| 19 أبريل 2024 م

د. عمار علي حسن .. يكتب: صورة المسلمين في ذهن الغرب "1 -2"

  • | السبت, 1 ديسمبر, 2018
د. عمار علي حسن .. يكتب: صورة المسلمين في ذهن الغرب "1 -2"
د. عمار علي حسن

يتسع الفارق بين صورة العرب والمسلمين كما هى فى الواقع وتلك التى تحل برؤوس الغرب حين يرانا، لتصير فى خاتمة المطاف مجرد صورة مجازية، شكلتها السياسة، سواء بأحداثها الراهنة، أو حمولاتها التاريخية التى سجلتها الحوليات والكتب والتقارير التى كتبها ساسة ورحالة ومستشرقون وبعض الدراسات الأنثربولوجية والاجتماعية.

فالعربى «الشهوانى» و«المسلم الإرهابى» ليسا سوى انعكاس لرغبة من أراد أن يصورهما على هذا النحو، ناعتا إياهما بكل الصفات والسمات المرتبطة بالشهوانية، التى انداحت وصنعا فى المجمل صورا عديدة كانت بمثابة «إنشاء كتابى»، جعلت من الشرق اختراعا غربيا، على وجه التقريب، اتسم بنزعة رومانسية، والكائنات الغريبة المدهشة، والذكريات والماهد السابحة، والتجارب الاستثنائية، ليصير نهجا من الإنشاء الكتابى له ما يعززه من المؤسسات والمفردات وتراث البحث والصور والمعتقدات المذهبية، وحتى الأجهزة البيروقراطية الاستعمارية، والأساليب الاستعمارية» وذلك وفق ما ذهب إليه إدوارد سعيد فى كتابه «الاستشراق».

وتقوم الرؤية الاستشراقية، فى جانب كبير منها، على أنه إذا كان العربى ذا تاريخ على الإطلاق فإن تاريخه جزء من التاريخ الممنوح له أو المستلب منه. وبناء عليه ظهر العربى فى الكتابات الغربية على أنه يمثل قيمة سلبية، وهو عدو للغرب، وعقبة أمكن تجاوزها لخلق إسرائيل، وارتبط فى الأفلام والتلفاز على أنه شخص فاسق وغادر ومخادع ومتعطش للدماء وذو طاقة جنسية مفرطة، قادر على المكيدة، ومراوغ وسادى وخؤون، ويظهر فى أدوار قائد عصابات اللصوص المغيرين، والقراصنة، والعصاة من السكان الأصليين. وهذا الصفات تفارق الحقيقة لتدخل إلى حيز مجاز سلبى، لم يقتصر على الرؤى الاستشراقية المصنوعة للخاصة، إنما انتشر على نطاقات واسعة، عبر مختلف وسائل الإعلام.

فقد قدم الإعلام الغربى قوالب نمطية سلبية جاهزة فى تعاملها مع العرب وقضاياهم السياسية والفكرية. وجل هذه القوالب مستحضر من التاريخ السابق على الحادى عشر من سبتمبر 2001، وزاد الوضع سوءا بعد هذا الحدث الرهيب، بعد أن دخلت جهات منظمة على خط تشويه الصورة العربية واستخدام الإعلام ووسائله. فالإعلام الغربى راح يكرس جهدا وفيرا للحملة على العرب، وتشويه صورتهم، بعد أن انتهى من تشويه صورة الزنوج والهنود الحمر وبعض الأقليات التى تعيش فى أوروبا وأمريكا. ووصلت هذه الصورة المشوهة إلى مناهج التعليم نفسها، فى مختلف المدارس الغربية، لتصبح جزءا من مضامين التنشئة الاجتماعية.

فى الحقيقة فإن الصورة المجازية السلبية المنطبعة فى الذهن الغربى عن العرب والإسلام ليست وليدة السنوات الأخيرة، بل تضرب بجذورها فى عمق تاريخى بعيد، فقد استمر وعى الغرب بصورة العربى الموروثة عن القرون الوسطى يقوم على أسس انفعالية مجبولة على العداء، وهذا الوعى المشوه واصل سيره حتى القرن العشرين، بتعديلات محدودة، ليساهم فى علاقة التبعية بين الدول العربية والغرب، مثلما ساهم فى حركة الاستعمار. وبالطبع فإن هذا التصور العدائى والمتحامل لا يمكن رده إلى الأفراد، بل إلى المنظومة الحضارية الغربية برمتها، فى جوانبها السياسية والاجتماعية والإعلامية.

(ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg