| 29 مارس 2024 م

محمد مصطفى أبوشامة.. يكتب: طلاب الثانوية بين النجاح والانتحار

  • | الأربعاء, 17 يوليه, 2019
محمد مصطفى أبوشامة.. يكتب: طلاب الثانوية بين النجاح والانتحار
محمد مصطفى أبو شامة

أتفق وبشدة مع الشاعر الراحل فتحى قورة فى أنه «مفيش فرحان بالدنيا.. زى الفرحان بنجاحه» بحسب ما غنى العندليب عبدالحليم حافظ من كلمات قورة، وتلحين منير مراد فى إحدى الأفلام الشهيرة (فيلم الخطايا)، لتصبح من بعدها أغنية «الناجح يرفع ايده» هى النشيد الرسمى لطلاب المدارس والجامعات، تسمعها فى معظم البيوت المصرية (والعربية) يوم ظهور نتائج «التلامذة»، وهو اليوم الذى «يكرم فيه المرء أو يهان» وفق ما حصد وحصل من درجات جزاء جهده وعمله.

ويستحق هذا الأسبوع عن جدارة لقب «أسبوع الثانوية» سواء كانت عامة أو أزهرية، فقد أعلنت النتائج واحتفت الدولة وأجهزتها بأوائل الشهادتين، واتصل فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بأوائل الثانوية الأزهرية مهنئا ومباركا وداعماً. وعمت الأفراح بيوت الناجحين وسادت الأحزان منازل الراسبين وانشغلت معظم الأسر المصرية بمصير أبنائهم فى المرحلة التالية من حياتهم (مرحلة التنسيق)، والتى يعول عليها فى تحديد شكل مستقبلهم ومصيرهم فى الحياة.

ورغم عمليات تطوير التعليم المستمرة بشقيه العام والأزهرى، إلا أنه لا يزال الرعب من الشهادة «الثانوية» يهدد حياة المصريين ويستنزف جهدهم، ولا تزال هذه «السنة الدراسية» تشكل علامة فارقة بالسلب أو الإيجاب فى حياة كل مصرى، وكنت أنوى أن أرصد فى مقالى بعض تجارب أوائل هذا العام نستلهم معا من قصص نجاحهم لعلها تفيد أبناءنا المقبلين على هذه «المحنة» فى العام المقبل، لكن استوقفنى خبر عن محاولة انتحار (فاشلة) لطالبة (رسبت) فى الثانوية العامةـ وبعيدا عن مفارقة هذا الرسوب المزدوج فى الامتحان والانتحار، فإننا أمام فعل كنت أظنه قد اختفى من حياة طلاب هذا الجيل، وكم كانت صدمتى كبيرة عندما قمت بعمل بحث أولى على google محرك البحث الأشهر فى الإنترنت وكتبت (انتحار طالب ثانوى)، وتراصت أمامى عشرات النتائج المؤلمة، وكان أقساها على القلب، قصة طالب بمحافظة الشرقية انتحر بطبنجة والده. ولم يتوقف الأمر عند انتحار يوم النتيجة، بل إن هناك محاولات انتحار سابقة فى لجان الامتحانات قبل أسابيع.

ما يثير الدهشة أن المقارنة بين مشقة ورعب الشهادة الثانوية قبل 20 سنة واليوم، تكون فى صالح الماضى حيث الجامعات أقل وفرص العمل بدون شهادة جامعية محدودة، أما اليوم وقد انفتح العالم وأصبحت الحياة (أونلاين)، واحتشدت قوائم فرص التعليم الجامعى بمئات المعاهد والكليات العامة والخاصة، وباتت معايير الاختيار فى الوظائف الجديدة لا ترتبط بمؤهل محدد، بل بمهارات الشخص المتقدم للوظيفة، ورغم كل هذا التيسير الذى أصبح متاحا اليوم، يلجأ راسبو الثانوية للانتحار، لماذا؟.. ربما تكمن الإجابة فى أن الأجيال الجديدة أكثر هشاشة نفسية وأضعف إيمانا، وربما تكون هناك أسباب أخرى تستدعى الدراسة.

أدرك أن الأمر لم يرتق ليصبح ظاهرة، ولكنى اعلم بحكم وجودى بين دوائر متشابكة من طبقات المجتمع المختلفة، أن هناك محاولات لم تنشرها الصحف لانتحار راسبين، كما أن عمليات نحر معنوى تحدث لمعظم الراسبين من أسرهم ومجتمعاتهم الصغيرة، رغم أن هذه الأسر قد عايشوا (أو سمعوا) من قبل قصصا لكثيرين حققوا نجاحات بعد رسوب تعليمى سواء فى الثانوية أو الجامعة أو قبلهما. فى كل الأحوال.. الأمر يحتاج اهتماما وحرصا من الأسرة، وتوعية مجتمعية مستمرة لتحصين الأبناء وحمايتهم نفسياً من السقوط فى براثن اكتئاب ما بعد الرسوب أو الفشل. 

إن أبناء هذا الزمان فى حاجة إلى متابعة مستمرة لتأمينهم من تداعيات الانهيار الأخلاقى الذى سببته العولمة وأحدثته تكنولوجيا التواصل العصرية.. والذى تزامن مع تصدع العلاقة بالدين ونفاذ باقة الأخلاق التى كانت تزين مجتمعنا المصرى. 

حفظ الله أبناءنا.. ومبروك للناجحين ودعواتى للراسبين بالثبات. 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg