| 27 أبريل 2024 م

"أفول الغرب".. عن شيخ الأزهر الذى يقرأ

  • | الخميس, 25 أغسطس, 2022
"أفول الغرب".. عن شيخ الأزهر الذى يقرأ
أحمد الصاوي .. رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر

أكان لا بد أن يقرأ فضيلة الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عن «أفول الغرب»، فيثير بذلك حفيظة أدعياء العلم والتنوير الذين لم يقرأوا فى الصورة غير أنفسهم وعقولهم الغارقة فى السطحية والشكلانية، وتصوراتهم عن «الخناقة» التى فى عقولهم، والتى يستخدمون فيها كل ما يليق وما لا يليق على طريقة الشخصية السينمائية «خالتى فرنسا»؟!

الحقيقة أن اهتمام فضيلة الإمام بالقراءة فى هذا الموضوع يتواكب مع اهتمام كبير لمفكرين وكتَّاب ومراكز أبحاث غربية كبرى، اهتمت طوال العقد الأخير على الأقل، وبكثافة، بصك هذا المصطلح وترويجه رسمياً، حتى بات مَن لا يقرأ تصورات المفكرين والباحثين والفلاسفة عن الأفول أو التراجع الغربى حضارياً هو الرجعى الذى يعيش فى غيبوبته الفكرية، ومَن يقرأ ويتعمق فى هذا الشأن هو التقدمى المواكِب للعالم وما ينتجه من أفكار.

لا أعرف إن كان هؤلاء «أدعياء العلم والتنوير» سبق لهم قراءة كتاب «أفول الغرب» للمفكر المغربى حسن أوريد، واطلعوا على ما يتضمنه من تأملات نقدية فى الواقع الغربى والعربى على السواء، ربما لو أنفقوا قدراً قليلاً من الوقت قبل قذف «بوستاتهم» الانطباعية الساذجة التى لا تليق بمَن يدَّعى الانحياز للعلم والتنوير، لعلموا أن أقل قواعد العلم والتنوير أن نقرأ أولاً. لو فعل هؤلاء ما أقول ربما فتح لهم كتاب حسن أوريد الباب لفهم الاهتمام الغربى وليس العربى بهذه النبوءة، حتى إن «أوريد» لم يكن أول ولن يكون آخر المفكرين الذين تعرضوا لذلك وبالعنوان نفسه.

يكفى أن أقول لك إن «أفول الغرب»، أو Westlessness كان عنواناً رئيسياً فى مؤتمر ميونيخ للأمن فى 2020، ومحوراً رئيسياً فى التقارير البحثية لمؤسسات حلف شمال الأطلسى وسط تساؤلات حقيقية وجادة عن مستقبل الغرب بجناحيه الأوروبى والأمريكى.

وسبق الفيلسوف الألمانى أوسوالد شبانجلر، المغربى حسن أوريد ومؤتمر ميونيخ كذلك فى التعبير عن هذه الرؤية فى كتابه الذى يحمل ذات العنوان decline of the west برؤية جديدة لفلسفة التاريخ، منتقداً الغرور الأوروبى والاعتقاد السائد بأن الحضارة الغربية هى الوريث الوحيد لعصر النهضة. منتهياً إلى أن كل حضارة فى نظره تنقسم تاريخياً لأربعة فصول كفصول السنة؛ ربيع، صيف، خريف، وشتاء، وأن الغرب أصبح فى مرحلة الأفول الذى يسبق الانهيار.

وطبقاً لتحليل عالم الاجتماع دانييل بيل فى كتابه «التناقضات الثقافية للرأسمالية»، فإن المشكلة مع المجتمع الغربى تكمن فى أن نجاحه الاقتصادى يدفع إلى تدمير القيم الجوهرية التى قام عليها، وهو ما يعد نبوءة مبكرة بالأفول الغربى.

ربما كانت معظم هذه المساهمات تتحدث عن أفول الغرب الأوروبى تحديداً، لكن تظهر وبقوة تنظيرات فلاسفة غربيين أمريكيين وكنديين تتحدث عن أفول الغرب الأمريكى تحديداً، على رأسهم الفيلسوف الأمريكى نعوم تشوميسكى، والكندى إريك والبيرج، الذى يُلح فى كتاباته على أننا نحتاج إلى الاستعداد لعالم ما بعد أمريكا. ويقول: «أمريكا ما زالت فى حالة أفول، ولا توجد إمبراطورية تترك المشهد من تلقاء نفسها أو بسرعة. أعتقد أن الولايات المتحدة تذهب إلى الأفول بشكل أسرع الآن. لأن بعض القوى ثارت على تجاوزاتها المروعة للتكنولوجيا وتدمير العالم والبيئة».

وكذلك تنبأ فيلسوف السياسة الأمريكية، زبيجنيو بريجنسكى، بأفول أمريكا كدولةٍ عظمى فى كتابه «أمريكا بين عصرين» الصادر عام 1970.

هذه إذاً قضية حضارية وفلسفية وفكرية وسياسية مهمة وعلى قدر بالغ من الخطورة، وتشغل عقول العالم كله ومراكز أبحاثه وتفكيره، والمختلف أن مساهمة المفكر المغربى حسن أوريد فيها وضعت العالم العربى فى صورة هذا الأفول من حيث تداعيات الانسحاب الغربى على مستقبل العالم العربى، فى ظل بناء النخب السياسية والاقتصادية والثقافية مشروعاتها على التبعية الغربية دون تبنى خيارات مستقلة متماسكة قادرة على أن تفرض نفسها وسط حالة التخبط والفراغ الذى يحدثها وسيحدثها الأفول الغربى، أو تستمر أزمات العالم العربى مجرد انعكاس لما يجرى فى الغرب، أو صدى لمشاكل الغرب.

يمكن اعتبار كتاب حسن أوريد تقدير موقف عربى مبنى على فرضية واضحة المعالم ويتبناها فلاسفة فى الغرب قبل الشرق عن الأفول الغربى، وكيف يمكن أن يستوعب العالم العربى هذا التحول الجارى فى العالم، وهى رؤية سواء اتفقت معها أم لم تتفق لا بد أن تطلع عليها، خصوصاً إن كنت من المهتمين بواقع منطقتك وعالمك.

لم يقرأ شيخ الأزهر إذاً فى قضية هامشية، ولا «كتاب صراعى» يتحدث عن الغرب الكافر والشرق المؤمن، وإنما فى دورة حياة الحضارات وأثرها على العرب، مع العلم أن أفول الغرب لا يعنى أننا سنفقد الطائرة التى نعود بها من سفراتنا ولا قرص الدواء، فمن حصلوا القدر اليسير من التعليم يعلمون أن أفول الحضارات لا يقضى على منجزاتها، فقد أفلت الحضارة اليونانية وبقى منجزها الفلسفى، وأفلت الحضارة العربية الإسلامية وبقى منجزها الذى تأسست عليه علوم الرياضيات والطب والفلك والاجتماع، وحتى فكرة الطيران وكل ما بنت عليه الحضارة الغربية اللاحقة منجزاتها.

لدينا إذاً شيخ للأزهر يقرأ.. والبعض يحاول التعريض به لأنه يقرأ، فيما مَن يدَّعون العلم والتنوير لا يقرأون فقط يدَّعون ويدَّعون ويدَّعون، ويبحثون عن «تريندات» مثل مراهقى التيك توك.

أحمد الصاوى

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg