| 27 أبريل 2024 م

التَّنوير بالتَّزوير ... نقدٌ للحقائقِ القمنيّة ( 2 )

  • | الأحد, 21 فبراير, 2016
التَّنوير بالتَّزوير ... نقدٌ للحقائقِ القمنيّة ( 2 )



.. ويرى د . القمنى ..." أنه لا سبيل سوى أن نتحرك نحن لنرتب ما بأيدينا ( من قرآن ) وفهمه ( بعد إعادة ترتيب آياته وسوره ) وفق ظرفنا الآني ".

التَّنوير بالتَّزوير ... نقدٌ للحقائقِ القمنيّة ( 2 )

بقلم
د/ محمد مبارك البندارى
ombareko@yahoo.com

لقد حاول د . سيد القمنى أن ينقدَ بعض المصادر التاريخيّة التي تؤرّخ لجمع المصحف ، ليطعن في القرآنِ كبعض المستشرقين ، وكمدخل للنقد عند العلمانيين يذكرون أنه لا سلطان للعلماء على النَّاس – وهذا صحيح - ، بيد أنهم يسمونهم بـــ " رجال الدين " وهى تسمية غير سديدة ، وقد تجاوز د . القمنى كلّ ذلك وأسماهم بــ " المتفيقهين من أهل شئون التقديس المستفيدين من الدّين في مواقعه الاجتماعية " ، ويزعم أنهم يستخدمون القرآن وربّ القرآن ، ويستنبطون من القرآن شهادات للشرعية السياسيّة المتقلبة من النقيضِ إلى النقيضِ " ، بالطبع قد يصدق كلامه على حال بعض الجماعاتِ التي تريد الحكم باسم الدّين ، أما المؤسسة الأكّاديمية فإنَّ مناهجها الدينية ، وفكرها الوسطى ثابت في كتبها ، ومصنفات علماءها .
وقد وصف د . القمنى هذا الهراء الذى سنرد عليه بـــ " الحقائق " ، وحكم على من سيقبلها بـــ " المسلم العارف " و " المسلم المؤمن " ، وبالطبع وصف من يفنّد هذا الهراء ولا يقبله ، ومن ستزعجه هذه " الحقائق القمنيّة " – على سبيل التهكم – بالذى : " يستخدم الإسلام وسيلة للكسب والمناصب والوجاهة والقرب من السّلطان " .
وزعم أنّ الذى أعطاهم هذه الفرصة " طريقة جمع المصحف التي اتبعتها اللجنة التي شكّلها الخليفة عثمان بن عفان- رضى الله عنه - برئاسة الصحابيّ الشابّ زيد بن ثابت – رضى الله عنه - ، وقد أخذ الدكتور القمنى على هذه اللجنة أنّها : " لم تراع الترتيب الزمنى للآيات والأحداث ، ولم تجمع الآيات – مثلًا – حسب الموضوع كجمع الآيات القانونية معًا ، والعباديَّة معًا ، والتسبيحيَّة معًا ، والإرشاديَّة معًا ، وإنما – أي اللجنة – اتَّبعت أسلُوبًا يبدأ بأطول السور ويتدرج حتى ينتهى بأقصرها ، ، علمًا بأن قصار السور كانت هي الأولى زمنًا ، فنجد سورة مدنية تعقبها مكيّة تعقبها مدنيّة ، وتتضمن السورة الواحدة خلطًا بين ما هو مكىّ وما هو مدنىّ ، وإذا المنسوخ يتلو الناسخ ، وآيات تبحث في مواضيع لا رابط بينها ، مما كان سببًا للتخبّط وسوء الفهم عند المسلم العاديّ ، ووسيلة للانتهازية بسوء النية عند القائمين على شئون التقديس في بلادنا( بالطبع يقصد الأزهر وعلماءه ) ، الذين يعلمون يقينًا أنَّ ترتيب السور والآيات كان من عملِ البشر ولا يتمتَّع بأيَّة قدسيّة ، ولم تذكر كتب السّير أنّ الوحى نزل على زيد بن ثابت ولجنته ليرتّبوها ( أي الآيات والسور ) على شكلها الحاليّ ، وهكذا ظل الحال دون أيّ محاولة لإعادة النظر واتباع طريقة علميّة في ترتيب المصحف عن قصدٍ مبيَّت ، وتم إكساب الشكل قدسيّة المضمون مع إغلاقه بالضَّبّة ووضع المفتاح بيد فقهاءِ السلطان " .
وبالطبع يقصد بعلماء السلطان علماء الأمَّة الذين تخرجوا في الأزهر الشريف ، وطالب الدكتور القمنى علماء الإسلام قاطبة برفع أيديهم عن الإسلام ، ويتركوا المسلم يتعامل مع القرآن عن طريق نزوله ، وفهمه هو ، وبالطبع استخدم مصطلحًا غير عربيّ ، يُستخدم عند غير المسلمين ، فقال : " على المسلم المؤمن قبول القرآن – ليس كما في المصحف وإنَّما – كما كان في تاريخيته ، تلك التاريخية التى يرفضها الإكليروس ليظلّ دينًا خارج الزمان والمكان ، وخشية الاعتراف بتطوره مع المتغيّرات ( ... ) مما قد يؤدّى إلى إنكار المصدر الإلهيّ للقرآن ، كما لو كانوا أحفظَ عليه من الله ، إضافة إلى الحرص التقليديّ العجيب على مبدأ صلاحيّة القرآن لكلّ زمانٍ ومكانٍ ، وهى التى تعنى عندهم تثبيته وتحنيطه ، وإجبارِ الواقع المتغيّر على الاتفاق مع القرآنِ وهو ثابت " .
ثم يقول : وقد وضح لكل ذي عقل أن الواقع يجهر بانتهاء هذه الصلاحيّة بهذا المفهوم على يد رجال الدين – هكذا يسميهم – ، لعدم تحركها مع الزمن ( ... والتى ) تعلم الناس الكذب بالدين وللدين " .
ويرى د . القمنى ..." أنه لا سبيل سوى أن نتحرك نحن لنرتب ما بأيدينا ( من قرآن ) وفهمه ( بعد إعادة ترتيب آياته وسوره ) وفق ظرفنا الآني " .
ونستطيع أن نقرر ونحن مطمئنون أنَّ أقلّ ما توصف به لغة الكاتب أنّها غير علميّة ، رغم أنّ ما قاله د . القمنى هو ترديد صدى لما قاله بعضُ المستشرقين ، فهذه الاتّهامات ، ومحاولة رفع القدسيّة عن النّص القرآنيّ تعود إلى أصولٍ استشراقيّة ، قصد أصحابها بما قالوه التَّشكيك في إلهيّة النصّ القرآنيّ ذاته ، وهذا ليس بالغريب منهم كفلاسفة وكتّاب يهود أو مسيحيين ، وإنّما الغريب أن يردد ذلك د . القمنى المسلم المصريّ ، دون مراعاة لمنهجيّة البحث على الأقل في خصوصيّة الأديان .
وقبل أنْ نردّ على هذا الاتّهام ونذكر مذاهب العلماء في ترتيب سور القرآن 114 سورة حسب وضعها الحاليّ ، نوضح أنَّ زيد بن ثابت – رضى الله عنه - الذى أسند إليه الخليفة عثمان بن عفان – رضى الله عنه - رئاسة اللجنة التى قامت بنسخ المصحف الذى جمع في عهد الصّديق أبى بكر- رضى الله عنه -وكان عند السيدة حفصة – رضى الله عنها وعن أبيها - عدة نسخ ( قيل 6 نسخ ، نسخة لأهل المدينة ، وأخرى لمكة ، وثالثة للشام ، ورابعة للبصرة ، وخامسة للكوفة ، واحتفظ لنفسه بالمصحف الإمام )، كان من كتّاب الوحى ، وشهد العرضة الأخيرة للقرآن ، وعلم ترتيب السور من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليس من المعقول أن يُحدث زيد من تلقاء نفسه ترتيبًا للسور غير ما تلقاه من رسول الله ؛ لأنّ ذلك لم يكن من عادتهم فلا بدّ أن يكون ترتيبه للسور قد تلقاه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا هو الجمع الثانى ، ففكرة جمع القرآن في مصحف واحد لسيدنا عمر بن الخطاب بعد حروب الردة ، واستشهاد كثير من الحفظة ، وكان الجمع الأول – كما ذكرنا - في عهد أبى بكر الصديق ، ورئاسة اللجنة – أيضًا - لزيد بن ثابت – رضى الله عنهم جميعًا - .
وقد قال الخرَّاز ت 718 هـــ في منظومة " مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن "عن هذا الجمع :
جَمعَهُ في الصُّحف الصِّديق ... كما أشار عُمر الفاروقُ
وذاك حين قَتلوا مسيلمة .... وانقلبتْ جيوشه منهزمهْ
وبعده جرّدَه الإمام .. في مصحف ليقتدي الأنَامُ
ولا يكونُ بعدَه اضطراب ... وكان فيما قد رأى صوابُ
وأما تفصيل القول في ترتيب السور على ما هى عليه الآن فقضيّة علميّة معروفة ، اختلف العلماء في الإجابة على هذا السؤال : هل ترتيب السور على ما عليه الآن توقيفيّ كترتيب الآيات ، أو هو من عمل الصحابة واجتهادهم ؟
وأشهر الآراء في ذلك ثلاثة مذاهب نذكرها باختصار في المقال القادم مع نقد علمى لما تضمنته كتابات د . القمنى حول القرآن الكريم .
طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
1.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg