| 28 أبريل 2024 م

رئيس قسم العقيدة والفلسفة بأصول الدين: الجهل .. أخطر على الأمة من الاستعمار والصهيونية

  • | الإثنين, 14 مارس, 2016
رئيس قسم العقيدة والفلسفة بأصول الدين: الجهل .. أخطر على الأمة من الاستعمار والصهيونية

رئيس قسم العقيدة والفلسفة بأصول الدين: الجهل .. أخطر على الأمة من الاستعمار والصهيونية

ـ أطماع الغرب ونشر الإباحية سبب التطرف
ـ أتباع بعض المذاهب .. كل فريق بما لديهم "متعصبون"
ـ هذه هي خارطة الطريق لبناء جيل ينهض بالوطن

أكد الدكتور عبد الغني الغريب طه رئيس قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بالزقازيق جامعة الأزهر أن ما يقوم به الأزهر هو واجبه تجاه الله تعالى من خلال تفنيد آراء النخبة المعتدية على ثوابت الدين باسم حرية الإبداع وتعظيم العقل، وتلك المبادئ يتمسكون بها عند وقوع أعمال عنف من جماعات تنتسب زورًا للإسلام ويسقطونها عمدًا في عنف الآخر من خلال المجازر التي تقع ضد المسلمين في بورما وإفريقيا الوسطى وغيرهما، موضحًا أن الدعوة إلى الله تعالى ينبغي أن تنطلق من دعائم فكرية في فقه الاختلاف وهي أن اختلاف العلماء في الفروع ضرورة ورحمة واتفاقهم حجة قاطعة وأن تكون الدعائم الخلقية للدعاة هي التعاون على الخير لا التنافس وصدارة المشهد، كاشفًا عن حاجة الأمة لجيل من الشباب يصنع على أسس صحة الجسد ورجاحة العقل متوازنًا بين المادة والروح، بين صلاح الدنيا وصلاح الآخرة، يحسن فهم الدين وتطبيقه وعرضه على الطرف الآخر..

هناك أسباب لبُعد بعض المسلمين عن سعة الدين واللجوء لضيق المذهب.. نود معرفتها؟
الأسباب ترجع إلى الزعامة وحب الظهور والبحث عن السلطة والوجاهة إلى جانب أن كل زعيم يحسب أن جماعته أو حزبه هو الوحيد على الصواب والجادة؛ فالشيعة مثلًا وضعت أحاديث تقول أن خير الفرق وأبرها هم الشيعة والخوارج وضعوا أيضا أحاديث من هذا المنطلق، وكذلك المرجئة وحتى القاعدة سارت فى هذا الطريق وكذلك الجماعة الإسلامية؛ فالكل يريد أن يجعل من نفسه إمامًا ورئيسًا.
أدب الاختلاف أو فقه الاختلاف بين المسلمين ينبغي أن يقوم على دعائم فكرية وخلقية.. نود التوضيح؟
من الدعائم الفكرية التي يقوم عليها اختلافنا أن الاختلاف فى الفروع ضرورة ورحمة واسعة، واختلاف العلماء رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة والمؤمن الصادق هو من كف لسانه عن أهل القبلة بالتكفير وبالإخراج من الملة، ومعنى ذلك أن كل إنسان توجه إلى القبلة فى صلاته فهو مسلم وينبغى على كل مسلم حينئذ أن يكف لسانه عنه احتياطًا، وحسن الظن به أو أن يعطيه الفرصة كي يعود إلى رشده، أما الدعائم الأخلاقية في فقه الاختلاف أو أدب الاختلاف؛ فهي كثيرة وأولها الإخلاص ويتحقق بعدم طعن داعية في آخر أو قيام تلاميذ شيخ ببناء مجد شيخهم على أنقاض شيخ آخر بعد هدمه والتشكيك فى منهجه؛ فلو أخلص الدعاة إلى الله لتعاونوا على الخير ولم يتنافسوا وينبغي للدعاة أن يتجردوا عن الأهواء التي تؤدي إلى الزعامة وحب التفرد وتصدر مجالس العلم والنصح؛ فالإخلاص وترك الأهواء المنحرفة أحد أكبر أسباب الاتفاق وجمع الكلمة كما ينبغي أن تقوم وحدتنا على مبدأ مهم جدًا هوحسن الظن بالآخرين؛ لأننا الآن كثرت بيننا الاتهامات بالتخوين التي تقود المجتمع إلى قضية خطيرة وهي التكفير.
وكيف يكون فهم الإسلام مجمِّعًا للأمة لا مفرقًا لها شيعًا وأحزابًا؟
تجتمع الأمة على الفهم الصحيح لصحيح الدين من خلال الوسطية؛ لأنها حقيقة الإسلام فالإسلام يجمع بين الدنيا والآخرة.. بين العقل والقلب.. بين المادة والروح.. بين الأخذ بالأسباب والتوكل على رب الأرباب، وإذا أردنا الوحدة بين المؤمنين المسلمين فينبغي أن نبقى في المتفق عليه ونبتعد عن المختلف فيه.
وكيف نصنع للأمة جيلًا من الشباب ينهض بمستقبلها انطلاقًا من مبادئ الدين؟
الأمة فى أمس الحاجة إلى جيل يكون ناهضًا بمستقبلها تتمثل فيه صحة الجسد وطهر النفس ورجاحة العقل يبنى بناء متوازنًا بين المادة والروح.. بين الحاجات والقيم.. بين صلاح الدنيا وصلاح الآخرة.. هذا الجيل يجعل من الإنسان إنسانًا متميزًا يرى ما لا يراه الآخرون ويشعر بما لا يشعرون يتمتع بوعي عميق وإدراك دقيق له قلب كبير وعزم متين وإرادة صلبة هدفه أكبر من حاجاته ورسالته أسمى من رغباته يملك نفسه ولا تملكه، يقود هواه ولا ينقاد له، تحكمه القيم ويحتكم إليها من دون أن يسخرها أو يسخر منها، يحسن فهم هذا الدين العظيم ويحسن تطبيقه ويحسن عرضه على الطرف الآخر.
الغلو فى الدين يتنوع بين الغلو فى الاعتقاد والعمل.. نود التوضيح؟
الغلو له نوعان كبيران: غلو اعتقادي وهو أن الغلاة يعتقدون فيما هو جزء من الدين أنه الدين كله، وغلاة كل فرع من فروع الدين يجعلون هذا الفرع محل الأصل وينظرون إلى من عني ببقية فروع الدين نظرة ازدراء وإشفاق، وقد أشار إلى هذين النوعين من الغلو الإمام الشاطبي - رحمه الله تعالى- فى موافقاته "ولا يخفى أن من كليات الدين الجانب الاعتقادي والجانب السلوكي والجانب النفسي، وحينما تحل كلية من هذه الكليات محل الدين كله فهذا غلو وأي غلو القلب له حاجة والعقل له حاجة والجسم له حاجة " وهناك غلو آخر أن تعتقد أن الإنسان قلب فقط وتغذيه وحده، وغلو ثالث أن تعتقد أن الإنسان جسم يحتاج إلى المتع الحسية؛ فالغرب وقعوا فى غلو المادة ونحن بين غلوين غلو يجعل العقل فوق النص وغلو يجعل النص في خدمة القلب فقط، والصواب أن الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك غذاء العقل العلم وغذاء القلب الحب وغذاء الجسم الطعام والشراب إن لبيت حاجات العقل والقلب والجسم معًا تفوقت وإذا لبيت واحدة تطرفت وفرق كبير بين التفوق والتطرف.
وهناك غلو عملي فحينما يقع الإنسان فريسة وساوسه المتسلطة فيظن أنه بمفرده يستطيع أن يرفع المعاناة عن الأمة كلها بعمل غير مشروع فى منهج الله فهذا غلو وحينما يتجاوز العبد في عبادته الحد الذي شرعه الله فيهمل عمله ويهمل أسرته وبهذا يختل توازنه ولا يحقق الهدف الأمثل من تدينه فهذا غلو.
هل القوة كافية لمكافحة المغالين اعتقادًا وعملًا؟
حينما يعتمد فى مكافحة الغلو على القوة وحدها فهذا الاعتماد ما لم يكن مصحوبًا بدرجة عالية من الاستماع الجيد والفهم الدقيق لرأي المغالي ومراعاة دوافعه ونزعاته وإقناعه بدل قمعه؛ فالقوة فى النهاية لا تصنع الحق، ولكن الحق يصنع القوة والقوة من دون حكمة تدمر صاحبها.
للغلو أسباب من داخل المسلمين نود توضيحها؟
أسباب الغلو الجهل ونحن فى أحاديثنا كعلماء دين نقول دائمًا أعداء المسلمين الاستعمار والصهيونية وهناك عدو أخطر وهو الجهل؛ لأن الجاهل يفعل فى نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به فالمغالي أحيانًا يكون معظمًا للحرمات غيورًا على دين الله فإذا رأى إنسانًا متلبسًا بمعصية لا يتصور أن هذا الشخص مسلم أو أن ذنبه يمكن أن يغفر؛ لذلك يتهمه بالكفر والخروج من الدين، وقد تكون للمغالي حالة أخرى فعندما تقع محبة لرجل صالح فى قلبه وأصل هذه المحبة مشروع فى الدين، ولكن هذه المحبة زادت وطغت بسبب الجهل حتى وصلت إلى درجة الغلو الذي رفع هذا الإنسان فوق منزلته التى أرادها الله له واتهم كل من لم يقره على ذلك بالكفر والفسق وقد يكون الجهل جهلًا بالدليل لعدم معرفته أو لعدم الاطلاع عليه وقد يكون جهلًا بالاستنباط أو جهلًا بقواعد اللغة العربية.
وماذا عن الأسباب عند الآخر غير المسلم؟
من أسباب الغلو أيضًا غلو الطرف الآخر؛ فالعالم الغربي حينما يجر المجتمعات الإسلامية إلى الفساد والإباحية وإلى الانحلال الخلقى وينتهكون الحرمات ويستخفون بالثوابت ويدنسون المقدسات هم في الحقيقة من المتسببين فى حدوث الغلو وإن أعلنوا الحرب عليه.
التقدم والتنوير عند المسلمين متهم من البعض بالتعطيل وحجتهم عدم غربلة التراث الإسلامي الذي يعيق العقل ويصنع سلطانًا دينيًّا..نود التعليق؟
هؤلاء لم يعلموا أن أوروبا لم تخرج من عصور ظلمتها إلا عندما أخذت تراث الحضارة الإسلامية، وأسباب نهضتها ونحن اكتفينا بالبكاء على الأندلس، ولم نعي أن سبب ضياعها المذهبية وحروب الطوائف الناتجة عن التعصب نحن رفضنا مثلًا تراث ابن رشد بدعاوى بعده عن مذهب السلف والحقيقة أن السلف الصالح كانوا أشد الناس انفتاحًا واستيعابًا لكل ما هو نافع عند الآخر وسلمان الفارسي ودوره فى حفر الخندق خير دليل، وكذلك صهيب الرومي وبلال الحبشي، وهذه الأمثلة كانت فى عصر النبوة فالجمود الفكري عند بعض الجماعات بدعوى السير على طريق السلف وعدم استيعابهم لمكونات مجتمع السلف جمد التقدم إلى جانب أن هناك سببًا قويًّا ينبغي أن نظهره بقوة فى تشدد هؤلاء وهو التطرف العلماني بدعوى التنوير والحداثة ومحاولات أصحابه المستميتة والدؤوبة لهدم ثوابت الدين والتشكيك فى تراثه.
ومن المسئول عن صناعة تلك الأزمة للتشكيك فى تاريخ الأمة وتراثها؟
الحقيقة أنها أزمة إعلام موجه بكل تأكيد؛ لأن الإعلام يريد أن يصنع من هؤلاء العلمانيين والحداثيين نخبًا وقادة، والمشهد الآن يخدمهم من خلال التصرفات والأفعال المنافية لصحيح الدين من المتشددين من الجماعات الإسلامية، وللأسف سلعتهم رائجة الآن نظرًا للسيولة السياسية التي حدثت بعد ثورات الربيع العربي فى مجتمعاتنا فغاب أهل التخصص والذكر وتصدَّر المشهد النشطاء والحقوقيون، وأصبح كل شاغلهم البحث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان دونما تقديم حلول لمشاكل المجتمع من بطالة وسوء تعليم وإهمال صحي وتدني مستوى الدخل، والآن نرى من يتهجم على صحيح البخاري وتراث المسلمين ويصرح أن مهمته الأولى هى نسفه؛ فالطبيعى أن وراءه أتباعًا يمولونه ولهم أهداف، وكذلك من ينكر وجود المسجد الأقصى، والسؤال: أليس إنكار المسجد هدر لحقوق المسلمين وكذلك الحجاب، أليس هذا دعوة للتبرج والانحلال؟ فإذا كان هؤلاء المنكرون للحجاب يرون فى طريقة لباسهم حرية وهي من بنات أفكارهم، فلماذا يهاجمون من يتلبس بأوامر دينه؟ أليس هذا إرهابًا فكريًّا؟ وللأسف فإن الإعلام يستضيف هؤلاء على أنهم نخبة وقادة وعندما يستضيف علماء الأزهر نجد مقدمي البرامج يقدمونهم على استحياء، وإذا حدثت مناظرة نجد مقدمي البرامج يبتهجون بآراء هؤلاء ويبدون تململًا من رأى العلماء وإذا قبلوه يقبلونه بشيء من التشكيك.
وكيف يتم مواجهة أفكار تلك النخبة المشككة فى تراث الأمة وهويتها؟
الحل بسيط جدًا وهو أن يقوم الأزهر الشريف بتقوية جهازه الإعلامي حتى يجد علماؤه قناة محايدة تنشر الفكر الصحيح، وخيرًا فعل فضيلة الإمام الأكبر عندما أنشأ مرصد الفتاوى التكفيرية، وهي فكرة جيدة تدعو بكل إيجابية للبناء عليها من خلال تقوية وسائل إعلام متنوعة خاصة بالأزهر تشتمل على كل الوسائل الجديدة فى حقل الإعلام خصوصًا مع الطفرة القوية في وسائل التواصل الاجتماعي.
ولكن الأزهر متهم بأنه يقيم محاكم تفتيش ولا يريد الحرية لحركات الإصلاح ويسجن أصحابها؟
الأزهر ترك الأمر للقضاء وكل ما يقوم به هو واجبه تجاه الله تعالى من خلال تفنيد آراء هؤلاء المتهجمين على الثوابت، والأزهر لا يقيم محاكم تفتيش لأحد وإنما يحتكم إلى القضاء الذي يستند فى أحكامه لدستور وافق عليه الشعب، أليس هذا الدستور هو استفتاء لرأي الشعب فلماذا يريد هؤلاء النخبة التنصل من مواده وحذف مادة ازدراء الأديان؟ ولماذا هم يتهجمون على الإسلام بهذا الشكل ولا يوجهون نقدهم وإبداعاتهم لباقي الأديان؟ والسؤال: هل يجرؤ أحد منهم على ازدراء اليهودية أو أي دين آخر؟! ولماذا يهاجمون الإسلام ويتهمونه بالعنف؟ وينسون ذبح المسلمين فى إفريقيا الوسطى وبورما مع رفضنا الكامل من خلال مبادئ شريعتنا لأفعال العنف والإرهاب من الجماعات الإسلامية، هؤلاء النخبة إن كانوا متسقين مع إنسانيتهم كما يدعون، فعليهم ألا يفرقوا بين مسلم يذبح فى بلاد المسلمين على أيدي مدعي الإسلام، والآخر الذي يذبح في بورما وإفريقيا الوسطى وغيرهما..هذه هي الإنسانية وقيمها لا تتجزأ.

عاصم شرف الدين

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
.5

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg