| 28 مارس 2024 م

أحمد الصاوي .. يكتب: هذا رأي الأزهر.. وليس قانونه

  • | السبت, 2 نوفمبر, 2019
أحمد الصاوي .. يكتب: هذا رأي الأزهر.. وليس قانونه
أحمد الصاوي .. رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر

عندما تطالع الجدل العام حول «المقترح بمشروع قانون الأحوال الشخصية»، المرسل من الأزهر الشريف إلى الجهات المعنية، التى طلبت رأى المؤسسة الدينية، «الأهم بنص الدستور»، تجد أنه ينقسم إلى قسمين:

أولهما مَن انشغلوا بمضمون النص ذاته، بقراءته، واستحسان بعض ما فيه، وإعلان رفض الآخر، وممارسة النقد المشروع لنص «غير مقدس» بأى حال، ويعبر عن رأى جماعى للجنة مكونة من أشخاص، المؤكد أنهم مؤهَّلون، كلٌّ فى تخصصه، لكنهم أيضًا يصيبون ويخطئون بلا عصمة ولا ادّعاء إحاطة بالكمال.

وثانى أطراف هذا الجدل مَن يتوقفون عند خطوة سابقة للنص، تتعلق بالشكل، بالقول إن الأزهر الشريف كمؤسسة ليس من حقه أصلًا أن يقترح مشروعات قوانين، حتى لو كانت قوانين مرتبطة ومستمدة ومستقاة من الشريعة الإسلامية.

ولأن أولئك المنشغلين بالشكل قد يُضيِّعون عليك فرصة التركيز مع الحوار الجاد بين أصحاب الرأى من صناع المقترح، وبين منتقديه بملاحظات لها وجاهتها وتستحق التوضيح والتفسير والأخذ والرد، فيضطرك أهل الشكل إلى الحديث فيما تعتقد أنه بديهيات مستقرة، ومن المستغرب جدًا تجاوزها بهذا القدر من الافتعال، الذى لا ترى له هدفًا سوى التربص بالأزهر، كونه الأزهر، دون منطق أو مضمون سليم. البعض يقول إنه رغم أن الدستور ينص فى مادته السابعة على أن «الأزهر الشريف هو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشؤون الإسلامية»، فإن قانونًا مثل قانون الأحوال الشخصية قانون مدنى لا دخل للأزهر الشريف به، ولا علاقة له بمهمة الأزهر مرجعًا فيما يخص الشريعة الإسلامية، وهو قول يدعو إلى العجب، أن يعتبر مثقفون ونواب أن القانون الذى ينظم الزواج والطلاق والميراث والوصاية والحجر وما إلى ذلك لا علاقة له بالشريعة الإسلامية، وهو إثارة لمعركة فى غير مكانها ولا زمانها ولا موضعها المستحَق، فقد كنت أفهم أن ينتفض «المدنيون» إن شاهدوا الأزهر يتدخل فى قانون له علاقة بالاقتصاد أو الحياة السياسية أو غيرهما، وهم أقل شجاعة من أن يطالبوا بوضوح برغبتهم فى تحويل الزواج وأحكام الأسرة من عقد ذى صبغة دينية إلى تعاقد مدنى بحت، لكنهم حتى إن أرادوا ذلك يصطدمون بذات الدستور الذى يحتجون به، سواء فى مادته الثانية الشهيرة، التى تقول إن «مبادئ الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع»، أو حتى فى مادته الثالثة، التى نظمت الأحوال الشخصية لغير المسلمين بقولها: «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المُنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية»، وهنا تأكيد من الدستور أن الأحوال الشخصية عمومًا مرتبطة بالشرائع والمصدر الرئيسى لأى تشريعات تخصها، وبالتالى تصبح المؤسسات الدينية للمسلمين والمسيحيين واليهود صاحبة اختصاص أصيل وثابت وواضح ومعلن فى التصدى بالرأى لمثل هذه المشروعات التشريعية.

لكن هناك مَن يقول بقدر من الثقة إن الأزهر ليس من حقه التقدم باقتراحات مشروعات قوانين من الأصل، وإن دوره هو أن يقول رأيه فيما هو معروض عليه لأن المادة 122 من الدستور تقول على سبيل الحصر إن: «لرئيس الجمهورية، ولمجلس الوزراء، ولكل عضو فى مجلس النواب، اقتراح القوانين»، وبما أن هذه المادة لم تذكر الأزهر بالاسم فليس من حقه اقتراح القوانين. وهو قول مردود عليه، حتى فى أقوال بعضهم ممن يهاجمون الأزهر ومشروعه، ويدعمون مشروع المجلس القومى للمرأة، «وهو واحد من 5 مشروعات أُرسلت إلى الأزهر ليبدى رأيه فيها»، وكأن المادة 122، التى لم تذكر الأزهر بين مَن يحق لهم اقتراح القوانين، ذكرت المجلس القومى للمرأة، وهو ما يفسر لك بعض نفسيات التناول، التى تجعل من مشروع يتقدم به الأزهر- حسب وصفهم- اعتداء على الدستور واغتصابًا لسلطة التشريع، فيما يمر مشروع المجلس القومى للمرأة أمام أعينهم بلا ذكر لأى اعتداء ولا يحزنون. والحقيقة أنه لا الأزهر ولا المجلس القومى للمرأة ولا غيرهما يعتدى على الدستور حين يقترح القوانين، ليس فقط لأنهم أهل اختصاص أو يتماسّ مشروع القانون مع طبيعة عملهم، وإنما لأن حق الاقتراحات مكفول للجميع، لى ولك وللمؤسسات، وبنص المادة 77، فإن «لكل مواطن أن يتقدم بمقترحاته المكتوبة إلى مجلس النواب بشأن المسائل العامة». ولم تحدد المادة ما إذا كانت هذه المقترحات المكتوبة ورقة أو ورقتين أو حتى مشروع قانون، فإذا كان هذا حقًا دستوريًا لكل مواطن، فهل لا يكون حقًا للأزهر؟!. هل تعتقد أن هناك نائبًا برلمانيًا أو إعلاميًا أو كاتبًا أو أكاديميًا يجهل الفارق بين إعداد مقترحات بمشروعات قوانين، وبين إقرارها؟.. الفارق بين الاثنين واضح جدًا لمَن ليس فى قلبه تربص.

اقتراح مشروعات القوانين جائز لكل مهتم ومختص وصاحب رأى، بينما إقرارها وإنفاذها غير جائز إلا لنواب الشعب ورئيس الجمهورية، حسبما ينظم الدستور. وببساطة، يمكنك أن تكتب فى مُحرِّك البحث جملًا على شاكلة «يعد مشروع قانون.. أو تعد مشروع قانون» لتجد نتائج هائلة عن نقابات وأندية وروابط واتحادات ومراكز بحثية وجمعيات أهلية أعدت مقترحات بمشروعات قوانين، وقدمتها إلى جهة الاختصاص، فأصبحت فى عهدتها، تقرها على ما هى عليه، أو تُعدِّلها، أو ترفضها كلية. لكن كل هذه الهيئات قطعًا لا تعتدى على الدستور حين تفعل ذلك، لكن أولئك المصابين بـ«الأزهر فوبيا» هم فقط مَن يرون مصيبة دستورية كبرى مع الأزهر فقط، ويبدو من إظهارهم الحرص على المادة 122 من الدستور ما يوحى لك بأنهم ليسوا نفس الأشخاص الذين يزدرون مواد أخرى كثيرة من الدستور، ولا يريدون احترامها، وفى قلبها المادة الثانية. لكن مَن قال إن الأزهر خالف المادة 122 من الأصل؟ أرسلت الجهات المعنية إلى الأزهر 5 مقترحات بمشروعات قوانين للأحوال الشخصية، أحدها للمجلس القومى للمرأة، طالبة الرأى، هنا جاء التكليف من خارج الأزهر، وكان الهدف أن تلك الجهات تريد رأى الأزهر فى «الأحوال الشخصية»، ولما كانت المشروعات الخمسة بعضها يتعارض وبعضها يتخذ مسارات مفرطة فى الانحياز، رأى الأزهر أن يقدم رأيه فى صورة مقترح مشروع، وأعاده إلى الجهات التى طلبته، وهى الجهات التى من المفترض أن تتقدم به للمناقشة فى البرلمان وفق أحكام المادة 122. لا عوار دستوريًا إذن.. وهذا «رأى الأزهر وليس قانونه»، يضعه أمام كل مَن يريد الاسترشاد أو يسعى ليعرف ما يراه الأزهر فى الجوانب المختلفة من القانون، ولجهة الاختصاص أن تقره كاملًا، أو تمارس تعديلات، أو تضعه فى الدرج، وتقر قانونًا آخر تمامًا، مادام التزم فى مواده وأحكامه بمبادئ الشريعة الإسلامية حتى لا يُصاب بعوار دستورى حقيقى وليس مصطنعًا ومفتعلًا. الأزهر لا يُشرع ولا يُقر قوانين.. الأزهر يقترح ويبدى رأيه ويُبصِّر بحكم تخصصه ومهمته، المحددة فى الدستور، والمقبولة من المجتمع، بصحيح الأحكام الفقهية والشرعية، باعتباره دستوريًا المرجع الأساسى، وعدم القبول بهذا الدور هو عين الاعتداء على الدستور. هذا من حيث الشكل.. أما من حيث المضمون، فالنص غير مقدس، ومن صنع بشر، ومتاح للنقاش والأخذ والرد والتعديل، ولا يمكن أن يرفض الأزهر ذلك، شخصيًا لم أفهم بعض مواده، مثل زواج المجنون، والمفترض أنه فاقد الأهلية، ليعقد عقد زواج، وأعتقد أنها مسألة تحتاج تفسيرًا وإعادة نظر، وهذا هو دور النقاش الجاد المحترم، وكذلك وضع احتمالية لزواج فتاة أقل من 18 عامًا، حتى لو كان ذلك بإذن القاضى، وأتمنى- عند إقرار قانون جديد للأحوال الشخصية- أن يُغلق هذا الباب نهائيًا، وكل ما يُستجد من ملاحظات مطروح للنقاش.. لأن أى كلام فى المضمون حق.. أما إثارة الزوابع وافتعالها بدعوى أن الأزهر ليس من حقه ما كفله الدستور لكل مواطن فهو عين الإقصاء والحجْر.

* نقلا عن جريدة المصري اليوم 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg