| 07 مايو 2024 م

رئيس التحرير يكتب: هذا الرجل ..تمنيته معنا!

  • | الأحد, 6 مارس, 2016
رئيس التحرير يكتب: هذا الرجل ..تمنيته معنا!

تمضي الأيام بطيئة، تدوس أحلامنا المتعبة من اللهاث وراء مجد أمة كانت لا تغرب عنها شمس الحضارة والعزة .. ومع كل انكسار لحلم، أو رؤية أحد " الأغبياء" متصدرا المشهد؛ أعود إلى هناك حيث الشيخ محمد الغزالي؛ ليغسلني من واقع مرير، ويعيدني لهؤلاء الذين كانوا لا يخشون في الحق لومة لائم


ـ تمنيت أن يكون غزالي الأحياء معنا هذه الأيام التي تلتحف فيها أمة العرب حسرة من المحيط للخليج، تمنيته حاضرا المشهد الكابوسي الذي يجثم على صدر سوريا والعراق واليمن وليبيا , و، و .. حبل واوات طويل، يشنق آمال أجيالنا القادمين مع الصباح، ويفتت أوطانهم لدويلات، ويطعم أطفال الفرنجة خبز الرفاهية والتقدم، بينما يموت أبناؤنا جوعا على شواطئ خلافاتنا التي يشعل نيرانها بنو صهيون بذكاء شديد .
ـ تمنيت الغزالي معنا؛ لنسمع رأيه فيمن صنع داعش وأطلقها علينا، ومن يمول تصوير مشاهدها المرعبة، بل من يخرجها هذا الإخراج "الهوليودي"، ونحن نصدق، ونصفق، لنُذبح في النهاية بسكين "غبائنا " !

ـ تمنيت أن أسمع صوته من على منبر جامع عمرو بن العاص الذي كان يخطب فيه الجمعة، فيزلزل بـ "قذائف الحق" أركان الطغاة والظالمين والفاسدين .

ـ تمنيت أن يكون بيننا الآن صاحب "معركة المصحف"، و"هموم داعية"؛ ليقصف أقلاما مسمومة، ويقطع بالحجة والمنطق ألسنة تجرأت على الإمام البخاري، وأزهرنا الشريف

ـ تمنيت ومازلت أتمنى أن يعود فينا "ألف غزالي"؛ فقد عرفت الشيخ الغزالي عملاقا في إيمانه، لا ينحني إلا لله، عرفته لا يكتب إلا وهو مسبغ على نفسه آثار الوضوء، كأنما يريد أن يكون "مع الله" فجاءت كتاباته كلها لله .. عرفته في حله وترحاله، في كتبه وخطبه ومحاضراته، حاملا أوجاع الأمة الإسلامية، تؤلمه صرخة طفل في البوسنة ويكسو الحزن نبراته عندما يشكو تقزّم المسلمين في زمن لا يعرف إلا لغة التقدم ولا يسمع إلا للأقوياء .
عرفت الشيخ الغزالي مفكرا ذا بصيرة، وخطيبا مفوها تميز بطلاوة الحديث وحسن العرض وسلامة العبارة وقوة المقدمات التي تسلمك إلى نتائج تحل في صميم الفؤاد، فقد كان أسلوب الرجل في الدعوة هو العمل لخدمة الإسلام بالفكر والإقناع في وضح النهار .
وقد تعودت وأنا أتصفح كتابا ما أن أضع خطوطا تحت بعض الأفكار التي أراها جديرة بالتوقف عندها، لكني كنت أضع قلمي جانبا عندما أقرأ كتابا للشيخ الغزالي؛ فمن المحال أن أضع خطوطا تحت كل سطور الكتاب؛ فالشيخ الغزالي كان يدعو على بصيرة فجاءت كتبه تحارب الجمود والتخلف وتدوس على الأفكار البالية والتطرف، فكأني مازلت أسمعه يقول : "إنني لا أطيق التزمت، ولو تكلفته ما أحسنته، وأحب أن أسترسل مع سجيتي في أخذ الأمور وتركها وقلما أكترث للتقاليد الموضوعة والمفروض أن اللازمة الأولى في رجال الدين ــ كما يسمون ــ أنهم أهل توقر وسكون وأنا أجنح إلى المرح عن رغبة عميقة وأتلمس الجوانب الضاحكة في كل شيء وأود أن أعيش لو استطعت هاشا باشا، والمفروض أن الناس يتوقعون من أمثالنا تواصل الأحزان وإطراق الكآبة وحتى يكون تذكيره بالآخرة وإنذاره العصاة بالنار متفقا مع مخايل الجد والعبوس التي لا تفارق وجهه أبدا! ثم إني شعبي في تصرفي، لو كنت "ملكا" لأبيت إلا الانتظام في سلك الأخوة المطلقة مع الجماهير الدنيا، أخدمهم ويخدمونني على السواء ".

وفي هذا الشهر تمر الذكرى العشرون على وفاة شيخنا الغزالي، فقد لقي ربه في 9 من مارس 1996م، ودُفِن بالبقيع في المدينة المنورة، وهو المكان الذي طالما تمنى أن يدفن فيه .. وقد كان. 
عطر الكلام: "لقد صرت إلى ما خطه القدر لي، أي رجلا من الدعاة إلى الله، وهمزة وصل بين الأرض والسماء" .. الشيخ الغزالي .
سالم الحافي 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg