| 19 أبريل 2024 م

أ.د. عبدالحليم منصور .. يكتب: الجماعات المسلحة وخطرها على الأمة

  • | الأربعاء, 2 أكتوبر, 2019
أ.د. عبدالحليم منصور .. يكتب: الجماعات المسلحة وخطرها على الأمة
د. عبد الحليم منصور

منذ حين من الدهر وجموع الشعب المصرى تصحو بين فينة وأخرى على كارثة مروعة، يكون ضحيتها عدد من النفوس الزكية من أبناء الشعب المصرى، ومن خير أجناد الأرض الذين ينافحون من أجل حماية الأرض والعرض، على النحو الذى شاهدناه وسمعناه منذ أيام قلائل، والعجب كل العجب أن ترتكب هذه الجرائم تحت شعار الدين، وباسم الإسلام.

إن الإسلام دين السلام، ورسالته هى رسالة سلام للإنسانية كلها، ومن يتتبع نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يجد هذا المعنى جليا، ففى القرآن الكريم يقول الحق سبحانه وتعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، كما أن رسالة الإسلام تدعو إلى التعايش الإنسانى مع الآخر على النحو الذى يحقق معانى الخلافة عن الله -سبحانه وتعالى- فى إعمار الكون بشكل صحيح قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».

إن الإسلام لا يحفل لإقامة الحروب مع مخالفيه بلا سبب، أو لمجرد كونهم غير مسلمين، ولا يحفل الإسلام بقلوب مكرهة على الدخول فيه، وهى تتبرم منه، وتتربص به وبأبنائه الدوائر، ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية أكثر من أن تحصى فى هذا المجال، تؤصل لجعل السلم هو الأساس فى علاقة المسلمين بغيرهم، وأنه لا يجوز مقاتلة غير المسلمين بلا سبب متى كانوا مسالمين لنا، ولم يبدأونا بعدوان، ولم ينقضوا عهدهم مع المسلمين.

إن الشرائع السماوية ومنها شريعة الإسلام تهدف لتحقيق مصالح المكلفين، مسلمين وغير مسلمين، فى التعايش السلمى المشترك، وتحقيق معانى المواطنة، والمساواة فى الحقوق والواجبات، وغيرها من الأمور، ولم تأت الشريعة لتعذيب البشر، أو النيل منهم.

إن الأديان السماوية قاطبة تدعو إلى الحفاظ على النفوس الإنسانية؛ لأنها صنعة الله -عز وجل-، وحظيت بتكريمه - سبحانه وتعالى- قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً».

إن الإسلام يدعو جموع المواطنين إلى التوحد تحت رايته، وعدم التفرق والتنازع الذى يشتت جهود الأمة ويفرق جمعها، ويضيع قوتها، قال تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ».

وقال عز وجل: «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ».

وإذا كان الإسلام يدعو جموع المواطنين إلى التوحد وعدم التفرق فإنه يدعو إلى طاعة ولى الأمر وعدم الخروج عليه، بالقول أو بالفعل على النحو الذى تمارسه داعش، وبوكو حرام، وجماعات التكفير والهجرة، وغيرها من الجماعات التى تتخذ من العنف منهجا فى التعامل مع الدول والحكومات، فهذه الجماعات أضر على الدين من أعدائه؛ لأنها تصور الإسلام للعالم بأسره - على خلاف الحقيقة - على أنه دين عنف، وقتل، وسفك للدماء، دين لا يحترم الآخر فى دمه، ولا ماله، ولا عرضه، ويرسخ الصورة الذهنية لدى الغرب عن الإسلام بأنه دين دموى، وأهله قوم يعشقون القتل وسفك الدماء.

إن هذه الجماعات الإرهابية نبت شيطانى خبيث، نشأت فى رحم العدو، ونمت وترعرعت فى كنفه وتربت على موائده، وحظيت بالتدريب، والمال، والدعم الأجنبى بكل صوره وأشكاله، ثم ما تلبث أن تظهر على أرض الواقع بين عشية وضحاها؛ لتنفذ تعاليمه بكل دقة بالخروج على الحكام، وشق عصا الطاعة، واستخدام العنف المسلح ضد الأفراد، وضد كل من يقف فى وجههم.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيما روى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِى اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِىّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا».

سبب انحراف الجماعات المتطرفة: إن ما يحدث على أيدى الجماعات الإرهابية هنا وهناك فى شتى بقاع العالم مرده إلى أمرين اثنين:

الأمر الأول: هو الفهم الخاطئ للنصوص الشرعية، وقواعد الاستنباط، ومقاصد الشرع الحنيف.

الأمر الثانى: الخطأ فى تنزيل المفاهيم المغلوطة على الواقع المعاصر بكل مشتملاته وتعقيداته.

وكلا الأمرين مصيبة عظمى، وطامة كبرى؛ إذ ينتج عن ذلك من الجرائم والكبائر ما يضيق على المرء كل فسحة من دينه ـ

ومرد ذلك: أن طريقة أخذ العلم، وتعلمه لديهم، ليست طريقة منهجية مؤسسية، وإنما هى أفهام فردية، وأهواء شخصية، قد تصيب تارة، ولكنها تخطئ تارات، ويتم تناقلها بينهم على أنها دين، وهى ليست كذلك.

إن هذه الجماعات - داعش وغيرها - بغاة خارجون على الأمة الإسلامية وحكامها، يعيشون فى منعة، متحصنين بالسلاح والعتاد، ولهم تأويلاتهم التى لا تتفق ومنهج الإسلام الصحيح، لذا يجب مواجهتهم، وتخليص الناس من شرهم، إذا لم يعودوا إلى السلوك القويم، وصراط الله المستقيم.

وهم خوارج هذا العصر الجدد، خرجوا على الأمة كلها، وعلى حكامها، وعلى تعاليم دينها الحنيف، الأمر الذى يستوجب ضرورة المواجهة الفكرية والعسكرية، حتى تأمن الإنسانية كلها خطرهم العظيم، وشرهم المستطير.

إن هذه الجماعات تتخذ من كلمة الجهاد فى سبيل الله - عز وجل- ستارا لتبرر به كل جرائمها فى قتل المخالفين لهم، مع أن نصوص القرآن الكريم لم تدع إلى القتال إلا فى حال رد الاعتداء فقط.

ويجب على المؤسسات الدينية فى العالم العمل على مواجهة أفكار هذه الجماعات الإرهابية، وبيان عوارها، وكشف زيفها، وضلالها، كما يجب أيضاً احتضان شباب الأمة، وتحصين عقولهم من الأفكار المتطرفة، والمفاهيم الملتبسة، حتى لا يكونوا لُقمة سائغة للإرهاب وأهله.

كما يجب على الشعوب الالتفاف والاصطفاف حول قيادتها، حتى تبقى الأوطان العربية والإسلامية عصية على السقوط والكسر، لتبقى كلمة الأوطان موحدة فى مواجهة هذه الفئات الضالة.

حفظ الله مصر .. حفظ الله الجيش.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg