| 29 مارس 2024 م

رجائى عطية .. يكتب : الإسلام والعلم الحضارة (57)

  • | الإثنين, 8 يوليه, 2019
رجائى عطية .. يكتب : الإسلام والعلم الحضارة (57)
رجائي عطية

الحديث فى أوزان الشعر، يقتضينا أن نعرض قبله إلى ما أحدثه المولّدون فى أوزان الشعر وقوافيه، فقد نظر هؤلاء إلى البحور والأوزان التى حددها الخليل بن أحمد وزاد عليها الأخفش الأوسط البحر السادس عشر، فرأوا أن هذا الحصر للأوزان يضيق عليهم مجال الشعر، وهم يريدون أن يجرى شعرهم على الأنغام الموسيقية التى نقلتها الحضارة إليهم، وجنحوا إلى تلك الأوزان الجديدة لأن أذواقهم تربّت عليها وألفتها واعتادت التعامل معها والتأثر بها.

التوليد والمولّدون

واستنبط المولدون من الأوزان الموروثة ستة أوزان هى فى الواقع مقلوب ستة أوزان من الأوزان السائدة.

استنبطوا «المستطيل»، وهو مقلوب الطويل.

واستنبطوا «الممتد»، وهو مقلوب المديد.

واستنبطوا «المتوافر»، وهو محرف عن بحر الرمل.

واستنبطوا «المتئد»، وهو مقلوب المجتث.

واستنبطوا «المنسرد»، وهو مقلوب المضارع.

واستنبطوا «المطرد»، وهو صورة أخرى من مقلوب المضارع.

ومن هذه الأوزان التى استحدثوها، ما فعله أبوالعتاهية، فقد ذكر أنه نظم على أوزان لا توافق ما استنبطه الخليل بن أحمد، ولما انْتُقد قال «أنا أكبر من العروض».

ومن أشهر ما استحدث غير ما تقدم، ما عرف بالفنون السبعة، السلسلة، والدوبيت، والقوما، والموشحات، والزجل، وكان وكان، والمواليا.

فالسلسلة        أجزاؤه أربعة تفاعيل: فعلن فعلاتن متفعلن فعلاتان.

والدوبيت       وزن فارسى نسج على منواله العرب المولدون.

والقوما فن اخترعه البغداديون القائمون بالسحور فى رمضان، واسمه مأخوذ من قول بعضهم لبعض «قوما نسحر قوما» وقد شاع هذا الفن، وأول من اخترعه «أبونقطة» للخليفة الناصر.

أما الموشحات فقد ابتدعها الأندلسيون، وأول من نظمها منهم «مقدم بن معافر» من شعراء الأمير عبدالله محمد المروانى فى اواخر القرن الثالث الهجرى، وبارت هذه الصناعة فى أول الأمر، ثم راجت، وأجاد فيها الأندلسيون، وانتقل هذا الفن منهم إلى المشرق، ونسج شعراؤه على منواله وأوزانه، وسوف نعود للحديث بتفصيل أكثر عن الموشحات، بالنظر إلى تأثيرها الكبير على الأدب الأوروبى.

والزجل اخترع هذا الفن أيضاً فى الأندلس بعد نضوج الموشحات وتداولها بكثرة حركت نفوس العامة، فنسجوا على منوال الموشح بلغتهم الحضرية، وقد كثرت أوزانه، وأول من ابتكره رجل يقال له راشد، وأبدع فيه بعده ابن قزمان المتوفى سنة 555 هـ / 1160 م.

أما كان وكان، فقد ابتكره البغداديون، وسمى بهذا الاسم لأنهم لم ينظموا فيه سوى الحكايات والخرافات، فكان قائله يحكى ما كان، حتى ظهر الإمام الجوزى والواعظ شمس الدين، فنظما منه الحكم والمواعظ..

وأخيراً المواليا وهو من الفنون التى لا يلزم فيها مراعاة القوانين العربية، وهو من البسيط وله بعض أضرب تخرج عنه.

وقيل فى سبب نشأته، أن الرشيد لما نَكَبَ البرامكة، أمر أَلاَّ يَرْثُوهُم أحدٌ بشعر، فاحتالت جارية محبة لهم لترثوهم بهذا الوزن الذى لم يكن آنذاك ضمن أوزان الشعر، وجعلت تنشد الرثاء وتقول «مواليا» ليكون ذلك منجاة لها من الرشيد.

ومن أبرز الشعراء المولّدين، بشار بن برد، وأبوالعتاهية، وأبونواس، وابن الرومى، وابن المعتز، والشريف الرضى، والطغرائى.

أوزان الشعر

الوزن هو الركن الركين فى الشعر، يجرى على أبياته وفقاً لمقياس خاص، وقد رأينا باختصار أن الوزن فى بحور الشعر يجرى باستخدام لفظ «فعل»: كما يجرى فى علم

«الصرف»، فقال العلماء إن «نَظَرَ» على وزن «فَعَلَ» وكاتب على وزن فاعل، ومستمع على وزن مفتعل، ومن هذه التفعيلات، وفقاً لترتيبها وعددها، تجرى أوزان الشعر المختلفة.

فبحر الطويل مثلاً يجرى على وزن: فعولن مفاعيلن، مكررة أربع مرات، كقول أبى فراس الحمدانى:

أراك عصى الدمع شيمتك الصبر         أما للهوى نهى عليك ولا أمر؟

وبحر الكامل مثلاً يكون على وزن: متفاعلن، مكررة ست مرات، كقول لبيد:

عفت الديار محلها فمقامها           بمنى تأبد نمولها فرجامها

وبحر الرّمَلَ يكون على وزن: فاعلاتن، مكررة ست مرات، كقول مهبار الديلمى:

من عذيرى يوم شرقى الحمى    من هوى جد بقلب مزحا

هذا وليس من الملزم أن يكون الشعر مطابقاً حرفياً لذلك الوزن النظرى مطابقة ًتامة، بل هناك أمور يجوز للشاعر أن يتصرف فيها، كأن يحرك ساكناً أو يسكن متحركاً، أو يحذف حرفاً.. وكل ذلك طبقاً لقواعد سجلها علم العروض على ما أوجزنا بيانه. ومثل هذا التصرف بالتحريك أو التسكين أو الحذف، لا يخل بالوزن.

وقد مَرَّ بنا كيف أن بعض البحور قد تستعمل تامةً، وقد تستعمل مجزوءة، كما فى بحر الكامل مثلاُ، بتكرير «متفاعلن» أربع مرات بدلاً من ست، مثل قول ابن نباته السعدى:

كيف العزاء وأين بابه   والحر قد خفت ركابه

ويسمى الوزن فى هذه الحالة «مجزوء الكامل».

وغنى عن البيان أن هذا الغنى فى الأوزان ميزة جليلة. ذلك أن لكل وزن من بحور الشعر صفة تميزه عن غيره، فبحر الطويل مثلاً يعبر عن الفخامة، ويصلح للإنشاد فى المحافل.

وبحر الرَّمَلَ يمثل الرقة والعذوبة، ويسهل فيه الغناء، بل هو يدعو إلى التغنى.

على أن هذه الدلالات نسبية تختلف فيها الأذواق.

أما فى الشعر الأجنبى، فوزنه لا يقاس بالتفعيلات، وإنما بالمقاطع.. مثال ذلك أن كلمة «voila`» بالفرنسية، تتألف من مقطعين «a` - voil»، وقد نشأ على عدد المقاطع وترتيبها أوزان الشعر فى الأدب الأجنبى، والمتداول منها لا يتعدى خمسة أوزان، ومع ذلك استطاع البارعون من شعراء الغرب أن ينوعوها من حيث ترتيبها وتنسيقها وتقفيتها، وذهب بعض الأدباء الأوروبيين منذ أواخر القرن قبل الماضى إلى الشك فى ضرورة وزن الشعر، ونادوا بأن الكلام الجميل قد يكون شعراً ولو لم يكن من الوزن المعروف.

والكلام فى ذلك وأثره فى الحركة الحديثة فى الشعر العربى يطول.

كذلك أثر الشعر والأدب العربى فى الأدب الغربى.

بعض مشاهير شعراء العربية

من المحال، وليس هذا من أغراض هذه السطور، إحصاء أعلام شعراء العربية فى كل عصر عبر نيف وأربعة عشر قرناً، وحسبنا الإشارة إلى بعض المشاهير.

وقد مر بنا أصحاب المعلقات ومشاهير الشعراء فى الجاهلية، امرؤ القيس، والنابغة الذبيانى، وزهير بن أبى سلمى، والأعشى، وعنترة بن شداد، وطرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم، ولبيد بن ربيعة، وأمية بن أبى الصلت.

واشتهر بين الشعراء المخضرمين، الذين عاشوا بعض الجاهلية ولحقوا بالإسلام: لبيد بن ربيعة وقد أسلم، والأعشى، وكعب بن زهير، والخنساء، وحسان بن ثابت، والحطيئة.

ومن الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين فى صدر الإسلام: حسان بن ثابت، وكعب بن زهير، وزيد الخيل الطائى، ومتمم بن نويرة، والخنساء، وبنت الخنساء: ليلى الأخيلية، والحطيئة، أما الإمام على، فيرجح البعض أن الشعر المنسوب إليه فى نهج البلاغة منحول، وإنما اشتهر بالخطب والأمثال والوصايا.

ومن الطبقة التالية، وبرزوا فى عصر الأمويين: شاعر الغزل عمر بن أبى ربيعة، وعبدالله بن قيس الرقيات، وقيس بن ذريح، وقيس بن الملوح، وجميل بن معمر المعروف بجميل بثينة نسبة إلى بثينة التى لم يحب ولم يتغزل فى سواها، وكثير عزة، ووضاح اليمن، والأخطل، والفرزدق، وجرير، وذو الرُمّة، وفى الرجز: الأغلب العجلى وأبوالنجم العجلى، ورؤية بن العجاج، وعوف بن عبدالله الأزدى من شعراء الشيعة، وخالد بن صفوان، وقطرى بن الفجاءة (من الخوارج)، وليلى الأخيلية بنت الخنساء، ونابغة بنى شيبان، والكميت، والطرماح بن حكيم، وذُكِرَ منهم يزيد بن معاوية، والوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان.

ونبغ من الشعراء فى العصر العباسى: أبوتمام، والبحترى، والمتنبى، وأبوفراس الحمدانى، وأبوالعلاء المعرى، وبشار بن برد، وأبوالعتاهية، وابن الرومى، وأبونواس، وابن المعتز العباسى، والشريف الرضى والطغرانى.

وفى الأندلس: ابن عبدربه صاحب العقد الفريد، وابن هانئ الأندلسى، وابن زيدون، وابن حمديس الصقلى، وابن خفاجة الأندلسى، والوزير الأديب الشاعر لسان الدين بن الخطيب.

وبزغ فى مصر من الشعراء فى عهد الفاطميين: ابن الفارض، وبهاء الدين زهير، وكمال الدين بن النبيه.

وفى عصر الدولة العثمانية: صفى الدين الحلى شاعر العراق المميز، وعائشة الباعونية التى قصرت إلهامها شعراً على المدائح النبوية.

أما فى مصر فى العصر الحديث، فقد تعدد الشعراء وبزغ منهم أسماء لامعة، كشاعر السيف والقلم محمود سامى البارودى، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وأمير الشعراء أحمد شوقى، وجميل صدقى الزهاوى، وعباس محمود العقاد الذى أخرج ثلاثة عشر ديواناً، هذا إلى الجيل التالى فى مصر والعراق والشام، وأخشى ذكر الأسماء حتى لا يفوتنى أحد.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg