| 15 يونيو 2025 م

خلال ملتقيى «رؤية معاصرة» و«السيرة النبوية».. الجامع الأزهر يناقش الحلول الفقهية بمذهب أبوحنيفة والجوانب الأخلاقية فى سيرة النبى

  • | الثلاثاء, 27 مايو, 2025
خلال ملتقيى «رؤية معاصرة» و«السيرة النبوية».. الجامع الأزهر يناقش الحلول الفقهية بمذهب أبوحنيفة والجوانب الأخلاقية فى سيرة النبى


 

د. محمد صلاح: الإمام أبوحنيفة استشرف المستقبل ووضع حلولاً لمسائل مستقبلية

د. حسين مجاهد: كتب الفقهاء الكبار مليئة بالنصوص التى تُبيِّن مكانة المرأة وإعلاء شأنها

د. السيد بلاط: حسن معاملة النبى للأسرى أثمر عن دخول الكثير فى الإسلام

د. محمود الصاوى: الأخلاق ركن أصيل فى العقيدة الإسلامية والإسلام يرسى السلم

عقد الجامع الأزهر حلقة جديدة من الملتقى الفقهى التاسع عشر بعنوان «رؤية معاصرة»، تحت عنوان «الإمام أبوحنيفة وقضايا الأحوال الشخصية»، برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وتوجيهات الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر الشريف، حيث شارك فى الملتقى كل من الدكتور محمد صلاح، رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، والدكتور حسين مجاهد، الأستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن بالكلية ذاتها، وأداره الشيخ على حبيب الله، الباحث بالجامع الأزهر.

وقال الدكتور محمد صلاح حلمى إنّ الإمام أبا حنيفة النعمان، رحمه الله، اشتهر بلقب «الإمام الأعظم»، ويُدرَّس علمه وفقهه فى الأزهر الشريف، ويلجأ العلماء إلى مذهبه فى كثير من المسائل التى تعترضهم فيها الشدة أو تضيق فيها الخيارات، لما فى فقهه من سَعَةٍ ورحابةٍ وتيسير، مضيفاً أنّ الإمام أبا حنيفة كان مفكراً لزمانه، ولم يقف عطاؤه عند حدود عصره، بل استشرف المستقبل وسعى لحلّ مشكلاتٍ قد تطرأ فى أزمنة لاحقة، وهى سمة عظيمة من سمات فقهاء الأمة الذين لا يحصرون تفكيرهم فى المكان والزمان، بل يوسّعون نظرهم للبشرية جمعاء، موضحاً أن من أبرز ما عُرف به مذهب الإمام أبى حنيفة أنّه يُعنى بإيجاد الحلول الفقهية للمسائل الافتراضية، وهو ما سمّاه بعض النقّاد بـ«الفقه الفرضى»، فى محاولة للنيل من هذا المنهج، لكنه فى حقيقته علامة على عظمة اجتهاد الإمام وعمق رؤيته، إذ إنّه لم يكتفِ بحلّ مشكلات عصره، بل نظر بعين المجتهد المُبصر إلى الأجيال القادمة، وطرح حلولاً لمسائل لم تقع فى زمانه، لكنّها ظهرت فى أزمنتنا، فوجد الناس فى مذهبه مخارج فقهية معتبرة، وسبلاً لتيسير شئون حياتهم، خاصة فى قضايا الأحوال الشخصية، مشيراً إلى أن من سمات المذهب الحنفى أيضاً سعيه الدائم لتيسير حياة الناس ورفع الحرج عنهم، وهو ما جعله يُجيز استخدام الحِيَل المشروعة، التى يُراد بها الخروج من الضيق والشدّة، لا التحايل على الدين أو إسقاط التكاليف، مؤكداً أنّ العلماء فرّقوا بين الحِيَل المذمومة التى يُراد بها إسقاط الأحكام، وبين الحِيَل المحمودة التى يُقصد بها رفع الضرر عن الناس وتيسير أمورهم، مبيناً أنّ هذه المخارج الفقهية المنضبطة تُعدّ من رحمات هذا الدين، ومما يدلّ على مرونته وصلاحيته لكل زمان ومكان.

وسطية الأزهر

من جانبه، قال الدكتور حسين مجاهد إنّ الوسطية التى تميّز بها منهج الأزهر لا تعنى التسيُّب، بل اعتدالٌ حقيقيٌّ تتجلى بوضوح فى تدريس المذاهب الفقهية الأربعة، مشيراً إلى أنّه تعلّم فى رحاب هذا الصرح العريق أن من قلّد عالماً لقى الله سالماً، وأنّ رأيى صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأٌ يحتمل الصواب، مضيفاً أنّ من أبرز ما نهله من الأزهر رفضُ التشدد والتنطع والتشبّث بالرأى، واحترامُ الرأى الآخر وإن خالف، وهو خُلق توارثه العلماء عن الأئمة الأربعة، مشيراً إلى أن من أبرز السمات التى علّمها الأزهر لطلابه احترام العلماء بعضهم لبعض، وأن الأئمة الكبار كانوا لا يتقصدون مخالفة بعضهم، بل كانوا إذا اجتهدوا أبدعوا، وإذا اختلفوا تأدبوا، وأنّ هذه الروح العلمية هى ما تربّى عليه الأزهريون فى هذا الصحن العريق، لافتاً إلى ما يثار عن حقوق المرأة بأن الشخصية المصرية بطبعها تحترم المرأة وتُجلّها، منذ فجر التاريخ، وأنّ الإسلام جاء مؤكّداً لهذه الحقيقة، مستدلّاً بقول الله تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى»، وقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»، مشيراً إلى أن كتب الفقهاء الكبار مليئةٌ بالنصوص التى تُبيِّن مكانة المرأة وإعلاء شأنها، لكنّ بعض المستشرقين ومن تأثر بهم يُخرجون اجتهادات فقهية كانت تناسب عصورها ليُظهروا بها الفقه الإسلامى على غير وجهه، وكأنّه جامد لا يصلح لعصرنا، موضحاً أن من القواعد الكبرى فى الفقه أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، واختتم حديثه بالتأكيد على أنّ التراث الفقهى بحرٌ زاخر لا يليق أن يخوضه إلا الغوّاص الماهر، قائلاً: «فى تراثنا الفقهى قراءةٌ تقدمية سبَق فقهاؤُنا بها عصورهم».

اجتهادات الفقيه

وفى ختام الملتقى، أكّد الشيخ على حبيب الله، الباحث بالجامع الأزهر، والذى أدار فعاليات اللقاء، أنّ موضوع الملتقى يُعالج قضية غاية فى الأهمية، وهو الربط بين فكر الإمام أبى حنيفة النعمان ومسائل الأحوال الشخصية، مشيراً إلى أنّ الناظر فى مذهب الإمام الجليل يدرك أنه يُعدّ مذهب أهل الرأى، لما امتاز به من سعة اجتهاد وبُعد نظر، موضحاً أن كثيراً من المسائل لا يجد فيها الفقيه مخرجاً فقهياً يُواكب واقع الناس إلا فى اجتهادات الإمام أبى حنيفة، وهو ما يفسّر اعتماد قانون الأحوال الشخصية فى كثير من مواده على مذهبه، والرجوع إليه فى مسائل متجددة تمسّ حاجات الناس اليومية، مما يدلّ على عمق فقه هذا الإمام ورسوخ مدرسته فى خدمة المجتمعات الإسلامية.

السيرة النبوية

فى سياق آخر، نظّم الجامع الأزهر الشريف حلقة جديدة من ملتقى «السيرة النبوية» تحت عنوان: «الجوانب الأخلاقية فى السيرة النبوية.. غزوة بدر نموذجاً»، بحضور الدكتور السيد بلاط، الأستاذ المتفرغ ورئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية الأسبق بكلية اللغة العربية، والدكتور محمود الصاوى، الوكيل السابق لكليتى الدعوة والإعلام، فيما أدار الحوار الدكتور علاء عرابى، الإذاعى بإذاعة القرآن الكريم.

واستعرض الدكتور السيد بلاط، خلال اللقاء. أبرز الملامح الأخلاقية التى اتسمت بها تعاملات النبى، صلى الله عليه وسلم، فى غزوة بدر، لا سيما مع الأسرى والقتلى من المشركين، موضحاً أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أمر بدفن قتلى قريش فى بئر مُعدّة لذلك، ثم وقف عليهم مُظهراً أعلى درجات الإنسانية والرحمة، تجسيداً لقوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ»، مشيراً إلى وصية النبى، صلى الله عليه وسلم، للصحابة بحُسن معاملة الأسرى بقوله: «استوصوا بالأسارى خيراً»، ما أثمر عن إسلام عددٍ كبيرٍ منهم لاحقاً، موضحاً أن النبى، صلى الله عليه وسلم، منع قتل بعض المشركين فى الغزوة تقديراً لمواقفهم الإنسانية السابقة، مثل أبى البخترى بن هشام الذى دافع عن الرسول فى مكة، وسعى لنقض صحيفة المقاطعة ضد بنى هاشم. من جهته، أكد الدكتور محمود الصاوى أن الأخلاق ركنٌ أصيل فى العقيدة الإسلامية، داعياً المؤسسات المعنية إلى ترسيخ هذه القيم فى نفوس المسلمين لنهضة المجتمعات، لافتاً إلى أن الإسلام يُؤْثِر السلم ويَرفض الحرب إلا لدرء العدوان، مستذكراً سنوات الدعوة المكية التى تحمل فيها النبى، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الأذى دُونَ ردٍّ عنيف.

أحمد نبيوة

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2025 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg