصحبة أو المذهب أو التأريخ أو البلدان أو الشعر أو الأدب كتب «الطبقات».. وأولها وأبرزها كتاب «الطبقات الكبرى» لابن سعد كاتب الواقدى، الذى ترجم لأعلام الصحابة والتابعين، بدأه بالسيرة النبوية والمغازى، ثم ترجم لنحو ثلاثة آلاف من الصحابة والتابعين، وجرى على هذا النهج ابن الأثير فى موسوعته الشهيرة «أسد الغابة فى معرفة الصحابة».

فى السيرة النبوية

أول ما عنى به فى التاريخ الإسلامى، سيرة النبى عليه الصلاة والسلام وأخبار البعوث والغزوات، واعتمد هذا التأريخ على روايات الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم، وما ورد فى الأحاديث النبوية التى اجتهد البخارى ومسلم وغيرهما فى جمعها وغربلتها لاستبعاد الموضوع، وتصنيفها حسب موضوعاتها، وانفصلت أبواب المغازى والسير عن الحديث وأُلّفت فيها كتبٌ خاصة، وتوالى التأريخ للسيرة النبوية منذ أواخر القرن الأول الهجرى، ومن مؤرخى السيرة من الطبقة الأولى «عروة بن الزبير بن العوام» المتوفى سنة 92هـ، و«أبان بن عثمان بن عفان» المتوفى سنة 105 هـ، وشرحبيل بن سعد المتوفى سنة 123هـ، ووهب بن منبه المتوفى سنة 110هـ.

وشملت الطبقة الثانية من مؤرخى السيرة عبدالله بن أبى بكر بن حزم المتوفى سنة 135هـ، وعاصم بن عمرو بن قتادة المرجح أنه توفى سنة 120هـ، وابن شهاب الزهرى المتوفى سنة 124 هـ.

وجاء فى الطبقة الثالثة: موسى بن عقبة المتوفى سنة 141هـ، ومعمر بن راشد المرجح وفاته سنة 150هـ، والواقدى المرجح وفاته سنة 207 هـ، وزياد البكائى المتوفى سنة 183هـ.

وفى هذه الطبقة أشهر مؤرخى السيرة: ابن إسحق (محمد) المرجح وفاته سنة 152هـ، وهو أول السير شمولاً، واستفاد به ابن هشام المتوفى سنة 218هـ، وهو أشهر مؤرخى السيرة، وابن سعد صاحب الطبقات الكبرى المتوفى سنة 230هـ.

وتتابعت كتب السيرة النبوية، وكذا أسباب ومناسبات التنزيل، وتناولها علماء أجلاّء، ومما توالى فى هذا الباب الغزوات لابن كثير، والدرر فى اختصار المغازى والسير لابن عبدالبر، وصفوة السير النبوية لابن كثير، وعيون الأثر فى السيرة النبوية لابن سيد الناس، والدرر السنية فى نظم السيرة النبوية للإمام على بن محمد الأجهورى، وموسوعة «امتاع الأسماع بما للنبى (صلى الله عليه وسلم) من الأحوال والأموال والحفدة والأسماع» فى خمسة عشر مجلداً لتقى الدين المقريزى المتوفى سنة 846 هـ /1442 م وظل هذا العقد الفريد يتزايد حتى اليوم.

ومضت الأعوام، وهئ للسيرة النبوية من فَرَّغَ نفسه لدراسة كل ما كتب فيها وفى كتب أسباب النزول التى ضمّت فى ثناياها مشاهد بالغة الأهمية، ذلك هو الإمام محمد يوسف الصالحى الشامى، المتوفى سنة 942 هـ / 1535 م، فصنف موسوعة ضخمة فى السيرة النبوية هى: «سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد» كانت من أعمدة عدتى فى كتابة «السيرة النبوية فى رحاب التنزيل» التى خرجت فى ست مجلدات، ولا تزال الموسوعة الضخمة للإمام الشامى عدة للباحثين فى السيرة النبوية حتى الآن.

وقد كان الاهتمام بتأريخ السيرة النبوية، مقدمة من قديم لعناية كبيرة بالسير والتراجم التى تعددت فيها المؤلفات الإسلامية.

التراجم وكتب الطبقات

وعلى مدار التاريخ صُنّف العديد من كتب التراجم والطبقات، منها مع أسد الغابة لابن الأثير الإصابة فى تمييز الصحابة لابن حجر العسقلانى، ونثر الدر للآبى، وتاريخ الخلفاء للإمام السيوطى، والكواكب الدرية للحافظ شمس الدين الذهبى، والذى أخرج أيضاً موسوعته الكبرى «سير أعلام النبلاء»، وولاة مصر لمحمد بن يوسف الكندى، وعلى غرار طبقات ابن سعد، ترجم المؤرخون لطوائف خاصة من العلماء والأدباء أو أصحاب المذاهب، مثل كتب «أخبار الحكماء» للقفطى، و«طبقات الشافعية الكبـرى» للسبكـى، و«طبقات الحنفية» مثل الجواهر المضية فى طبقات الحنفية لعبدالقادر بن محمد بن نصر الله القرشى أبومحمد محيى الدين الحنفى، ومثل خزانة الفقيه، و«طبقات الصوفية»

للسلمى والمناوى وغيرهما، وطبقات الشعراء كما فعل ابن سلام الجمحى الذى كتب عنه الدكتور محمد مندور رسالته للدكتوراه بعنوان «النقد المنهجى عند العرب».

ومن المؤرخين من ترجم للعلماء الذين أصلهم من بلد واحد، مثلما فعل الخطيب البغدادى (ت 463 هـ)، الذى ألف موسوعة من أربعة عشر مجلداً فى تاريخ علماء بغداد وتراجمهم، وكما فعل ابن عساكر فى تاريخ دمشق.

ومنهم من تجاوز الحدود الجغرافية أو الطائفية، فترجم لمشاهير الأعلام بعامة، من أى قطر فى الأقطار، وفى أى عصر.. كما فعل ابن خلكان (ت 681 هـ) فى مطوله «وفيات الأعيان»، وتابعه ابن شاكر الكتبى ليتدارك من فاتوه أو جاءوا بعده فوضع «فوات الوفيات»، وعلى غرار ذلك تقريباً موسوعة الأعلام للزركلى.

فتوح وتواريخ البلدان

ومن المؤرخين من ألف فى فتوح البلدان، مثل البلاذرى صاحب كتاب فتوح البلدان، وابن عبدالحكم (ت 257 هـ) الذى وضع كتاباً فى «فتوح مصر والمغرب والأندلس»، ومنهم مَنْ ألف فى التاريخ الخاص بقطر أو بعصر، كما فعل الأزرقى فى «تاريخ مكة»، وابن طيفور فى «تاريخ بغداد»، والمحبى فى «خلاصة الأثر فى أعيان القرن الحادى عشر»، ومنهم من كتب فى «عجائب البلدان» وأخبارها، فكتب ابن سعيد «المعجب فى حلى المغرب»، وأخرج ياقوت الحمى موسوعته الكبرى «معجم البلدان»، وصنف ابن تغرى بردى موسوعته الكبرى «النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة»، وتوسعت استطراداته فيها إلى الأقطار المحيطة، وعنى بكتابة أخبار وتقاويم النيل سنة بسنة، وقد حاذاه فى العصر الحديث أمين باشا سامى الذى أخرج تقويم النيل فى عدة مجلدات.

كتب الخطط والآثار

وامتدت دراسة التاريخ إلى دراسة تطورات الأقاليم والمدن، فأخرج المقريزى كتابه الفريد: «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» والذى اشتهر بالخطط المقريزية، وتكلم فيه المقريزى عن خطط القاهرة أى طبوغرافيتها فى عصره وقبل عصره، ووصف القاهرة وأحيائها وجوامعها وكنائسها وشوارعها ومدارسها وأسواقها وقصورها ومستشفياتها وحماماتها وأسوارها وأبوابها، واستغرق المقريزى فى تصنيف هذه الدرة وجمع مادتها نحو خمسة وثلاثين عاماً، وكان من مزية الخطط المقريزية أنها عنيت بذكر المصادر التى أُخذت عنها هذه المادة الغزيرة.

وعلى غرار الخطط المقريزية، صنف على مبارك باشا الخطط التوفيقية، فى عشرين مجلداً تصف بالتفصيل مدن مصر وقراها من أقدم العصور، القائم منها أو ما اندثر بمضى الزمن، واصفاً ما بها من منشآت ومرافق عامة ومساجد وكنائس وزوايا وأضرحة، وهى بمثابة أطلس متكامل يعد امتداداً لما صنفه المقريزى المتوفى سنة 846 هـ /1442 م.

التواريخ العامة

أشهر هذه التواريخ موسوعة محمد بن جرير الطبرى «أخبار الرسل والملوك» المشهور بتاريخ الطبرى وهو مصنف على أساس السنين، ومثله الكامل فى التاريخ لابن الأثير الجزرى صاحب مؤلف «أسد الغابة فى معرفة الصحابة»، والبداية والنهاية ونهاية البداية والنهاية لابن كثير، ومروج الذهب للمسعودى، وتجارب الأمم لابن مسكويه، وتاريخ اليعقوبى، وتاريخ ابن خلدون الذى تناولنا سلفاً مقدمته الشهيرة، وموسوعة «نهاية الأرب فى فنون الأدب» للنويرى، والأخبار الطوال لآبى حنيفة الدينورى، والتاريخ الكبير للإمام البخارى، والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى، والفخرى فى الآداب السلطانية لابن طباطبا (محمد بن على)، والسلوك لمعرفة الملوك لتقى الدين المقريزى، وتاريخ الإسلام لشمس الدين الذهبى، والإمامة والسياسة لابن قتيبة، والسير الكبير للشيبانى، ومن هذه التواريخ العامة ما اختص بالأدب والكتابة، مثل «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا» للقلقشندى، واستمر هذا الخيط حتى رأينا فى مصر بدائع الزهور فى وقائع الدهور لابن إياس، ثم تاريخ الجبرتى.

مؤرخو مصر الإسلامية

كان عبدالرحمن بن عبدالحكم المتوفى سنة 257هـ / 871م أول مؤرخ لمصر الإسلامية، وتناوله الأستاذ محمد عبدالله عنان المحامى المؤرخ فى كتابه عن مؤرخى مصر الإسلامية، ولبث ابن عبدالحكم على كر العصور مورداً لا ينضب لمؤرخى مصر الإسلامية، ومورداً لكل بحث حديث فيما يقول الأستاذ عنان لتاريخ الفتح الإسلامى فى مصر.

وفى طليعة من أرّخوا لمصر الإسلامية «أبوعمر الكندى» المتوفى سنة 350هـ/961م، والحسن بن زولاق المتوفى سنة 387هـ/997م، والمسبحى المتوفى سنة 420هـ /1029م المؤرخ والسياسى ورجل الحرب والقلم، الذى كرس حياته لدراسة مصر وأحوالها وتاريخها، وأبوعبدالله القضاعى الفقيه المؤرخ المتوفى سنة 454هـ/1063م، وابن فضل الله العامرى المتوفى سنة 749هـ/1348م، واضع موسوعة «مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار» وامتازت بضخامتها وتنوعها وطرافتها، والقلقشندى المتوفى 821هـ / 1418م صاحب موسوعة «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا»، وتقى الدين المقريزى المتوفى سنة 846هـ /1442م، صاحب كتاب «السلوك لمعرفة دول الملوك» وهو تاريخ دولة المماليك فى مصر، وكتاب الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية، وألّف أيضاً كتاب «المقفى» فى سير الأمراء والكبراء الذين عاشوا فى مصر، ولم ينجز منه قبل وفاته سوى قسم وقع فى عدة مجلدات، وكذا «دور العقود الفريدة فى تراجم الأعيان المفيدة» وهو تراجم لمشاهير عصره، وكتاب «اتعاظ الحنفاء» فى تاريخ الدولة الفاطمية وأخبار الأئمة والخلفاء الفاطميين، والإمام ابن جحر العسقلانى المتوفى سنة 852هـ/1448م، ومن أشهر مؤلفاته: كتاب «إنباء الغمر بأبناء العمر»، وكتاب «الدور الكامنة فى أعيان المائة الثامنة»، وكتاب «رفع الإصر عن قضاة مصر»، وغيرها. ومن هؤلاء المؤرخين لمصر الإسلامية «ابن تغرى بردى» صاحب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، الذى أرّخ فيه لمصر ولنهر النيل، وقد توفى سنة 874هـ /1469م، وشمس الدين السخاوى تلميذ ابن حجر العسقلانى، وصاحب تراث غزير، أهمه فيما يرى الأستاذ عنان مجهوده التاريخى والآدبى، ومن أعظم آثاره كتابه الضخم «الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع»، وهو موسوعة حافلة تقع فى عدة مجلدات، وقد توفى سنة 902هـ/1496م، والإمام جلال الدين السيوطى المتوفى سنة 911هـ/1505م، وهو من أكابر المحدثين والفقهاء فى تاريخ مصر الإسلامية، وتراثه ضخم فى الفقه والتاريخ، منه الإتقان فى علوم القرآن، والدر المنثور فى التفسير المأثور، وأسرار التنزيل، وجمع الجوامع أو الجامع الكبير، وعين الإصابة فى معرفة الصحابة، واللآلئ المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة، وطبقات الحفاظ، وطبقات النحاة، وطبقات المفسرين، وطبقات الأصوليين، وطبقات الكتاب، وحلية الأولياء، وطبقات شعراء العرب، وتاريخ الخلفاء، وحسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة. وابن إياس المتوفى سنة 930هـ/1523م، صاحب «بدائع الزهور فى وقائع الدهور»، ومحمد بن أبى السرور البكرى المتوفى سنة 1060هـ /1650م، والذى ترك عدة مؤلفات تاريخية، منها كتاب «عيون الأخبار ونزهة الأبصار»، وكتاب «النزهة الزهية فى ذكر ولاة مصر والقاهرة المعزية»، خصصه لتاريخ مصر، وفى قسمه الأخير حديث عن خصوصيات مصر وعجائبها ومتنزهاتها، ويشمل الكلام عن قناطر الجيزة، وبركة الرطلى، وبركة الأزبكية، ثم الأهرام وأبى الهول، وأخيراً عبدالرحمن الجبرتى صاحب التاريخ الشهير، والمتوفى سنة 1240هـ/1825م، ولا يزال الحديث موصولاً.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg