- حديقة فكرية غناء بأزهار التفسير والحديث والسيرة .. ولا تخلو من عطر الطب والفن والرياضة.
- د. مختار مرزوق: أول كتاب اشتريته بـ"قرشين".. وكنت أسير 3 كيلو مترات لأحصل على مجلة الإسلام.
ـ رحلتى مع القراءة تبدأ بعد صلاة الفجر و"فتح البارى" رفيق دربى.
ـ الحاسوب ينشئ باحثًا لكنه لا يخرج عالما.
- حصلت على"الترغيب والترهيب"من هدايا "صوت الأزهر"
أكد الدكتور مختار مرزوق، عميد كلية أصول الدين والدعوة بأسيوط، أنه يعشق القراءة؛ لأنها تخرج إنسانًا عالمًا بكل شؤون حياته وترفع مكانته فى الدنيا والآخرة، وأن الكتاب يمثل بالنسبة له الروح للجسد.. "صوت الأزهر" تجولت داخل مكتبة الدكتور مرزوق الضخمة، التى وصفها بأنها حصيلة 30 عاما من البحث عن كافة الإصدارات أولا بأول، والتى زخرت بكتب التفسير والحديث والفقه والسيرة والطب والصيدلة والفلك والهندسة وحتى الفن والرياضة.. فى هذا الحوار نتناول حياة عميد أصول الدين مع الكتاب وعلاقته به.
حاوره - أحمد نبيوة
- كيف كانت بداية علاقتك بالكتب؟ وما قصة أول كتاب؟ وكم كان ثمنه؟
علاقتى بالكتاب كعلاقة الروح بالجسد، فكما أن الروح أساس الحياة، فإن الكتاب أساس لغذاء الروح، وقد بدأت اقتناء الكتب فى الصف الثالث الثانوى بمعهد أسيوط الأزهري، حيث بدأت فى هذا الوقت اقتناء مجلة الإسلام، وكانت تباع بقرشين، وكان القرشان لهما قيمة كبيرة، ثم داومت على شراء هذه المجلة لفترة من الزمن، وتابعت جميع الأبحاث التى كانت تكتب فيها، ومن ضمنها تفسير القرآن الكريم للشيخ عبد العزيز النحراوى، وشرح بعض الأحاديث النبوية، ودروس فى الفقه، ثم بدأت أشترى بعض الكتب التى يستوعبها العقل فى هذه المرحلة، والتى كانت تصدرها وزارة الأوقاف، وكانت هناك مجموعة تصدر بعنوان "دراسات الإسلام" وكان ثمن الكتاب فيها 7 قروش، بالإضافة لكتب أخرى ثمنها 5 قروش، وكانت هذه السلسلة تصدر فى منتصف كل شهر عربي، فكنت كل يوم 15 من كل شهر عربى أذهب إلى بائع الكتب الذى كان فى قرية تبعد عن قريتى بثلاثة كيلو مترات، وأسير إليها على الأقدام، حتى استطعت أن أحصل على كل النسخ من هذه السلسلة القيمة، وكان هذا فى فترة السبعينيات، بعد ذلك علمت أن مجمع البحوث الإسلامية، يصدر فى هذا الوقت مجموعة من الكتب اسمها "جمع الجوامع"، حيث اشتريت هذه المجموعة، والتى وصلت إلى 35 مجلدا، ثم حصلت على كتاب الوسيط من مجمع البحوث الإسلامية فى التفسير، وحصلت على 10 مجلدات كاملة، وبعدها اصدر مجمع البحوث فى نهاية عصر الشيخ محمد سيد طنطاوى مجموعة "جمع الجوامع كاملا"، وقد أهدانى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أكرمه الله نسختين: واحدة لى وأخرى للكلية.
مكتبة عامرة
- لماذا اتجهت إلى التخصص فى علم التفسير؟ وما أول كتاب تفسير اقتنيته؟
أول كتاب اقتنيته كان تفسير ابن كثير، وكنت فى الفرقة الأولى بكلية أصول الدين، وكان 10 مجلدات بلغ ثمنها 11.5جنيهًا، والآن أمتلك مكتبة زاخرة عامرة بكتب التفسير الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، ولدى أكثر من 50 كتابا من التفاسير الكبيرة والمشهورة، مثل ابن كثير والألوسى والزمخشرى والرازى والقرطبى والوسيط للإمام الأكبر محمد سيد طنطاوى، وغيرها من الكتب، بالإضافة إلى مئات الكتب الصغيرة فى التفسير.
وفى الحقيقة كان سبب ميلى للتفسير أن التفسير التحليلى هو أساس كل شىء بمعنى أن الإنسان يحتاج التفسير والتحليل لتوضيح أمور حياته، وكان للمنبر دور فى جعلى اميل إلى التفسير، حيث يحتاج كل خطيب أثناء الخطبة أن يلجأ إلى تفسير آية أو شرح حديث، وقمت فى عام 1983 بتفسير سورة يس على المنبر وبعدها سورة النمل التى ظللت فيها عامين ونصف، ثم سورة الحجر، وقد دونت كل هذه الخطب فى دفاترى لأعود إليها مرة أخرى.
- ما أبرز الكتب التى أثرت فى تكوين شخصيتكم العلمية؟
هناك كتب كثيرة على الأقل كتاب أو اثنان من كل تخصص، فمثلا أفضل كتاب أثر فى حياتى فى مجال الحديث النبوي، كتاب فتح البارى فى شرح صحيح البخارى، وهذا الكتاب يشتمل على 28 جزءًا ومقدمة فى جزءين يعنى 30 جزءًا، وهذا الكتاب اشتريته فى فترة أدائى للخدمة العسكرية بالقوات المسلحة، وكان هذا عام 1983، وإلى الآن وأنا استفيد من هذه الموسوعة العلمية الضخمة الكبيرة، ولهذا أحزن حزنا شديدًا عندما يخرج بعض السفلة والسفهة يسبون الإمام ابن حجر العسقلاني، ويسبون الإمامين البخارى ومسلم، فلو أن هؤلاء الجهلاء قرءوا كتب ابن حجر والإمام البخارى، لترحموا عليهما ولتمنُّوا أن يحملوا حذاءهما خدمة لهما؛ لأن الإمام البخارى ظل يجمع فى احاديث النبى الكريم أكثر من نصف قرن، وأتى بعده ابن حجر ليشرح هذه المجلدات قرابة ربع قرن، حتى يصل لنا الدين والسنة المطهرة فى هذه الصورة. أما من ناحية المتون، فالكتب الستة، وفى مقدمتها البخارى ومسلم، بالإضافة إلى كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذرى الذى كانت صوت الأزهر تخرجه فى شكل هدايا قديمًا، وقد حصلت عليه من خلال جريدتكم، وغير ذلك من الكتب، ومن أكثر الكتب التى استفدت منها أيضا كتاب جمع الجوامع للإمام السيوطى، حيث قام جمع من علماء الأزهر بتخريجها تخريجًا صحيحًا، وقد جمعت منها 35 مجلدًا.
فوائد كثيرة
- بعد انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة وامكانية وضع الكتب على الحاسوب.. هل يمكن الاستغناء عن الكتاب الورقى؟
رغم أن الحاسوب أصبح يحمل مئات الكتب وآلاف الصفحات والأبحاث، وبضغطة زر تخرج لك ما تريد، فإن الكتاب الورقى يمثل لى شيئًا كبيرًا، ودائمًا أقول لطلابى: "الكتب على الحاسوب تجعل منك باحثًا ولا تجعل منك عالمًا"، بمعنى أنى لو بحثت عن علم ما يخرج لى الكثيرعن هذا العلم، ويوصلنى للمطلوب فقط، لكن عندما أمسك الكتاب فأنا أقرأ عشرات الموضوعات وأحصل على عشرات المعلومات الهامة أثناء بحثى عن المعلومة التى أريدها، وبالتالى فالكتاب يصنع عالمًا والحاسوب يصنع باحثًا، والقراءة فى الكتاب لها فوائد كثيرة ومنها حفظ الصفحات وشكلها، ويقرأ أكثر مما يريد، ورغم ذلك لا ننكر أهمية الحاسوب والهواتف الذكية حيث يمكننا الاستفادة منها، ولا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال.
- كم تحتوى مكتبة عميد أصول الدين من الكتب، وما التخصصات التى تحويها؟
عندى كتب لا تحصى خاصة الكتب الصغيرة ،وهى حصاد 30 عامًا، ولا يمكن تحدبد رقم معين لعدد الكتب الموجودة بها، أما التخصصات فبها جميع التخصصات الشرعية واللغوية والعلمية وحتى الفن، فهى مكتبة متكاملة وضخمة؛ حيث تحتل ثلاثة أجنحة من المنزل من الأرض إلى السقف، كما أن هناك جناحًا آخر فى الدور الأسفل، كلها مليئة بالكتب.
حياة العلماء
- لكن مع كثرة المشاغل والارتباطات.. أين الوقت الذى تستطيع فيه قراءة كل هذه الكتب؟
فى الحقيقة اقول للشباب الذين يريدون أن يتعلموا وينهلوا من العلم النافع، إن عليهم أن يجعلوا كل أوقاتهم للقراءة، إلا القليل، فأنا وقتى كله للقراءة سوى ساعة أو اثنتين بعد العشاء أقضيها مع الأهل والأصدقاء والرد على تساؤلات الأصدقاء والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك وغيره من كافة بقاع الأرض المتعطشين لسماع توضيح الأزهر الوسطى وعلمائه، ففى المواصلات مثلا من أسيوط إلى القاهرة أستطيع أن أنهى مجلدًا فى تخصص معين، وفى العودة كذلك، وأنا أحرص على التنوع فى القراءة فمرة أقرأ فى التفسير وأخرى فى الحديث وثالثة فى السيرة ورابعة فى علوم الطب والصيدلة والزراعة والهندسة وغيرها من التخصصات، وأحملها فى حقيبتى، فالكثير يعتبر السفر مشقة، لكنى أعتبره الوقت الأطول لدى الذى لا يزعجنى أحد فيه، فأنا أقضى من 7 إلى 8 ساعات ذهابًا ومثلها إيابا وهذا بالنسبة لى كنز من الوقت، ففى الكلية لا أستطيع أن أترك مصالح الطلاب والأساتذة، ولكنى فى الوقت الذى أكون فيه فى البيت، ويكون وكيل الكلية يمارس عمله، أعكف على الكتاب، وأرتب وقتى من أجل القراءة، وإذا أتى عارض أو أمر طارئ أخرج من مكتبتى لأقضيه ثم أعاود مرة أخرى، فالكتاب هو حياة العلماء.
- كيف يسير برنامجكم اليومى مع القراءة؟
برنامجى يبدأ من صلاة الفجر أقرأ وردًا من القرآن الكريم، ثم أنام قليلا، ثم استيقظ فى التاسعة والنصف وأذهب إلى مكتبتى حتى صلاة الظهر، وبعدها أصعد إلى المكتبة مرة أخرى حتى قبيل صلاة العصر بنصف ساعة، وفيها أتعهد الأطفال الصغار والكبار أبنائى وأحفادى، وأبناء إخوتى، وأصدقائى ثم أذهب لصلاة العصر، ثم أغفو قليلا، ثم اصعد لأقرأ مرة أخرى، وأحيانًا يتخلل هذا مداخلات صحفية وإعلامية، ثم الرد على فتاوى الزملاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم قبل النوم بساعتين أتناول كتابى حتى النوم.
- الدكتور مختار مرزوق بارع فى التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي.. كيف ترى أهمية هذه المواقع فى الدعوة إلى الله؟
لى صفحتان على الفيس بوك، صفحة شخصية مكتملة العدد وصفحة عامة بها عشرات الآلاف أتواصل مع أصدقائى ومحبى من دول العالم، وأكتب توضيحات وفتاوى وردودًا على الشبهات، ومناقشات مع طلاب العلم وغير ذلك، فمواقع التواصل الاجتماعى جعلت العالم كله قرية صغيرة، يستطيعون أن يجلسوا على مائدة صغيرة، وهذه آلية جديدة يجب أن يستغلها العلماء وكل أزهرى فى الدفاع عن دين الله عزو جل، وأن يلتزم أبناء الأزهر بالمنهج الوسطى، وأن يقوموا بالدفاع عن قضايا الأمة مع ضرورة الالتزام بآداب طالب العلم، وأن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأنا أعتبر أن كل من يستطيع أن يدافع عن دين الله عزوجل ويتقاعس فهو آثم.