| 20 أبريل 2024 م

د.عمار علي حسن.. يكتب: الحوار الحضاري

  • | الإثنين, 25 فبراير, 2019
د.عمار علي حسن.. يكتب: الحوار الحضاري
د. عمار علي حسن

لا يزال الأمل معقوداً على استمرار الحوار العميق والبنَّاء والمثمر بين مختلف الثقافات، تحت لافتة «الإيمان بـالتنوع البشرى الخلاق»، فى ظل الاهتمام المتصاعد بتعزيز وترسيخ قيمة «التسامح» بغية مواجهة الأخطار الناجمة عن التطرف والتشدد والتنطع والغلو والإرهاب، وكذلك عن الصراع المحتدم على الموارد والقيم والمعانى والأفكار والمعتقدات، وفى مواجهة رؤى وفلسفات تحبذ التباعد بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، اتكاء على أن لقاءهما إن كان مستحيلاً فى الجغرافيا فهو كذلك فى الثقافة.

وأثبت توقيع وإطلاق «وثيقة الأخوة الإنسانية» بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان من الإمارات أن هناك بالفعل جهداً حقيقياً يبذل الآن فى سبيل تلافى عدة عيوب وصمت العديد من المقاربات التى رمت إلى إطلاق الحوار بين الثقافات والحضارات، وتحسين شروطه، وهى مسألة غاية فى الأهمية، وتفكيكها ضرورة، لأنها تمثل عقبةً كؤوداً أمام النزوع إلى التعايش والتسامح. ويمكن ذكر هذه العيوب فى النقاط التالية:

1- اختلاط الأدوار والقضايا، حيث تتداخل المسائل العقدية مع الفكرية، وتحل الرؤى والتصورات الدينية فى وقت يكون فيه النقاش بحاجة ماسة إلى تجنيب ما يختلف عليه، ولا توجد فرصة فى تغييره، ولا يحبذ أى من المتحاورين التنازل عنه، وإعلاء ما يتم الاتفاق حوله، وما يمثل قواسم مشتركة بين الجميع.

2- التوظيف السياسى لفكرة «حوار الحضارات والثقافات» من قبل الدول الكبرى، فالسياسة تشكل جوهر الصراع الحضارى المزعوم، ومن يمعن النظر فى طبيعة الصراع الدولى الراهن، أو السابق، وربما اللاحق، يكتشف ذلك للوهلة الأولى. ففى حقيقة الأمر أن «الحضارات لا تتصادم، وإنما تتصادم القوى السياسية والاقتصادية النافذة فى حضارة من الحضارات مع قريناتها فى حضارات وثقافات أخرى»، وفق ما يقوله جميل مطر. والصراعات السياسية فى حد ذاتها باتت من السمات والصفات والطبائع المستمرة لدى الكيانات البشرية، عائلات أو قبائل أو دولاً أو إمبراطوريات، لكنها المحاولات الزائفة التى تلبس هذا النوع من الصراعات لبوساً حضارياً، وتحاول أن تمده على اتساعه، وتمنحه عمقاً، عبر ربطه بالحضارات، هى التى تشكل خطراً على الحوار الحضارى، وتجعل منه مجرد تكتيك فى استراتيجية كبرى، أو تفصيل جزئى فى تصور سياسى شامل ينطوى على رغبة عارمة فى الهيمنة والاستحواذ من قبل الدول الكبرى على نظيرتها الصغرى.

3- حصر الحوار فى نطاق النخب، بشتى أنواعها، وعدم الالتفات إلى الجمهور العريض، المعنى بهذا الحوار، والذى يمكن أن يسهم فى إنجاحه لو وضعت خطة متكاملة الأركان، يشارك الجميع فى صياغتها، من أجل إشراك الناس جميعاً، فى مشارق الأرض ومغاربها، فى الحوار عبر مختلف أدوات الاتصال الجماهيرى، التى شهدت ثورة كبيرة فى السنوات الأخيرة.

4- غلبة اللغة والتوجهات الاستعلائية، التى تنطلق من أن هناك أطرافا أقوى وأكثر تحضراً من الأخرى المتحاورة معها. ومثل هذا التصور يقود إلى إذكاء الصراع وتأجيجه، وليس إلى قيام حوار إيجابى يقود إلى التعاون. فالصراع يحدث عندما تختال إحدى الثقافات على الأخريات، وتعد نفسها الثقافة العظمى، ودونها الصغريات، «والعلاقة بينهما هى علاقة ميتافيزيقية، علاقة بين الواحد والكثير، علاقة ذات صلة بالوجود، علاقة بين الإله والمخلوقات، بل إنها علاقة أخلاقية بين ما ينبغى أن يكون وما هو كائن، إنها ثقافة واحدة، فى سعيها إلى القوة، تتجاوز كل الثقافات الأخرى، وتتفوق عليها» حسبما يقول حسن حنفى.

وهناك من يتوقع أن تصل كل الحضارات البشرية فى وقت، طال أم قصر، إلى نوع من التماثل فى التطبيقات التقنية، ومن ثم تتماثل طرق المعيشة. لكن هذا التماثل فى مجال التقنيات لا يعنى أبداً خلق أنماط إنسانية، بل ستظل هناك عدة حضارات متمايزة جداً، وذلك بحكم اختلاف البشر- وهو اختلاف طبيعى- لا جدال فيه. وسوف يكون «لفظ الحضارة» على المدى البعيد، سواء احتفظ بطبيعته الفردية أو الجماعية، أو بهما معاً، لفظاً لا يتوقف أمامه المؤرخون، أو يترددون بشأنه فى الوصول إلى رأى صريح حازم قاطع.

وظنى أن هذا الرأى القاطع لن يخرج عن الإيمان بثلاثة أمور أساسية، الأول هو أن الحضارات الإنسانية لا تفنى كلية، ولا تنتهى أبداً إلى العدم، بل هى تندمج، أو ما تبقى منها، فى الحضارة التى تليها. والثانى هو أن أى حضارة، مهما علا شأنها، مصيرها إلى التراجع، لتفسح الطريق أمام غيرها ليتقدم، وهذه سنة حياتية لا فكاك منها، مهما طال الزمن بتسيد حضارة ما. أما الثالث فهو أنه لا يوجد ما يمنع منعاً حتمياً أن تعود حضارة أفل نجمها إلى سابق توهجها وعطائها.

وتلك الآراء الثلاثة تفرض أن يظل الحوار مفتوحاً بين الحضارات، أياً كان وضعها، ومهما كان حجم عطائها، فلا أحد يمتلك كل شىء ومعنى، ولا أحد محروم من أى شىء وأى معنى، ومن هنا فإن الجميع يحتاج بعضهم إلى بعض. وبالمفهوم الاقتصادى فإن كل طرف حضارى لديه ميزة نسبية فى أمور معينة، ومن ثم يصبح من الرشد أن يتبادل الناس المزايا، وكل ما يفيد البشرية فى بحثها الدائب والدائم عن الترقى فى المعيشة، وتحسين شروط الحياة وفرصها.

وهذا الفهم، الذى يجب أن يشتد ساعده ويترسخ، لا يصح أن يترك فقط للمؤسسات الرسمية، سياسية أو دينية أو ثقافية، لكن من الضرورى أن يمتد إلى الأفراد العاديين المتحضرين، فى مختلف أرجاء المعمورة، ممن يؤمنون بأن الحوار هو الطريق الأمثل للتعامل بين البشر، ومن ثم السبيل الأفضل لإقامة علاقات إيجابية بين الوحدات التى ينتظم فيها الناس، مؤسسات أو دولاً أو حضارات جامعة.

طباعة
كلمات دالة: قمة الإنسانية
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg