| 29 مارس 2024 م

رجائي عطية.. يكتب: الإسلام والعلم الحضارة  (56)

  • | الأحد, 7 يوليه, 2019
رجائي عطية.. يكتب: الإسلام والعلم الحضارة  (56)
رجائي عطية

 

أوزان الشعر العربى، وقافيته: علمان جليلان، الأوزان يتكفل بها «علم العروض»، الذى أبدع فيه وفى علم القافية: الخليل بن أحمد، المتوفى سنة 160 هـ فى رواية، أو سنة 170 هـ أو 175 هـ فى رواية، حيث عكف على النغم والإيقاع، وألف فيهما كتابين، قبل أن يخرج علميه الجليلين البديعيين: «علم العروض» و«علم القافية».

ويعرف العلماء أن الشعر العربى تفرد بين لغات العالم، بفن العروض، وأن بعض أوزان الشعر فى اللغة الفارسية مستعار من أعاريض العرب، وممن كتبوا فى ذلك الأستاذ عباس محمود العقاد، فى بعض مقالاته، وفى كتابه الضافى «اللغة الشاعرة»، والجاحظ أديب العربية الكبير المتوفى سنة 255 هـ / 868 م عندما انهارت عليه مكتبته الضخمة وقد جاوز التسعين، وقرر الأستاذ العقاد أن الشعر وإن كان قد وجد فى كل لغة من لغات القبائل القديمة والأمم المتحضرة، إلاَّ أنه لم يوجد كفنﱟ كامل مستقل عن الفنون الأخرى فى غير اللغة العربية، والمقصود بالفن الكامل فيما قال الشعر الذى توافرت له شروط الوزن والقافية وتقسيمات البحور والأعاريض التى تعرف بأوزانها وأسمائها وتطرد قواعدها فى كل ما ينظم من قبيلها.

وجدير بالذكر ما أورده الأستاذ العقاد، أن الأديب الفارسى «محمد عوفى» قد عرض لهذه المسالة كما عرض لها الجاحظ، وقرر أن «بهرام جور» كان رائد الشعر الموزون بين شعراء الفرس الأقدمين، لأنه عاش بين العرب وتأدب بآدابهم.

وأنه لا يغير من هذه الحقيقة وجود الشعر الموزون فى اللغة الفارسية أو فى غيرها من اللغات، فلم يكن وجود الوزن فى أشعار الأمم الأخرى لم يكن قط محل خلاف بين مؤرخى الآداب الغربيين والشرقيين، وإنما مناط البحث حول هذه المسألة يدور على انفراد الشعر العربى بفن عروضى مستقل عن الغناء، سواء تغنى به الناظم نفسه أو اكتفى بإنشاده بغير تنغيم على لسان آخرين.

والأمر المحقق؛ أن الفن العروضى خاص باللغة العربية لا نظير له فى لغة أخرى من اللغات على اختلاف أصولها سواء السامية أو الهندية الجرمانية.

* * *

ويقتضينا ذلك قبل تتبع الشعر العربى، أن نلم ولو بالخطوط العريضة لعلم العروض ولعلم القافية ونقول الخطوط العريضة لأن الإلمام بهذين العلمين يستعصى أحياناً على جهابذة علماء العربية، لأسباب أحصتها الكتب التى تعرضت لهذين العلمين.

علم العروض، إجمالاً، هو المعنى بأوزان الشعر، ويحكمها ما يسمى بحروف التقطيع: الفاء، والعين، واللام، والنون، والميم، والسين والتاء. وكذا حروف العلة. وقد جمعها البعض لتسهيل حفظها فى كلمتين: «لمعت سيوفنا».. ففى هاتين الكلمتين كل حروف التقطيع، وتتكون منها ما يسمى التفاعيل، وهى: فَعُولُن، مَفَاعِيلنْ، مُفَاعِلتُنْ، مُتَفَاعِلن، مُسْتَفْعِلُنْ، فاع لاتن، مستَفع لن. وتنطوى هذه التفاعيل على حروف متحركة وأخرى ساكنة، وبعضها يكتب فى الكتابة ولا ينطق به، وبعضها لا يكتب ولكن ينطق به. ككلمة «هذا» فإن نطقها يكون بألف بعد الهاء ولكن الألف غير مكتوبة فى رسم الكلمة، وهناك حروف ظاهرة فى الرسم ولكن لا تنطق فى الكلام..

وهناك فى أجزاء الميزان الشعرى ما يُعرف بالأسباب والأوتاد. السبب: مقطع من حرفين مثل «فاه»، والوتد مقطع من ثلاثة حروف متحرك فساكن أو من متحركين، وكل منهما فيه الخفيف والثقيل، على تفصيل يدق، ولا نحتاج فى هذه الخطوط العامة إليه.

أما الزحاف والعلة، فتغييرات تجرى على تفاعيل الميزان الشعرى: كتسكين حرف متحرك، أو حذفه، أو حذف حرف ساكن، أو زيادته، أو حذف أكثر من حرف، أو زيادته. فهذا فى مجموعه ما يشمله اسم «الزحاف والعلة».

فالزحاف: كل تعبير يتناول ثوانى «الأسباب» سالفة الذكر، ويكون بتسكين الحرف المتحرك أو حذفه، أو حذف الحرف الساكن.

أما العلة: فتدخل على الأسباب والأوتاد السالف ذكرها، وقد تحذف السبب فى أحوال بشروط، وقد تدخل على الأوتاد بزيادة حرف ساكن على الوتد، أو تسكين الحرف الأخير فى الوتد أو إسقاط الحرف السابع.

والعلل لا تقع أصالة إلاَّ فى العروض (آخر الشطر الأول) والضرب (آخر الشطر الثانى)، ومن المتفق عليه بين العلماء أنها إذا عرضت لزمت، فلا يباح للشاعر أن يتخلى عنها فى بقية القصيدة.

وهناك تفصيلات فى الزحاف والعلة، تعنى العلماء والشعراء، علماً بأن هناك من الشعراء من لا علم له بكل قواعد العروض.

وبحور الشعر، هى أنواع معماره الموسيقى، وأرجعها المتقدمون إلى خمسة عشر وزناً، أو ستة عشر وزناً على خلاف بينهم فى الوزن السادس عشر. فلا يصح عند الخليل بن أحمد، ويصح عند الأخفش الأوسط المتوفى سنة 216 هـ / 831 م، وسمى هذا الوزن السادس عشر «بالمتدارك» لأنه يتدارك ما فات الخليل فى إحصائه للبحور.

ويكفينا فى حدود ما نروم، التعريف العريض دون الدقائق بين هذه البحور.. وهى تجرى على بيت الشعر، بشطريه أو بمصراعيه على تفصيل سنكتفى فيه بمجرد التعريف الوجيز.

هذا وبيت الشعر إما تاماً وإما مجزوءاً.. والبيت المجزوء هو المحذوف منه بعض تفاعيله، أما البيت المنهوك فتشبيه له بالبيت المعروف، لأنه يضم الكلام كما يضم البيت أهله، ولذلك سموا مقاطعه أسباباً وأوتاداً تشبيهاً لها بأسباب البيوت وأوتادها، والجمع أبيات، ومنها المشطور أى بيت الشعر المحذوف شطره أو مصراعه.

هذا والعروض، تعنى آخر تفعيلة فى الشطر الأول من بيت الشعر (المصراع الأول، أو الصدر)، وجمعها أعاريض إضافة إلى معناها الذى هو اسم علم العروض.

أما الضرب، فهو آخر تفعيلة فى الشطر الثانى من بيت الشعر (مصراعه الثانى أو عجزه) وجمعها أضرب وضروب وأضراب وسمى بذلك لأن البيت الأول من القصيدة إذا بنى على نوع من الضرب التزم به الشاعر فى سائر القصيدة.

أما البحور الستة عشر، فهى:

(1) البحر الطويل: وهو أحد بحور ثلاثة كثر وردوها فى أشعار العرب القدماء، وله بالطبع تفعيلاته المميزة له عن سائر البحور.

(2) البحر المديد: واستعماله قليل لثقل فيه، وله تفعيلاته، ولكنه لم يستعمل تاماً بل مجزوءاً (بحذف فَاعِلُن الأخيرة فى شطرى البيت)، وله أعاريض ثلاثة، وأضرب ستة موزعة على هذه الأعاريض على تفصيل ليس هذا مجاله.

(3) البحر البسيط: وهو أحد بحور ثلاثة، كثر دورانها فى الشعر العربى، منها البحر الطويل على ما تقدم، ويجىء تاماً أو مجزوءاً، وله تفعيلاته التى تميزه عن سائر البحور، وله أعاريض وضروب.

(4) البحر الوافر: وله تفاعيله، بيد أنه لم يرد صحيحاً أبداً، بل لا بد من قطف بعض عروضه، وله عروضان وثلاثة أضرب، لكل منها معالمها.

(5) البحر الكامل: وهو البحر الثالث، مع الطويل والبسيط، الذى كثر دورانه فى الشعر العربى، وله تفعيلاته، ويستعمل تاماً ومجزوءاً، وله ثلاثة أعاريض وتسعة أضرب، وهو بذلك أكثر البحور أضرباً.

(6) البحر الهزج: وله تفاعيله، ولكنه لا يستعمل إلاَّ مجزوءاً على أربع تفاعيل فقط بدلاً من ست. وعروضه واحد وله ضربان.

(7) البحر الرجز: وأصل تفاعيله ست، فإذا استعمل تاماً تبقى له تفاعيله الست، وإذا استعمل مجزوءاً فيبقى على أربع، ومشطوراً يبقى على ثلاث، ومنهوكاً يبقى اثنان. وله أربعة عروض، وتتحد أعاريضه وأضربه. وقد أكثر الشعراء المحدثون فى الأراجيز المشطورة أكثروا من «الازدواج « وهو أن يتحد كل بيتين فى القافية.

(8) بحر الرَّمَلَ: وأصل تفاعيله «فَاعِلاتُنْ» متكررة فى البيت ست مرات، على شطرية أو مصراعيه، وهو يجئ تاماً كما يجئ مجزوءاً، وله عروضان وستة أضرب.

(9) البحر السريع: وأصل تفاعيله ست، وهو يستعمل تاماً ومشطوراً، وله أربع أعاريض وستة أضرب.

(10) البحر المنسرح: وأصل تفاعيله ست، ويكون تاماً أو منهوكا، وله ثلاث أعاريض وثلاثة أضرب.

(11) البحر الخفيف: وأصله تفاعيله ست، ويجىء تاماً ومجزوءاً، وأعاريضه ثلاث وأضربه خمسة.

(12) البحر المضارع: وأصل تفاعيله ست، وهو يُجزأ وجوباً، وله عروض واحدة صحيحة وضربها مثلها.

(13) البحر المقتضب: وأصل تفاعيله ست، ولا يُستعمل إلاَّ مجزوءاً، وله عروض واحدة، ولها ضربها.

(14) البحر المجتث: وأصل تفاعيله ست، وهو مجزوء وجوباً، وله عروض واحدة، وضرب مثلها.

(15) البحر المتقارب: وأصل تفاعيله ثمان، وهو يستعمل تاماً ومجزوءاً، وله عروضان وستة أضرب.

(16) البحر المتدارك: وهو البحر الذى زاده الأخفش الأوسط كما تقدم، وتدارك به على الخليل بن أحمد، والبعض يسميه «المحدث»، و«المخترع «، و«المتسق»، لأن كل أجزائه على خمسة أحرف، ويسميه البعض

«الشقيق» لأنه أخو المتقارب إذ كل منهما مكون من سبب خفيف ووتد، والبعض يسميه «الخبب» إذا أسرع به اللسان، وهو يستعمل تاماً ومجزوءاً، وله عروضان وأربعة أضرب.

علم القافية

القافية هى الحروف التى تبدأ بحرف متحرك قبل أول ساكنين فى آخر البيت الشعرى، والمعتاد أن تكون القافية كلمة واحدة.

ولحروف القافية حركات، يدق فيها الحديث، وأنواع من حيث الإطلاق والتقيد تبعاً لحرف «الروى» فيها، ولها أسماء بالنظر إلى حركات حروفها مجتمعة، كما لها سبعة عيوب يحذر منها علماء العروض والقافية، ويتصل بها أنواع السناد وهى خمسة: اثنان منها متعلقان بالحروف، وثلاثة متعلقة بالحركات: سناد الرَّدْف، وسناد التأسيس، وسناد الإشباع، وسناد الحذو، وسناد التوجيه.

هذا واللغة العربية من أكثر اللغات عناية بالقافية، بل لعلها أكثرها عناية بها، وهى أساس فى الشعر العربى حتى كان القدماء يصفون الشعر بأنه الكلام الموزون المقفى، وما أشرنا إليه مجرد لمحات للقافية التى أفرد لها علم خاص، يحدد قواعدها بين ما يجب منها لزوما وما يجوز التصرف فيه وما يكره، على تفصيل يهمنا الاستدلال به على الدقة التى روعيت فى القافية، والتزامها فى القصيدة الشعرية، والعادة أن يكون المطلع «مُصًرًّعاً»: أى أن يتبع كل مصراع (شطر البيت) القافية التى تُلزم فى نهاية جميع الأبيات، ومن الشعراء من يضيف قافية أخرى «داخلية» تكون فى داخل البيت الواحد.

مثل قول مسلم بن الوليد:

موف على مهج فى يوم وهج     كأنه أجل يسعى إلى أمل

ففى المصراع الأول أى الشطر الأول من البيت كلمتان تشيران إلى قافية داخلية فيه. كلمة مهج وكلمة وهج. كذلك فى الشطر الثانى أى المصراع الثانى، كلمة أجل وكلمة أمل.

ومثل قول أبى تمام:

تدبير معتصم بالله منتقم لله مرتقب فى الله مرتغب

ففى الشطر الأول أو المصراع الأول «معتصم» و«منتقم»، وفى الشطر الثانى «مرتقب» و«مرتغب».

وهذه القافية الداخلية تكون مقصورة على بيت واحد أو عدد محدود من الأبيات فى القصيدة كلها، وإذ أتقنت يكون لها وقع موسيقى مؤثر، وعلماء البلاغة يسمون ذلك: «السجع المُشَطَّر».

وتجرى القصائد العربية فى ذلك على ثلاثة ضروب:

الأول الطريقة المألوفة فى جميع الأوزان، بأن ينتهى جميع أبيات القصيدة بقافية واحدة.

والثانى أن تتكرر القافية فى آخر كل مصراع (أى شطر)، فيكون المصراع هو وحدة القصيدة ويسمى فى هذه الحالة «بيتا».

والثالث أن يكون لكل مصراعين قافية واحدة، وبهذا يمكن الإطالة فى المنظومة، وهذه هى الطريقة المتبعة فى أرجوزة أبى العتاهية التى منها قوله:

ما انتفع المرء بمثل عقله         وخير ذخر المرء حسن فعله

لكل ما يؤذى وإن قل ألم          ما أطول الليل على من لم ينم

إن الشباب والفراغ والجدة       مفسدة للمرء أى مفسدة

فلفظ القافية مكرر فى آخر كل شطر للبيت الأول، ثم فى البيت الثانى، ثم الثالث.

على أن أساليب الشعراء استحدث فيها أنواع أخرى للقافية، ولم يكن حسب ذلك ما أجراه المعرى حين ألزم نفسه بما لا يلزم بالقافية فى نهاية كل بيت، فى ديوانه «اللزوميات».

ولم يعدم العصر الحديث من ينادون بالتحرر من القافية وإرسال الشعر أسوة ببعض اللغات الأجنبية، إلاَّ أن هذه الدعوة لم تصادف قبولاً عاماً لدى الشعراء والمثقفين.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg