| 03 مايو 2024 م

وكيل دار علوم القاهرة : الفكر الأزهري وأدَ التطرف.. والقضية مسألة وقت

  • | الجمعة, 15 أبريل, 2016
وكيل دار علوم القاهرة : الفكر الأزهري وأدَ التطرف.. والقضية مسألة وقت

مصر لديها إمكانات ضخمة لخدمة الإسلام.. لكننا لم نحسن استغلالها
تصحيح صورة الإسلام لن يحدث بين عشية وضحاها..والمؤتمرات ليست الحل
الدعاوى العنصرية ضد المسلمين لن تتوقف.. وعلينا التعامل معها بوعي

وصف الدكتور محمد قاسم المنسي وكيل كلية دار علوم القاهرة، موقف تقديمه لزيارة فضيلة الإمام الأكبر لجامعة القاهرة التي تمت قبل عدة أشهر، بالتشريف العظيم الذي يفخر به جميع أعضاء هيئة التدريس وطلاب الجامعة لاختيار شيخ الإسلام جامعتهم ليتحدث مع شباب مصر من منبرها، مؤكدًا أن تقديمه للحفل كان بمثابة وسام على صدره بكونه يقدم قيمة وقامة مثل الدكتور الطيب للعالم من منبر العلم جامعة القاهرة،
وشدد وكيل دار علوم القاهرة على أنه شعر أثناء تقديمه للحفل بأن الملائكة تحف مجلس العلم ونزلت على الحضور السكينة؛ وقد ظهر ذلك جليًّا على وجوه الحاضرين بعد انتهاء اللقاء، وأكد المنسي، أن الشباب في أمس الحاجة إلى الحوار, حتى يخرجوا من دوائر الحيرة والقلق إلى دوائر الأمان والاطمئنان والسكينة، واضعًا يده على أسباب انتشار التطرف والعنف وذلك في الحوار التالي..

حاوره – أحمد نبيوة

قام فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهربزيارة جامعة القاهرة قبل عدة أشهر وقمت بتقديم متميز للحفل..هلّا حدثتنا عن انطباعكم عن هذه الزيارة؟
انطباعي عن زيارة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وتقديمي للحوار المفتوح كان بمثابة وسام على صدري وصدر جميع أساتذة وطلاب جامعة القاهرة؛ لأن اختيار فضيلة الإمام الأكبر لجامعة القاهرة؛ لكي يتحدث من منبرها إلى الشباب المصري والشباب المسلم فى كل مكان, يعد شرفًا عظيمًا للجامعة من ناحية وإدراكًا لقيمتها العلمية والحضارية فى العالم الإسلامي، بل والعالم كله من ناحية أخرى, وإذا أردت أن تعرف انطباعي الشخصي عن ذلك اليوم, فإنى أسجل ما شعرت به قبل اللقاء وأثناءه وبعده, فقد عشت حالة من السكينة والهدوء الذي لم أعش مثله قبل ذلك, وأحسست بمدد من السماء عليّ وعلى جميع الحاضرين, وكنت أشعر بأن الملائكة تحيط بالمكان, فمضى كل شيء كان مقدرًا له, وخرج الجميع من اللقاء فى حالة من النشوة والسرور والسعادة, التي كانت بادية على الوجوه وفى تعليقات الحاضرين.

**هل كان الشباب فى حاجة لهذا الحوار خلال المرحلة الحالية؟
نعم الشباب فى حاجة دائمة إلى الحوار وخصوصًا مع رجل وقائد وإمام بحجم فضيلة الإمام الأكبر, الذي جمع فى شخصيته بين فضائل كثيرة قَلّ أن تجتمع فى شخصية واحدة؛ فالعلم والمنصب الرفيع والزهد والحكمة فضائل قد امتزجت ببعضها وشكلت ملامح شخصيته، وعندما يتحدث الإمام إلى الشباب, فهو يتحدث من وراء كل هذه المعاني, لذا تأتي كلماته سهلة ميسورة تدخل إلى العقول والقلوب؛ لأن وراءها خبرة السنين وحصاد العمر وبركة الإخلاص.
وإذا كان الشباب دائمًا فى حاجة إلى الحوار, فإنه فى الوقت الحاضر أشد حاجة, لما يتصف به الواقع المعاصر من تداخل وتشابك وتعقيد يتطلب توسيع دوائر الحوار وآفاقه, حتى يخرج الشباب من دوائر الحيرة والقلق إلى دوائر الأمان والاطمئان والسكينة، والأزهر مطالب اليوم بأن يكون له حضور قوي فى كل الساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, حتى لا يبقى مجال تتسرب منه جماعات العنف الإرهاب, التي تجيد العزف على مواجع الشباب وآلامهم، وهذا الحضور القوي للأزهر هو الذي سيقطع الطريق على هذه الجماعات؛ ولتحقيق ذلك لابد من إعادة النظر فى أمور كثيرة على رأسها مناهج التعليم والآليات المستخدمة.

 **تشترك دار العلوم والأزهر في مهمة واحدة هي الذود عن الإسلام.. ما نقطة البداية في تصحيح صورة الإسلام؟

لا توجد نقطة يمكن أن تعد اليوم نقطة بداية؛ لأن المؤسسات قائمة والمناهج مصفوفة, والقائمين بالتدريس حاضرون, لكن شيئًا ما يعد غائبًا عن هذه المؤسسات، لأن تصحيح صورة الإسلام ليس بالأمر السهل أو الذي يمكن تصور حدوثه بين عشية وضحاها، فإنه يحتاج إلى رؤية استراتيجية وأفق زمني وخطة عملية وإدارة رشيدة، إن مصر لديها إمكانات ضخمة لخدمة الإسلام لكننا لم نحسن استغلالها، ونقطة البداية أن نطرح هذا السؤال.. ماذا نريد وكيف نصل إلى ما نريد؟، والجواب أنه إذا كان الجزء الأول من السؤال يبدو واضحًا, وهو أننا نريد تقديم الإسلام فى صورة نقية خالصة من شوائب الجمعيات والأحزاب والطائفية وما أشبه ذلك من التوجهات الخاصة, فإن الجزء الثاني وهو كيف نصل إلى ما نريد؛ لأنك لو كنت تعمل بمفردك فأنت تستطيع بسهولة الوصول إلى غايتك لكنك تعمل اليوم فى ظروف بالغة الصعوبة، إن الأعداء يحيطون بك من كل جانب، أعداء الدين وأعداء الدنيا وعليك أن تعمل فى هذه الأجواء، وبعبارة واضحة لم يعد أمامنا اليوم لتقديم الإسلام سوى جانب واحد ولكنه فى غاية الأهمية، أتدري ماهو؟ إنه جانب الأخلاق بمفهومها الإنساني الشامل, ودعني أوضح فكرتي أكثر: فعليك أن تقدم نفسك للعالم اليوم بصورة مختلفة, صورة الإنسان الذي يحمل فى يده غصن الزيتون, وليس قنبلة أو حزامًا ناسفًا.

عليك أن تتعاطف مع القضايا الإنسانية؛ فالبيئة وما تتعرض له, والمناطق التي يشيع فيها الجفاف, وعصابات المتاجرة بالبشر, كل هذه آفات وغيرها تستوجب منا أن نتصدى لها ونحشد الجهود والطاقات للقضاء عليها، وعليك أيضًا أن تشيع رائحة الورد لا رائحة الدم، وعليك أن تبحث عن المشترك الإنساني مع شعوب الأرض وهو كثير جدا، وعليك أن تتخاطب مع الجماعات الداعية إلى نشر السلام ونبذ العنف والحروب وتنشئ جسورًا للتعاون معها، وعليك أن تخاطب العالم كله ليس من منطلق أنك تسعى إلى إدخاله فى الإسلام، ولكن من منطلق أنك تسانده فى أن يعيش آمنا مطمئنًا فهو- فى النهاية- جزء من العائلة الإنسانية الكبيرة، إن الأخلاق اليوم هي المدخل الآمن لتصحيح صورة الإسلام سواء أكانت أخلاق البقاء والاستمرار أم أخلاق الريادة والقيادة.

**هل تكفي المؤتمرات التي تعقد من حين لآخر فى مواجهة التطرف؟

بكل تأكيد لا؛ لأن نشر فكر التطرف لم يعتمد على مؤتمرات, وإنما اعتمد على آليات ووسائل بعيدة عن الكاميرا والحضور الإعلامي وفي أفضل الحالات, فإن المؤتمرات عبارة عن مسكنات, لكنها لا تحل محل العلاج الأصلي الذي ينبغي أن يبدأ بعيدًا عن عيون الكاميرات وضجيج الإعلام.

**كيف نحمي المجتمعات من داعش وأخواتها ونسعى إلى وقف سيل الجرائم التي ترتكب باسم الإسلام؟

أنت تسألني كيف نحمي المجتمعات من داعش وأخواتها وأنا أسالك كيف نحمى الجسم من المرض؟، لا شك أن السلاح فى الحالتين واحد هو إكساب الجسم المناعة التي تمكنه من مقاومة الفيروسات والأمراض, والمناعة لا تتحقق إلا بالتغذية الصحية واتباع قواعد السلامة والأمان فى كل ما يتصل بالجسم، كذلك أنت بحاجة إلى إكساب المجتمع مناعة ضد الأفكار الهدامة وهذا يتطلب منك جهدًا متنوعًا, لا يقوم على زيادة الجرعة الدينية فقط وإنما على إعداد المجتمع إعدادًا علميًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا.
عندما تكون فى حرب مع عدو فأنت بحاجة إلى الاحتشاد ليس للقضاء على العدو الذي يحاربك فقط وإنما لإعطاء الجسم فرصة استعادة العافية وأسباب القوة, كذلك المجتمع بحاجة إلى استعادة العافية وإحياء مواطن القوة واستدعائها.
ألا تعلم أن الشعوب تلجأ إلى حيلة (اختراع العدو) حتى تظل قادرة على العمل والتحدي وإثبات الذات ومواجهة المخاطر المحتملة, وأنت لست بحاجة إلى هذه الحيلة فقد جاء العدو إلى بيتك..إن داعش فرصة منحها القدر لنا لكي نفيق من غفلتنا ونستعيد وعينا الذي كدنا أن نفقده, وقوتنا التي أوشكت على النفاد، فهل من الحكمة والعقل أن نضيع الفرصة التي جاءتنا والهدية التي أهديت إلينا؟!

**انتشرت فى الآونة الأخيرة دعاوى عنصرية ضد المسلمين فى الغرب.. برأيكم من المتسبب فى ذلك؟
الدعاوى العنصرية ضد المسلمين فى أمريكا وأوروبا ظهرت كرد فعل للتفكير العنصري من ناحية, والتخويف المستمر من الإسلام والمسلمين من ناحية أخرى, ويتحمل المسلمون- بلا شك- جزءًا من هذه المسئولية؛ لأن الخلافات والصراعات كثيرًا ما تعطي انطباعات غير إيجابية, فالوجود الإسلامي في الغرب لم يسلم من ذات الأمراض التي وجدت عند المسلمين في الشرق، أضف إلى ما سبق أن هناك من يسعى إلى التخلص من الوجود الإسلامي فى بلاد الغرب عمومًا ومن ثم يحملهم كل الأوزار, ويصفهم بكل العيوب والمثالب، إن الدعاوى العنصرية ضد المسلمين لن تتوقف؛ لأنها جزء من الصراع, وعلينا أن نتعامل معها بوعي وحسن تقدير وألا ننجرف وراءها لنخوض معارك وهمية, فمهما اشتدت هذه الدعاوى إلا أنها لن تستطيع إنكار أن الوجود الإسلامي في أمريكا وأوروبا ليس من خارجها فقط وإنما من داخلها كذلك إن الإسلام يأخذ مكانه في هذه المجتمعات؛ لأنه يمتلك قوة تأثير وجذب وهذا لا يسعد كثيرين بطبيعة الحال.

**هل هناك روشتة لخروج الأمة من أزمتها الحالية؟

نعم هناك حلول كثيرة للخروج من الأزمة, لكنها كما قلت تحتاج إلى عنصر الوقت, فمهما كانت خطتك جيدة, وكانت لديك الوسائل والأدوات التي تريد بها تحقيق غايتك وأهدافك, فأنت بحاجة إلى عنصر ليس فى يدك وهو عنصر الزمن, فالزمن- كما قيل- جزء من العلاج والروشتة أو الوصفة تبدأ بتحديد الهدف, والهدف هو معرفة: ماذا نريد بالضبط؟
وفى تصوري أننا بحاجة إلى ما يقرب من 30 إلى 50 مفكرًا يتم إعدادهم بهدوء فى مدة زمنية من خمس إلى عشر سنوات ولا يختارون من الموجودين على الساحة الآن، وإنما يختارون من مرحلة مبكرة فى التعليم ويجري إعدادهم بطريقة مختلفة, بدنيًّا ونفسيًّا وعلميًّا وثقافيًّا, حتى يصبحوا مؤهلين للتحدث باسم الإسلام وتقديم لغة جديدة للخطاب الإسلامي تستشرف آفاق المستقبل وتنقل الفكر الإسلامي من مرحلة التقليد التي طال بها الزمن إلى مرحلة التجديد والإبداع, ومن مرحلة الحزبية والقبلية إلى مرحلة الإنسانية والعالمية.
إن هذه الكتيبة الصغيرة لو أمكن بناؤها وإعدادها ستكون بمثابة القاطرة التي تجر خلفها كافة المؤسسات الدينية والتربوية القائمة فى كافة ربوع العالم الإسلامي، وإذا أردت أن أذكر لك أمثلة لعلماء ومفكرين أحدثوا نقلة نوعية للفكر الإسلامي فى العصر الحديث فنجد الإمام محمد عبده ومحمد مصطفى المراغي ومحمود شلتوت وعبد الرزاق السنهوري ومحمد عبد الله دراز والعقاد ومصطفى صادق الرافعي ومحمد أبو زهرة ومحمد الغزالي وغيرهم.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg