| 06 مايو 2024 م

أطفال سوريا.. يهربون من نيران الحرب إلى جحيم الغربة

  • | الأربعاء, 9 مارس, 2016
أطفال سوريا.. يهربون من نيران الحرب إلى جحيم الغربة



.. صورة الطفل إيلان كردى الذى مات غرقا إثر انقلاب قارب كان يقله مع أفراد من أسرته إلى جزيرة "كوس" اليونانية ، هزت ضمير العالم لأسابيع، ثم طويت صفحتها.



يهربون من الموت إلى الموت. هذا هو حال أطفال اللاجئين السوريينالذين يصلون إلى أوروبا هربًا من جحيم داعش ليقابلهم جحيم آخر بارد كالزمهرير يعانون فيه من البرد والأمراض؛ هذا إن نجوا من عصابات المافيا التى تنتظرهم.ويبدو أننا نعيش فى عالم يتعاطف وقتاً مع الكوارث الإنسانية، ثم ما يلبث أن ينساها تماماً مع مرور الوقت. إن صورة الطفل إيلان كردى الذى كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات ومات غرقا إثر انقلاب قارب كان يقله مع أفراد من أسرته إلى جزيرة "كوس" اليونانيةقد هزت ضمير العالملأسابيع، ثم طويت صفحتها سريعاً.
يعيش مئات الآلاف من السوريين النازحين من لظى داعش ومن يحاربونها مأساة اللجوء، ولكن من يلقى النصيب الأكبر من العذاب هم الأطفال والنساء. فقد ذكرت دراسة لمجموعة أكسفورد البحثيةأنه منذ بداية الحرب فى سوريا توفى 11,460 قاصرا، 70%منهم جراء البراميل المتفجرة. وقد لفت هذا التقرير الأخير النظر إلى أزمة أخرى لا تقل سوءًا عن الأزمة التى يعيشها من بقى فى أراضى النزاع، كما أثارت نفس المشكلة تقارير صادرة عن مؤسسة Savethechildren(أنقذوا الأطفال) وعن اليونيسيف حول أوضاع الأطفال على الحدود بين مقدونيا وصربيا.
ولتصور مأساة الأطفال اللاجئين فى العالم، يجب علينا أن نعلم أن المفوضية الأوروبية لشئون اللاجئينقد أعلنت أن 1,1 مليون لاجئ من أصل 2,2 مليون هم من الأطفال، أى أن نصف اللاجئين فى العالم قصر وأطفال، ذهبوا إلى بلاد اللجوء مصحوبين بذويهم أو بدونهم.
وفى بلاد البلقان يصل اللاجئون بأطفالهم إلى مقدونيا بهدف العبور إلى أراضى أوروبا الغربية. وقد صرحتمنسقة اليونيسيف لشئون اللاجئين مارى بيير بواريير أن نسبة الأطفال بين اللاجئين على حدود مقدونيا واليونان وصلت إلى طفل بين كل ثلاثة مهاجرين، بينما كانت هذه النسبة قبلها بأربعة أشهر فحسب طفلاً واحدًا من بين كل عشرة مهاجرين. ويستلزم هذا العدد المتضاعف من الأطفال عناية أكبر من بلاد اللجوء وهو ما لا يحدث، فبعد النجاة من الغرق فى المياه الإقليمية الأوروبية وبعد رمى جميع أمتعتهم فى المياه لتخفيف الأحمال يصل هؤلاء الأطفال منهكين ومرضى، دون ملابس أو طعام كاف يقيهم برد شتاء أوروبا الذى وصل الشهر الماضى إلى 13 درجة مئوية تحت الصفر على الحدود الصربية. وقد أعلنت مؤسسة " save the children" أن "الوضع بائس للغاية"فى اليونان ومنطقة البلقان، وخاصة على الحدود بينصربيا ومقدونيا، وهى منطقة مغطاة بالثلوج،وأن الأطفال يعانون خطر انخفاض حرارة الجسم والتجمد، وحتى الالتهاب الرئوى وأمراض أخرى ترجع للبرد وسوء التغذية وبسبب نومهم فى الشوارع خارج الملاجئ الدافئةالتى تلفظهم. وقد ازداد الأمر سوءا لدرجةأن بعض اللاجئين يفكرون فى العودة إلى سوريا حيث كانوا يُقتلون،هربًا من هذا البرد القارس الذى لم يعانوه قط من قبل هناك.أما اليونيسيف فقد أعلنت أن الأطفال يصلون مرهقين جسديا، ومرعوبين وأحيانا بحاجة إلى رعاية طبية.
وعلى الحدود اليونانية، التى تعد إحدى الجهات المفضلة لدخول اللاجئين إلى أوروبا، والتى تصل درجات الحرارة فيها كذلكإلى عشرين درجة تحت الصفر يعانى الأطفال من الأمراض الصدرية وأمراض انخفاض الحرارة، والتى أدت إلى وفاة طفل فى الخامسة من عمره بعد إنقاذه من مركب لاجئين غارق على حدود البلاد.
ولنا أن نتخيل حال أطفال بعضهم لم يصل لسن المدرسة وبعضهم لا يزال رضيعا يرتدون ملابس خفيفة يركبون بها البحر ويخرجون بها مبللة ليمشى منهم من يستطيع المشى عشرات الكيلومترات على الأقدام للوصول لأقرب نقطة عبور إلى دول لا يدرون هل ستستقبلهم أم ستمنع مواطنيها ومؤسساتها المدنية من تقديم المساعدات لهم. ولا يخفى على أحد مشروعقرار مجلس وزراء الاتحاد الأوروبى الذى نشرته منظمة الحريات والحقوق المدنية فى أوروبا "Statewatch " والذى سيجرم المساعدات الفردية أو المؤسسية التى تخرج دون تصريح رسمي.
أما عن مشكلة اختفاء الأطفال، فقد أثارها ما نشرته جرائد بريطانية نقلا عن صحيفة الأوبزرفر بعد لقائها قائد جهاز الشرطة فى الاتحاد الأوروبي، بريان دونالد، والذى صرح فيه باختفاء أكثر من 10,000 طفل لاجئ بعد تسجيل بياناتهم لدى السلطات الأوروبية. ووفق تصريحات دونالد فإن 5,000 من هؤلاء الأطفال قد فقدوا فى إيطاليا وحدها، فى حين بلغ عدد المختفين فى السويد حوالى ألف طفل ممن دخلوا البلاد عبر ميناء تريلبرج.
هذا، ويرفض بعض الأطفال تسجيل أنفسهم كقُصر حيث يريدون أن يتم التعامل معهم كبالغين من حيث توفير أعمال لهم، حيث أن العمل هو أحد أهم الأسباب التى يهرب بسببها الأطفال من مخيمات اللاجئين، وذلك لتسديد آلاف اليوروهات للمهربين الذين أدخلوهم إلى أوروبا، وذلك بحسب كارلوتا سامى مسئولة المفوضية الأوروبية لشئون اللاجئين فى إيطاليا. كما كانت نفس المسئولة قد صرحت منذ أكتوبر الماضى أن الأطفال المختفين يُستعبدون جنسيا.
والمؤسف أن أجهزة الشرطة فى تلك الدول لا تقوم بواجبها الإنسانى لحماية هؤلاء الأطفال الذين يطلبون اللجوء إليها، مما يساعد عصابات المافيا فى تنفيذ عمليات الاختطاف بحرّية، حيث ينقلونهم نظير مبالغ مادية باهظة ويقدمون لهم الطعام بثلاثة أضعاف ثمنه.
وهناك آلاف الأطفال اللاجئين يمتهنون صناعة النسيج فى تركياكعمل مؤقت ينتقلون بعده إلى دول أوروبية أخرى، ولكن عصابات المافيا التى تتواجد على حدود المجر وألمانيا وإيطاليا والسويد لممارسة نشاطاتها الإجرامية ترى فى هؤلاء الأطفال هدفاً سهلاً، حيث يمثلون مخاطرة بسيطة ومصدراً للكسب السريع. وتجبر هذه العصابات الفتيات القاصرات على ممارسة أعمال الدعارة والفتيان على المشاركة فى الأنشطة المشبوهة كتجارة المخدرات والبشر.
أما تلك المنازل التى تؤوى هؤلاء الأطفال فتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية، ففى مدينة جوتمبرج السويدية عُثر على 18 طفلاً يعيشون فى منزل لا يوجد به حمام أو تدفئة وينامون على أرضية المنزل حيث تصل درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر. وعلى الرغم من ذلك فعند إيداعهم الملاجئيهربون من قسوة المعاملة.
لاشك أن أزمة أطفال سوريا فى أوروبا تكمن فى غياب الضمير الإنساني. إن هؤلاء الذين وضعتهم الحياة بين مطرقة الحرب وسندان الضياع فى بلاد الغرب، التى أولتهم حكوماتها ظهرها ولم تكترث لجوعهم واستغلال طفولتهم، بل تركتهم يواجهون الموت والبرد والتشرد وعصابات المافيا، مغلقة أبوابها دونهم إلا فى حالات استثنائية، يطرقون كل الأبواب للبحث عن ملاذ مما يقاسونه من ويلات، فهلّا استيقظ ضمير العالم ليفتح لهم باب أمل جديد فى الحياة، أم أنهم أيضاً سُلبوا حق الحياة؟
وحدة رصد اللغة الإسبانية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg