| 24 أكتوبر 2024 م

السفير "زهير مصراوى" .. أحد الخريجين الإندونيسيين من جامعة الأزهر وسفير جمهورية إندونيسيا فى تونس يكتب لـ"صوت الأزهر": الأزهر الشريف همزة الوصل بين إندونيسيا ومصر

  • | الأربعاء, 10 يوليه, 2024
السفير "زهير مصراوى" .. أحد الخريجين الإندونيسيين من جامعة الأزهر وسفير جمهورية إندونيسيا فى تونس يكتب لـ"صوت الأزهر": الأزهر الشريف همزة الوصل بين إندونيسيا ومصر

زيارة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إلى إندونيسيا لها دلالة ورمزية خاصة لتوطيد العلاقة الثنائية بين جمهورية إندونيسيا وجمهورية مصر العربية، وبطبيعة الحال أن الشعب الإندونيسى يستقبل الزيارة بكل اعتزاز وحب وحفاوة عالية لأن فضيلته أصبح أيقونة مهمة للوسطية الإسلامية ونحن نقتدى به، فضلاً عن آلاف خريجى جامعة الأزهر الشريف الذين لهم مناصب ومقامات وأدوار مهمة سواء كانت فى الحكومة والجمعيات الدينية أو المجالات العمومية.

الأزهر الشريف عبارة عن منارة حضارية وقبلة الثقافة الإسلامية المعتدلة ينتمى إليها معظم المسلمين فى إندونيسيا، وما زال آلاف طلبة الإندونيسيين يدرسون فى جامعة الأزهر الشريف ليكونوا علماء ومنذرين للقوم بل قائمين ببناء حضارة إندونيسيا، ومما لا شك أنهم سيكونون سفراء الأزهر الشريف فى شتى أنحاء إندونيسيا، بل كان أحد الرموز الأزهرية رئيساً لجمهورية إندونيسيا وهو الرئيس عبدالرحمن واحد، حيث أعرب فى خطابه المشهور عن الأزهر الشريف: «أنا ما زلت أحفظ الذكريات الجميلة فى جمهورية مصر العربية، حين درست فى الأزهر الشريف، وتلك المرحلة كانت من أروع مراحل حياتى التى تشكل الشخصية المهمة فى مسيرة حياتى، أنا مولود عام ١٩٤٠، وخبرتى الحلوة فى مصر والأزهر الشريف التى تصنع النضج فى حياتى»، وبالتالى الشعب الإندونيسى دائماً فخورون بالأزهر الشريف، وأنا أيضاً كسفير جمهورية إندونيسيا بتونس حالياً فخور بانتمائى للأزهر الشريف قلباً وقالباً.

هذه الزيارة لها معنى خاص للعلاقة الثنائية بين جمهورية إندونيسيا وجمهورية مصر العربية علماً بأن العلاقة الثنائية بين البلدين تاريخية وعريقة ووطيدة بل متميزة لوجود الأزهر الشريف كواسطة متينة لا تنقطع منذ القرن التاسع عشر إلى عصرنا الراهن وأنا على قناعة بمشيئة الله ستكون الصداقة الحميمة بين البلدين وطيدة إلى يوم الميعاد بوسيلة الأزهر الشريف.

فى عام ١٨٥٠، أول طالب إندونيسى درس فى الأزهر الشريف هو عبدالمنان ديفومانكولو من باجيتان جاوى الشرقية، مؤسس المعهد تراماس، وهو أيضاً جد العلامة الشيخ محفوظ تراماس من كبار العلماء قبل استقلال إندونيسيا، ثم سجل التاريخ أن أول طالب إندونيسى الذى حصل على الدرجة العالمية من الأزهر الشريف هو جنان طيب من سومطرا الغربية فى عام ١٨٩١ وأسس الجمعية الخيرية للطلبة الأزهرية الجاوية فى عام ١٩٢٣ واشتهر فى الماضى برواق جاوى وحينئذ أيضاً أنشأ المجلة بسم «صوت الأزهر الشريف» داعماً للحركة الوطنية من أجل استقلال إندونيسيا.

وبعد إعلان سوكارنو ومحمد حتى استقلال إندونيسيا فى عام ١٩٤٥ للطلبة الإندونيسيين فى الأزهر الشريف دور فعال فى دعم جمهورية مصر العربية لاستقلال إندونيسيا فى عام ١٩٤٦ حيث اشتهر لدى جميع الإندونيسيين أن الشعب المصرى أول من اعترف باستقلال جمهورية إندونيسيا.

ونحن كخريجى جامعة الأزهر الشريف دائماً نفتخر بهذا التاريخ الجميل لسببين؛ أن دور طلبة الأزهر الشريف فى الماضى ليس للدراسة والتبحر فى العلوم الإسلامية فحسب، بل أيضاً لدعم استقلال إندونيسيا، وتعلمنا من الأزهر الشريف أن حب الوطن من الإيمان، كما أن للأزهر الشريف دوراً كبيراً فى الوحدة الوطنية بجمهورية مصر العربية، ومما لا ريب فيه أن علماء الأزهر الشريف غرسوا فى قلوبنا حب الوطن، حيث لنا دور فعال فى بناء حضارة إندونيسيا، والأجيال تلو الأجيال ينخرطون فى خدمة الوطن.

أتذكر أيامى الحلوة فى جامعة الأزهر الشريف، شربت المياه العذبة من بحار علوم علمائه وحكمهم فى كلية أصول الدين قسم العقيدة والفلسفة، ومنهم الإمام الأكبر، والدكتور محمود حمدى زقزوق، والدكتور عبدالمعطى البيومى، وغيرهم من الأساتذة العباقرة وكواكب العلماء، كلهم يدرسوننا العلوم والحكم كى نواصل مسارات وخطى العلماء المبجلين المرموقين لبناء الحضارة الإسلامية والحضارة الإنسانية فى أى أرض نطأ فيها، كما نتعلم ونستفيد منهم أهمية الأخلاق الكريمة، منها التواضع والبساطة والحب والرحمة والاحترام والتسامح والتعايش السلمى فى الحياة.

أحسست هذه الأخلاق الكريمة فى اللقاء مع الإمام الأكبر فى جاكرتا عام ٢٠١٦ حين أهديت لفضيلته كتابى عن «الأزهر الشريف: منارة العلم والإصلاح وقبلة العلماء»، وهذا الكتاب ألفته باللغة الإندونيسية تعريفاً بالأزهر الشريف جامعاً وجامعة للشعب الإندونيسى ورأيت فى وجه فضيلته الفرحة، حيث قال لى فضيلته: «أحسنت يا بنى»، وكم أفرح بهذه الكلمة البسيطة لها مذاق ومضمون تربوى عالٍ تعودت بها طوال حياتى فى الأزهر الشريف، ثم لقائى وحديثى مع الأستاذ الدكتور محمود حمدى زقزوق، الله يرحمه رحمة واسعة، بجامعة الشريف هداية الله بجاكرتا له انطباع خاص لأن أفكاره وكتبه ما زالت راسخة فى قلبى وذهنى إلى هذا اليوم.

وعلاوة على ذلك، فإن الزعيم الإندونيسى سوكارنو له علاقة خاصة مع الأزهر الشريف حيث نال الدكتورة الفخرية من الأزهر الشريف فى عام ١٩٦٠ اعترافاً بأفكاره الفلسفية للمبادى الخمسة لجمهورية إندونيسيا المشهورة بالبنشاسيلا؛ وهى الإيمان بالله، والإنسانية، والوحدة الوطنية، والشورى التوافقية، والعدالة الاجتماعية. هذا الاحترام الكبير من الأزهر الشريف للزعيم الإندونيسى عبارة عن عمق العلاقة بين الأزهر الشريف وجمهورية إندونيسيا، كما أن سوكارنو معروف بدعمه الثابت للأزهر الشريف كمنارة للوسطية الإسلامية عبر التاريخ.

فزيارة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إلى جمهورية إندونيسيا بمثابة التذكير للتاريخ لنجعله الطاقة الثمينة لتوطيد العلاقة بين الأزهر الشريف وجمهورية إندونيسيا خاصة، والعلاقة بين جمهورية مصر العربية وجمهورية إندونيسيا عامة.

للإسلام والمسلمين فى إندونيسيا خصوصية وميزة فى ظل التنوع المذهبى والتنوع الدينى وهى الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش السلمى، والإسلام من اللبنات المهمة فى النهضة والتقدم والتنمية، والمسلمون لهم دور فعال فى الاستقلال وبناء الفلسفة والمبادئ الخمسة التى ذكرناها سابقاً، وبالتالى نحن نقدر ونقدم القيم الإنسانية والأخلاق الكريمة فى ترسيخ روح الخدمة والحب والتسامح بين كل الفئات، وبالتالى الوسطية الإسلامية التى دعا إليها الإمام الأكبر فضيلة شيخ الأزهر الشريف عبارة عن القيم والأفكار المهمة فى بناء الوحدة الوطنية الإندونيسية.

والإمام الأكبر له دور ومقام خاص فى العالم الإسلامى بل العالم أجمع، لأنه دائماً يتحدث عن الأخوَّة الإنسانية، خاصة بعد إنجاز الوثيقة التاريخية عن الأخوَّة الإنسانية مع البابا الفاتيكان فرنسيس الأسيزى، لا سيما فى هذه الآونة الأخيرة، خاصة المأساة الإنسانية فى غزة، فنحن فى حاجة إلى صوت الحق لتجسيد الإنسانية بأتم معنى الكلمة.

ومما لا شك فيه أن الإمام الأكبر له رأى ثقيب وجرىء فى الدفاع عن حقوق الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية، وأصر على تحقيق الأخوَّة الإنسانية لا مساومة فيها، وبالتالى ينبغى للغرب أن لا يأخذ القرار بالمعايير الازدواجية، خاصة فى قضية فلسطين، ونحن على ذلك شاهدون بأن الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف من الشخصية المهمة، ونحن فخورون بدوره الإيجابى لترسيخ الأخوَّة الإنسانية.

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
4.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg