| 26 أبريل 2024 م

لاجئو ميانمار.. والدائرة المفرغة

  • | الثلاثاء, 27 نوفمبر, 2018
لاجئو ميانمار.. والدائرة المفرغة

ارتكب أفراد جيش ميانمار مذابح بشعة فى حق مسلمى الروهينجا ونكّلوا بهم وأذاقوهم العذاب واضطر من بقى منهم على قيد الحياة إلى ترك بلادهم التى ولدوا ونشأوا فيها إلى مصير مجهول منذ ما يقرب من عام. وخرج الروهينجا بعد أن تعرضوا للذبح والقتل، واغتُصبت نساؤهم وحرّقت بيوتهم وأراضيهم إلى البلدان المجاورة، لا سيما بنجلاديش، هرباً بأنفسهم إلى حين يجد لهم العالم حلاً يمكن أن يحررهم من هذا الاضطهاد والتنكيل.

ومنذ بداية الأزمة، حاولت الأمم المتحدة والقوى الكبرى والمنظمات العالمية الضغط على حكومة ميانمار للاضطلاع بمسئولياتها نحو مواطنيها من الروهينجا وإيجاد حل عاجل لهذه الأزمة الإنسانية الحادة. ولكن الواقع يقول إن الضغوط لم تكن كافية، وإن حكومة ميانمار لم تستجب لهذه الضغوطات فى أى وقت من الأوقات، رغم أن من يتابع التصريحات الرسمية لها قد يرى غير ذلك. حقيقة الأمر أن حكومة ميانمار تقول ما لا تفعل.

طالعتنا وكالات الأنباء العالمية يوم الثلاثاء 30 أكتوبر بأخبار عن اجتماعات عقدت بين ممثلين عن حكومتى بنجلاديش وميانمار بشأن عودة لاجئى الروهينجا. وصرح مسئول من بنجلاديش بأن ميانمار وبنجلاديش قد توصلتا إلى اتفاق لبدء إعادة لاجئى الروهنجيا إلى ميانمار بحلول منتصف نوفمبر. ربما يجد القارئ لهذه الأخبار بصيص أمل فى اقتراب الحل الكامل لهذه الأزمة الكبرى، بيْد أن هذه الأمل الخافت يتبدد نهائياً إذا عرفنا أنه فى مثل هذا الوقت من العام الماضى، وتحديداً فى 23 نوفمبر 2017، كان الجانبان قد توصلا إلى اتفاق مشابه لإعادة اللاجئين، إلا أنه حتى الآن لم يدخل حيز التنفيذ. المدهش حقاً أن اتفاق العام الماضى كان قد تم على مستوى سياسى عال بين البلدين؛ حيث التقت زعيمة ميانمار أونج سان سو تشى وزير خارجية بنجلاديش أبوالحسن محمود على، الذى وقع المذكرة مع ياو تينت سوى المسئول فى حكومة ميانمار، وجرى ذلك فى العاصمة نايبيداو.

إذا افترضنا أن الظروف والأجواء لم تكن مهيأة خلال العام المنصرم لإعادة اللاجئين، ومن ثم كان من الضرورى الانتظار حتى ضمان عدم تكرار ما حدث مرة ثانية، فهل الظروف مواتية الآن؟ كانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى قد وقعا على مذكرة تفاهم ثلاثية مع حكومة ميانمار فى 6 يونيو تمهيدا لعودة اللاجئين الروهينجا إلى ديارهم طواعية وبصورة آمنة وكريمة ومستدامة. وقد دعت الأمم المتحدة إلى تحقيق بعض المتطلبات قبل البدء فى إعادة اللاجئين لضمان عدم تكرار المأساة من جديد. وتضمنت هذه الاشتراطات تحسين الظروف المعيشية فى ولاية راخين، وضمان إجراءات واضحة بمنح الجنسية للمؤهلين للحصول عليها، وضمان حرية الحركة لجميع السكان ومعالجة الأسباب الحقيقية للأزمة. وربما تتفق أيها القارئ الكريم أن هذه المتطلبات هى أدنى ما يمكن طلبه فى هذا السياق؛ إذ إنها لم تتحدث عن محاكمة المتسببين فى هذه الفاجعة، ومن باشروا عمليات القتل والذبح والاغتصاب والحرق بحق الروهينجا وممتلكاتهم. ولكن على أية حال هل تحقق شىء فيما يتعلق بمتطلبات الأمم المتحدة؟

لقد صرح مرزوقى داروسمان، رئيس بعثة تقصى الحقائق التابعة للأمم المتحدة بشأن ميانمار، بأنه حتى الآن لا يزال الآلاف من الروهينجا يفرون من ميانمار إلى بنجلاديش، وأن من تبقى منهم فى ميانمار لا يزالون يواجهون أقصى درجات القمع وتقييد الحركة. كما نقلت صحيفة الجارديان البريطانية تحذير بعض الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان بشأن عدم تهيئة الأجواء لعودة الروهينجا؛ حيث إن قرى الروهينجا كانت تعرضت للحرق بالكامل وسويت بالأرض، ولم يتم إعادة تأهيل المنطقة مرة أخرى، وجل ما قامت به حكومة ميانمار أن بنت بعض المساكن المؤقتة الجديدة، كما لا يبدو واضحاً ما إذا كانت ستسمح لهم بحرية الحركة والتنقل أم أن هذه المساكن المؤقتة ستكون بمثابة «سجن فى الهواء الطلق»، على حد وصف الصحيفة. ربما لا يمكن للمتابع لهذا الوضع الغريب فى ميانمار وصفاً لهذا المشهد الصعب أصدق من الدوران فى دائرة مفرغة، والعودة إلى نقطة الصفر من جديد.

 وبعد هذا كله، يتساءل المرء: هل يمكن أن يكون العالم بهذا الضعف أمام مأساة بهذا الحجم؟ وهل تتناسب الجهود المبذولة فى هذا الصدد مع ما تعرض له مواطنو الروهينجا من التنكيل والتشريد؟ وهل عدِمَ العالم آلية ناجعة يمكن أن تلزم حكومة ميانمار بمسئولياتها تجاه مواطنيها؟ أم أن الإرادة ذاتها غائبة لدى الأطراف الدولية الفاعلة، وأنها لا تتحرك إلا دفاعاً عما يهدد مصالحها الخاصة فقط؟

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg