| 05 مايو 2024 م

مديرالمعهد الألماني للعلوم الإسلامية: الانحراف الفكري أخطر من الأخلاقي

  • | الجمعة, 15 أبريل, 2016
مديرالمعهد الألماني للعلوم الإسلامية: الانحراف الفكري أخطر من الأخلاقي

ـ في أوروبا .. النظام والحكومة في خدمة الشعب وليس العكس

ـ يكفي أن يكون اسمك "محمد" لتضيع عليك فرصة عمل

ـ لهذه الأسباب .. تقدم الأوروبيون وتخلف المسلمون

ـ الإسلام يحتاج إلى من يظهر حقيقته لا من يجمل صورته

ـ أكد الشيخ مبارك كونت مدير المعهد الألماني للعلوم الإسلامية بمدينة روسلهايم، وإمام وخطيب مسجد طارق بن زياد بفرانكفورت، أن الجهل بالإسلام وسماحته كشف حقيقة جماعات تدعي الفهم الصحيح للدين وشكلت زعامات لنشر فهمها الخاطئ.. وأضاف كونت لـ"صوت الأزهر" أن الانحراف الفكري أخطر من الانحراف الأخلاقي الذي قد يضعف أمام الشهوات ويدرك حرمة المعاصي ولكن الانحراف الفكري تنقلب به الموازين فيرى الحق باطلًا والباطل حقًا مطلقًا يجب أن يتبع وعلينا التعامل بعقلانية مع الفكر المتشدد ومقارعته الحجة بالحجة لتجنيب الشباب ويلات التشتت والضياع..


بداية.. ما طبيعة عمل معهد العلوم الإسلامية وما سبب تأسيسه؟

المعهد تأسس سنة 2003م ويقوم بتدريس الإسلام لأبناء المسلمين ويسعى لمد جسور بين الثقافة الإسلامية والثقافة الألمانية لعرض الإسلام فى صورته الصحيحة المبنية على قيم الوسطية والاعتدال.
وقد دعانا لتأسيسه أننا نعيش فى مجتمع متعدد الثقافات والأعراق ومفتوح على كل التيارات والمذاهب وبالتالي نسعى من جهة إلى المحافظة على هوية الأجيال المسلمة والصاعدة وجوهر الإسلام ومن جهة أخرى الانفتاح على المجتمع الألماني وننشر الفهم الصحيح للإسلام بعيدًا عن الغلو والتشدد والتطرف.

ـ الغلو والتطرف والإرهاب الذي زادت حدته خلال الفترة السابقة كيف ترى بدايته وأسبابه؟

هناك أسباب عديدة لهذا الغلو والتطرف منها الجهل بالإسلام وسماحته بالاجتهاد من غير استعداد كاف ومن غير معرفة تؤهل لذلك من بعض الشباب أصحاب التدين المتدفق؛ إلا أنه ليس مرشدًا بالمعرفة والعلم فتتكون بعض الزعامات هنا وهناك التي تدعي الفهم المطلق الصحيح للإسلام وتتشكل لها زعامة وتنشر الفهم الذي تراه هذه المجموعة على أنه الفهم الصحيح وهو ما يؤدي إلى التشدد والتطرف بالإضافة إلى أسباب نفسية مثل الأجواء التي يعيشها الشباب المسلم من إقصائه وعزله عن المجتمع، مثلا فى المجتمع الألماني قد تجد المرأة المسلمة المحجبة صعوبة فى الحصول على عمل رغم أنها تمتلك المؤهلات العلمية لذلك العمل، وقد يكفي عند بعض الشركات أن يكون اسم المتقدم لطلب العمل محمد لكي يتم إقصاؤه من البداية وكل هذا وغيره يشعره بالتهميش، ومن جهة أخرى حين يرى ما يحدث فى فلسطين والبلاد العربية من حروب تسيل فيها دماء المسلمين كل هذا يسبب لديه احتقانًا ويعبر عن سخطه ورفضه بتجليات مختلفة منها هذا النوع من التشدد والتطرف وهناك من يعتبر الخطاب الوسطي انبطاحًا وميوعة فلا يشفي غليله إلا فتوى تكفر وتفجر.

كيف نعالج هذه المشاكل كي تعيش الدول فى أمان من هذه التيارات المتشددة؟

بنشر الفهم الصحيح للإسلام بالأساليب المختلفة، وكذلك مراعاة الجوانب النفسية والاجتماعية فى التعامل مع ما يسبب هذا الاحتقان بالأسلوب اللين والرحمة الذين هما صمام الأمن فى التبليغ والدعوة إلى الله وبهذا الخُلق كان المصطفى صلى الله عليه وسلم فى أعلى الدرجات قال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر) وهناك أحاديث صحيحة تدعو إلى الرفق مثل (إن الله يحب الرفق فى الأمر كله)، لأن الأصل فى السلام والأمن والأمان (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فإذا طبق منهج الله تحقق العدل والإحسان ووجدت الطمأنينة.

هناك من يرى أن ما يحدث فى العالم الإسلامي من انهيار أخلاقي وتفشي الجرائم وصولا إلى التشدد ناجم عن غياب العدل الاجتماعي.. ما ردكم؟

بالتأكيد وجود الفوارق الطبقية وشيوع الظلم يغذي هذه المشاعر وهو ليس سببًا وحيدًا، ولكنه من الأسباب فحين يعيش الشاب ليس له عمل وليس له حظ فى حياة كريمة رغم أنه يمتلك كل المقومات المعرفية التي تؤهله لهذا العمل أو ذاك ولم يجد فرصته أو حينما يرى التزوير فى نتائج الانتخابات يتولد لديه نوع من الاحتقان، وقد يعبر عن هذا الاحتقان بالأفكار الخاطئة التي تدعو للتشدد والتطرف والنقمة على الأوضاع التي تحيط به ويريد تغييرها بطريقة أو أخرى؛ فالأصل أن الإسلام دعا إلى المساواة فى الحقوق والواجبات وتقلد المناصب حتى يكون هناك رغبة فى الإنتاج والتطور كذلك يجب مراعاة التساوي في الاستحقاقات؛ إذ من الظلم مساواة العاجز بالمنتج والمبدع بالفاشل والمبتدئ بصاحب الخبرة، وقد أشار القرآن إلى ذلك فى قوله تعالى ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

ظهرت الفتاوى الخاطئة نتيجة الأفكار التكفيرية التي يتبناها بعض المتشددين.. كيف نحد من هذه الفتاوى والأفكار من وجهة نظركم؟

بالتعامل مع الفكر المتشدد بعقلانية من خلال مقارعة الحجة بالحجة وليس بالإجراءات الأمنية؛ لأنها لن تؤدي إلى حلول على المدى البعيد إلا إذا كانت هناك دورات تعنى بنشر الفهم الصحيح ولا بد من النزول إلى واقع الشباب من أجل معاينة أوضاعهم ومعالجة الخطأ فى الفهم والممارسة والتواصل معهم والحرص فى التعامل مع هذه الشريحة بأسلوب جذاب وليس باقصاء؛ لأن الضغط يولد الانفجار فعلينا الاهتمام بالجانب المعرفي والتحصين الفكري لأنه أهم من التحصين الأخلاقي وبدرجة أوضح الانحراف الفكري أخطر من الانحراف الأخلاقي الذي ينتج عن ضعف أمام الشهوات، وحتى والمرء يقع فى هذه المعاصي يدرك أنها حرام، ولكنه ضعيف وحين يتطرق الانحراف إلى الفكر تنقلب الموازين فيرى الإنسان الحق باطلًا والباطل حقًّا ويرى ما يقتنع به هو الحق المطلق الذي يجب على الناس كلهم أن يتبعوه وهذه مهمة كل المعنيين من العلماء والمربين والأئمة والمعلمين فى المساهمة فى نشر الفهم المعتدل ممن يفهمون لغة الشباب ويعرفون أنماطهم فى التفكير ويلجوا إلى مفاتح أفكارهم بهذه الطريقة نستطيع محاربة التشدد والتطرف.

ـ أليس فى العالم رجل رشيد يوقف سيل الدماء في بلاد المسلمين .. أم ترى أن هذا مدبر ومقصود؟

للأسف الشديد إذا ذكرت دماء تسيل فهي دماء المسلمين غالبا وإيقاف هذه الدماء لن يكون برجل يأتي ليضع سائلًا سحريًّا ليوقف هذه الدماء فالمسألة معقدة ومتشابكة ولها جذور عميقة من أكثر من جهة منها، التشدد الذي يقع بين بعض المسلمين وعدم قدرتهم على التعبير عن الاختلاف فى الآراء فى صيغة حضارية وتماسكية إنما اعتمدوا لغة الحوار من خلال البنادق والرشاشات ونسوا حرمة الدم التي تحدث عنها القرآن الكريم والخطير فى الأمر عندما تهتز حرمة النفس البشرية ويصبح إزهاق الأرواح أمرًا بسيطًا ويسيرًا وأصبحنا نعد القتلى والضحايا بعشرات الآلاف رغم ما يجمعنا من قواسم كثيرة وهذا مظهر من مظاهر التخلف ونرى القواسم المختلفة فى الدول الأوربية ولكنها استطاعت أن توجد صيغة للتعايش وأن ترقى وتسمو فوق كل الخلافات.

ـ على الرغم من الاختلافات والفوارق بين دول أوروبا إلا أنهم اتحدوا وتعاونوا.. هل من الممكن استنساخ الاتحاد الأوربي بصيغة إسلامية لاتحاد دولنا؟

الأصل أننا لسنا فى حاجة إلى الاستنساخ بل عندنا من مقومات الشراكة والوحدة أكثر مما عند الغرب، ولكن الفرق الجوهري بيننا وبينهم أنهم حينما أسسوا الاتحاد الأوروبي كان على أسس مشتركة ووجود صيغ للتعامل فيما بينهم وقطعوا كل الأساليب التي يمكن أن تؤدي إلى حروب وفتن وأدركوا من خلال الحروب التي خاضوها أنها لا تأتي إلا بشرّ وأنه لا يستطيع أحد أن يحسم الأمر لصالحه من خلال هذه الحروب وأنها ستظل متكافئة تستنزف الجميع الأمر الذي أدركوا به أهمية الوحدة فهل ندرك نحن ذلك كعرب ومسلمين ونصل إلى هذه القناعة من الوحدة والتعايش ولتختلف آراؤنا فى ظل الوحدة ونرجع إلى تقدمنا ونهضتنا وتكون مؤسساتنا العربية كالجامعة العربية أو اتحاد المنظمات الإسلامية عنوانًا للوحدة ولا تكون عنوانًا وهميًّا.

تعددت أسماء المنظمات الإسلامية ولم نلحظ لها دورًا على أرض الواقع.. كيف ترى عملها؟

لابد من دعم الإرادة السياسية فى بلادنا الإسلامية لعمل هذه المنظمات كما وجدناها فى الاتحاد الأوربي فالكل يريد أن تمشي الأمور كما يريد هو؛ ولذلك نجد الفردية مستحوذة على أفكار وعمل هذه المنظمات وكأنها تعمل فى كوكب منعزل عن الآخر فالكل يجر الأمور ويسوقها لصالحه.

ـ النهضة الإسلامية أشعلت مصابيح النور بأوربا فى عصر الظلام الدامس فتقدموا وتأخرنا.. تُرى ما أسباب ذلك؟

لأنهم أخذوا بالأسباب وبمقومات الرقي والنجاح وظللنا نحن نتحدث عن الأمجاد التاريخية ونقول كنا وكنا ونريح ضميرنا بهذا الحديث وأخذنا بمنطق المصلحة الضيقة الشخصية على حساب المصلحة العامة فتخلفنا فمقومات النجاح التي اتخذها الغرب كالحرية وكرامة الإنسان والديمقراطية والتعايش السلمي والتعددية الثقافية والتعليم والشفافية والانضباط والنظام والدولة فى خدمة الشعب، وليس العكس هذه بعض المقومات التي أعاينها يوميًّا فى ألمانيا وأتمنى حدوثها فى بلادنا الإسلامية والعربية.

ما تأثير الأحداث الأخيرة التي وقعت فى باريس وبروكسل على واقع المسلمين فى أوربا وماذا تفعلون لمقاومة هذه الهجمة من منبركم؟

الإسلام لا يحتاج إلى تجميل أو تحسين صورته بل يحتاج إلى من يظهر حقيقته وسماحته وهو ما نقوم على علاجه من خلال خطبنا ومحاضراتنا ودروسنا ومناقشاتنا مع الآخر، ولكن هذا عمل فردي يجب أن تضطلع به هيئات ومؤسسات ليس فى أوروبا فقط ولكن فى البلاد العربية والإسلامية التي يجب أن تدعم وتؤازر المسلمين فى الغرب؛ فالأحداث الأخيرة ومن قبلها هناك حركة عدائية كصعود اليمين المتطرف سياسيًّا فى عدد من البلدان الأوروبية تؤدي إلى مزيد من التضييق على المسلمين فى حياتهم اليومية بحملات إعلامية ممنهجة فى ربط الإسلام بالعنف والإرهاب صاحبه اعتداءات على بعض المساجد والمؤسسات الإسلامية وكذلك حركة بيجيدا وهي مختصر لعبارة "الأوربيون الوطنيون ضد أسلمة الغرب" ظهرت بمظاهرة في مدينة درسدن فى السنة الماضية وصلت إلى عشرين ألف متظاهر وهذا خلاف واقع المسلمين الذين يرغبون فى العيش فى إطار ما يكفله الدستور ولا يفكرون فى أسلمة أوروبا ولا يستطيعون ذلك إنما يريدون المحافظة على إسلامهم هم.

مصطفى هنداوى

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg