| 13 مايو 2024 م

قاضى القضاة| 2000 قضية تنقيب عن الآثار سنويا .. ودجالون لفك "الرصد الفرعوني"

  • | الأربعاء, 30 مارس, 2016
قاضى القضاة| 2000 قضية تنقيب عن الآثار سنويا .. ودجالون لفك "الرصد الفرعوني"

قاضى القضاة : التنقيب عن الآثار والاتجار فيها بعيدا عن الدولة .. جريمة شرعا وقانونا


هوس التنقيب عن الآثار بحثًا عن الثراء الفاحش، أصبح ظاهرة منتشرة فى كل أرجاء مصر، وهو ما دفع العديد من المواطنين إلى دفع أموال عديدة للدجالين والنصابين، أملاً فى العثور على الآثار، وأصبح البحث عن الكنوز والآثار هدفًا للجميع أملاً فى الثراء، وحلمًا راود الكثيرين، لكن لقى العديد مصرعهم تحت أنقاض الحفر العميقة التى قاموا بحفرها أسفل منازلهم، وكأنها لعنة الفراعنة سقطت عليهم.

رغم تعدد حوادث الاختفاء والموت الغامض لكل من ينقب بالحفر العشوائى تحت المنازل، باحثًا عن كنز من الكنوز الفرعونية المدفونة، فإن معدلات قضايا التنقيب والاتجار فى الآثار كل عام لا تقل، ولآن قضية سرقة الآثار والاتجار فيها من الجرائم شديدة الخطورة، فقد كشفت دراسة بحثية قام بها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية عن أن هناك 25 ألف قضية تنقيب واتجار فى الآثار خلال 12 سنة، بما يعادل 2000 قضية كل عام. وعادة ما يستأجر المنقبون دجالين، يقولون إن لديهم قدرة على «فك الرصد الفرعونى»، أو ما يعتقدون أنه تعاويذ فرعونية تحول دون وصول اللصوص للآثار تحت الأرض. وأحيانا يقع أبرياء ضحايا حيث يغالى الدجالون فى الطلبات، ويزعمون أن فك رصد أثر فرعونى معين يتطلب ذبح طيور ومواشى، وأحيانا معاشرة فتاة جنسيا بجوار الحفر، مثلما حدث فى البحيرة، لتسهيل الوصول إلى الكنز.
قاضى القضاة :
يقول د. عبد الحليم منصور وكيل كلية الشريعة والقانون بالدقهلية: هذه القضية تجسد كثيرا من المفاهيم المغلوطة لدى كثيرين فى العقلية المصرية التى تلهث وراء الثراء السريع على حساب الآخرين، أو المصلحة العامة، أو على حساب الأخلاق، بل وربما الموتى فى بعض الأحيان، وعلى حساب حياة البعض التى تذهب سدى فى أحيان كثيرة، وعلى حساب المصالح العليا للبلاد وتعليقا على ذلك أقول:
أولا: من مخلفات الثورات الأخيرة ونتيجة لضعف هيبة الدولة اتجه كثيرون إلى التنقيب عن الآثار فى شتى ربوع القطر المصرى، فى البيوت، والأماكن العامة، والخاصة، بل وفى الجبانات التى يرقد فيها الموتى، وتنتهك فيها حرماتهم، وفى كل الأماكن التى هى مظنة لوجود آثار فيها، وكان من نتاج ذلك أن أثرى كثيرون بلا سبب مشروع على حساب الدولة، وعلى حساب المصلحة العامة، ولا يزال هذا هدفا وطموحا لكثيرين ممن لا يرغبون فى الكدح والعمل، طلبا للحلال، وإنما يهوون الثراء السريع حتى ولو على حساب الوطن ومقدراته.
ثانيا: إن الآثار المصرية بكل مراحلها وعصورها تمثل تراثا مهما للعالم بأسرة، وتقدم المصريين للعالم بشكل حضارى، يجعل العالم ينظر إلينا رغم ما نحن عليه الآن بكل إكبار وإجلال، ذلك أن جينات المصرى تحوى بين طياتها الحضارة والتقدم فى أبهى مضامينها، ولكنها تحتاج إلى الوسط البيئى الذى يشعلها، ويقدح زناد فكرها نحو العمل والإنجاز لخدمة البشرية، وفضلا عن ذلك كله فإن الآثار المصرية ملك للدولة، أى لجموع المصريين، وليس لآحاد الناس تملكها، كما أن الاتجار فيها يعد مجرما شرعا قانونا، لأن الدول فى العصر الحديث تنص قوانينها على ملكيتها لهذه الآثار أو الثروات التى فى باطن الأرض، كما تنص على تجريم الاتجار فيها، وتضع العقوبات الرادعة لمن يخرج على هذه القوانين.
ثالثا: قد يظن آحاد الناس أن ما يقع تحت أيديهم من هذه الآثار أنه ملك لهم، اعتمادا على أنه من الركاز الذى هو دفن الجاهلية، وأنه لا شيء عليهم طالما أدوا الخمس فيه، ومن ثمَّ فلا حرج عليهم فى البحث والتقيب عنه.
وهذا الزعم فيما يبدو لى خاطئ، لأن الحاكم أو رئيس الدولة فى النظم المعاصرة يبتغيان دائما المصلحة العامة لمجموع المواطنين، ولذلك ينص الفقهاء على أن: " تصرف الحاكم على رعيته منوط بالمصلحة" ومصلحة المجموع فى جعل هذه الآثار ملكا للمجموع، لأنها تمثل تاريخ الأمة، وتعبر عن حضارتها، وهذا وذاك لا يقدر بمال، فضلا عن كونه ملكا للجميع وليس لبعض الأفراد، ويضاف إلى ذلك أيضا أن فتح الباب على مصراعيه فى هذا المجال يؤدى إلى انتشار البطالة، والقعود عن العمل، وقلة العمل والإنتاج، وقلة موارد الدولة، لأن الجميع من الشباب وغيرهم يلهثون وراء البحث عن الآثار أملا فى الوصول إلى الثراء الفاحش، كما أن هذا الأمر يضرر ضررا بالغا بالاقتصاد الوطنى، والمصالح العليا للبلاد، وتضييع هوية المصريين، وبيعها لغيرهم بحفنة من الدولارات.
رابعا: كما أن الاتجار فى الآثار على النحو الوارد فى هذه القضية من شأنه أن يخلق عصابات إجرامية، تسعى وتنقب، طلبا لسرقة الآثار المصرية، وتستغل هذه الجماعات الأموال التى تحصل عليها فى الإضرار بالوطن والمواطنين، وهذا ما يحدث فى الأعم الأغلب، بحيث توجد قوى موازية إلى جوار القوى النظامية فى الدول، تحاربها، وتسعى فى الأرض بالفساد والإفساد، لأنها تملك من الأموال ما تستطيع أن تجند به كثيرين يعملون تحت أجنحتها، وتشترى ذمم الكثيرين من ضعاف النفوس.
خامسا: إن البحث والتنقيب عن الآثار والاتجار فيها يجسد جريمة كبرى سواء من ناحية الشرع، أو القانون وذلك لأن هذه السلوك فيه مخالفة لما طلبه ولى الأمر من جموع المواطنين بعدم المساس بهوية المصريين فيما يتعلق بأمر الآثار المصرية، وأنها ملك للدولة وليس لآحاد الناس البحث عنها أو الاتجار فيها، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء : 59) كما أن الاتجار فى الآثار والتنقيب عنها يؤدى إلى الإضرار بمجموع المواطنين والنبى عليه الصلاة والسلام يقول: "لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام" ويقول: "من ضار ضار الله به ومن شق شق الله عليه " ويقول الحق سبحانه وتعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما عظيما} 
سادسا: إن هذا السلوك الذى يصدر عن بعض الأفراد، أو بعض العصابات، يمثل جريمة فساد وإفساد فى الأرض، قال تعالى :" وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ " (البقرة: 205)
وقال تعالى :" وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " (الأعراف : 56) ومن ثم فمن يخرجون على توجيهات ولى الأمور، ويخالفون أمره، ويعتدون على المصالح العامة طلبا للثراء الفاحش على حساب الغير هو من قبيل الفساد الذى لا يحبه الله، ولا يحب أهله .
سابعا: إن الاعتياد على الاتجار فى الآثار على النحو المشار إليه، يمثل جريمة حرابة بكل المقاييس، ذلك أن هذه العصابات تعتدى على حقوق الوطن، ومجموع المواطنين، وتبيع هوية الوطن، وحضارته مقابل حفنة من الأموال، وهى فى سبيل هذا الطريق لا تكترث بارتكاب أى جريمة تعترضها من قتل، ورشاوى، وزنا، وغير ذلك، فضلا عن مقاومة رجال الأمن والتعدى عليهم، والتعدى على هيبة الدولة، كل هذه الجرائم تمثل جريمة حرابة تستوجب العقوبة المنصوص عليها فى قول الله عز وجل :"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْى فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " (المائدة: 33)
ثامنا: كما سبق أن أشرت أن بعض هؤلاء يعتدى على الموتى وعلى حرماتهم، حيث يقوم بعض هؤلاء المجرمين بالتنقيب عن الآثار فى الجبانات، وهذا يمثل جريمة عظمى فى انتهاك حرمات الموتى، والمساس بهم، والنبى (عليه الصلاة والسلام) جعل المساس بعظم الميت كالمساس بالحى فقال عليه الصلاة والسلام :" كسر عظم الميت ككسره حيا " قال ابن عبد البر: "يستفاد منه ـ أى الحديث السابق ـ أن الميت يتألم بجميع ما يتألم به الحى " وقال ابن حجر تعليقا على هذا الحديث : " ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت فى حياته "
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله: " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير من أن يجلس على قبر " قال ابن القيم : " وبالجملة فاحترام الميت فى قبره بمنزلة احترامه فى داره، التى كان يسكنها فى الدنيا، فإن القبر قد صار داره "
وإذا كان الإسلام يحرم المساس بعظم الميت، أو الاقتراب من قبره بمجرد الجلوس عليه، فما بالنا من ينتهك حرمته على النحو الذى يحدث مع هؤلاء؟!
تاسعا: كثيرا ما يقع قتلى بسبب ما يحدث من حفر وتنقيب، ذلك أن البحث عن الآثار يقتضى عمل حفريات عميقة أسفل الأرض، وربما دخل بعضهم تحت بيت جيرانه، وفى أحيان كثيرة تتهدم هذه الحفريات على من فيها، فيقعون قتلى وضحايا لجشع وطمع بعض المستغلين، وتذهب دماؤهم هدرا، ولا يحاسبهم أحد على هذه الجرائم، ويبدو لى أن هؤلاء الضحايا وقعوا قتلى بسبب من اشتروا ذممهم، ودفعوهم تحت سيف الحاجة إلى مثل هذه الأعمال، فهم مشتركون فى دمائهم، والنبى عليه الصلاة والسلام يقول :" لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ، وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِى دَمِ مُؤْمِنٍ، لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِى النَّار { وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ } e مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِى اللَّهَ تَعَالَى مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى {وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِى قَالَ:(لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) وقال تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)
عاشرا: فى أعمال الحفر والتنقيب عن الآثار يكتنفها كثير من الدجل والسحر والشعوذة، وهى سوق رائجة يروجها بعض الجهلة والدجالين، ليستغفلوا جهل الجاهلين، وضعف الضعفاء للإيقاع بهم فى حبائلهم، واستنزاف أموالهم، بدعوى أن الجن قادر على الوصول لهذه الآثار، ولكن هيهات، فالدجال ينصب حبائله على هؤلاء النصابين، ليستنفد أموالهم، ولينصب عليهم هو الآخر، ولو على قدر على الوصول للآثار لما أخبر أحدا، ولاستطاع الحصول عليها لنفسه، ولكنه الغباء المستحكم فى نفوس كثير من الخلق
حادى عشر : وفضلا عن القتل والدجل، فى سبيل الوصول لهذه الأغراض الخبيثة ترتكب المحرمات وكبرى الذنوب دون اكتراث مثل جريمة الزنا، بجوار الأماكن التى يتم التنقيب فيها، وهو من أكبر الجرائم التى حرم الإسلام مجرد الاقتراب منها فقال تعالى :" وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا " وقال تعالى فى وصف عباد الرحمن :" وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا " وقال عليه الصلاة والسلام :" اجتنبوا السبع الموبقات : ومنها الزنا
ثانى عشر: لا بد من تطبيق مبدأ سيادة القانون على الجميع تحقيقا للردع العام والخاص، حتى لا يقترب أحد من هذه الجرائم، لكن عدم إنفاذ القانون على الجميع يغرى بعض السفهاء على الإقدام على هذه الجرائم، لذا يجب على الدولة تعقب هؤلاء الجناة، وإنزال العقاب الرادع بهم، بل وتطبيق حد الحرابة عليهم إذا لزم الأمر .
ثالث عشر: يجب على الكتاب والعلماء وكل المعنيين بالشأن المصرى ممن لهم يد فى صياغة العقل الجمعى للوطن والواطنين، بيان الآثار الخطيرة لهذا النوع من الأفعال والتجارات، من خلال الكتابة والخطابة، ومن خلال البرامج والأعمال الدرامية، حتى يساهم الجميع فى الحد من هذه الجرائمP حتى نستطيع أن نبنى وطنا، يعنى بكل أنوع التقدم، ونترك لأحفادنا وأبنائنا حضارة يتباهون بها أمام الدنيا كلها، لا تقل عن حضارة قدماء المصريين . وبالله التوفيق.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg