| 01 نوفمبر 2024 م

أخبار

وكيل الأزهر الشريف.. يكتب: الاحتفال بميلاد الأنبياء

  • | الخميس, 4 يناير, 2018
وكيل الأزهر الشريف.. يكتب: الاحتفال بميلاد الأنبياء
د. عباس شومان .. وكيل الأزهر الشريف

اعتاد المسلمون الاحتفال بميلاد رسولنا الأكرم، واعتاد الإخوة المسيحيون شركاء الوطن وجزء نسيجه الاحتفال بميلاد سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، واعتاد كثير من المسلمين الاحتفال بأعياد الميلاد من غير إدراك كثير منهم لارتباط المناسبة بميلاد المسيح عليه السلام، وإنما هى عندهم لنهاية عام ميلادى وبداية آخر، واعتاد فريق آخر إثارة حكم هذه الاحتفالات جميعاً كل عام، وهؤلاء تفرقوا فرقاً، فبعضهم يجيز الاحتفال بميلاد الأنبياء عموماً، وبعضهم يمنعه ويحرمه، وبعضهم يجيز للمسلمين الاحتفال بميلاد سيد الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - فى حين يمنع مشاركة المسيحيين الاحتفال بأعياد الميلاد، بل يحرم تهنئتهم بهذه المناسبة. وفى مقالة سابقة بينت حكم تهنئة شركاء الوطن بعيدهم، وهو الجواز، وليس أوضح برهاناً على ذلك مما اعتاده شيخ الأزهر من تهنئة المسيحيين بأعيادهم وذهابه لتهنئة بابا الكنيسة المصرية فى مقر الكاتدرائية وبرفقته قيادات الأزهر جميعاً.

ونقر ابتداء أن ما يثار من لغط وجدال عقيم كل عام فى هذا الشأن ما هو إلا مسلك خاطئ ومضيعة للوقت بلا طائل فى وقت تحدق بأبناء الوطن جميعاً المخاطر من كل جانب، ففضلاً عن التراجع الأخلاقى والقيمى، والضعف الاقتصادى والتردى التعليمى والصحى الذى لا تخطئه عين ولا يخفى على ذى لُب؛ هناك التطرف والإرهاب الذى يحصد أرواح الأبرياء مسلمين ومسيحيين ويهدد استقرارهم ويزعزع أمنهم ويبدد مقدرات وطنهم، بل إنه يدمر دولاً كاملة فى مسعى لإفقاد العرب قوتهم وعزتهم وإضعاف لُحمة مجتمعاتهم ووحدة نسيجهم الوطنى، ولم يعد يخفى على أحد تربص أعداء الأمة بنا، فهم يصلون الليل بالنهار تخطيطاً وتدبيراً للإجهاز على ما بقى متماسكاً من دولنا من خلال إشعال الفتن وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعِرقية، وعلى رأس أجنداتهم مصرنا الحبيبة وجيشها العظيم ونسيجها الوطنى المتين.

ولعل هذا الاستغراق والانشغال بهذه الجزئيات الفرعية التى لن تُحسم، هو جزء من مخطط كبير رسمه أعداء الأمة ولم ينسوا وضع دور فاعل لنا فيه حتى نُشغل عنهم، بل ونعينهم علينا بضعفنا ووقوعنا فى شَرَك التلهية الذى نصبوه لنا، فلو كنا فطناء حقاً لما درنا فى هذه الحلقات المفرغة مهما اختلفت وجهات نظرنا حولها، فما على غير المقتنع بجواز الاحتفال بميلاد الأنبياء قاطبة إلا ترك الأمر برمته وعدم الانشغال باحتفال الآخرين، فلم يقل أحد إن الاحتفال بميلاد نبى ما فرض من فرائض الدين حتى يخشى الناس من فواته ومن ثم وقوعهم فى دائرة الإثم، وما على غير المجيزين احتفال المسلمين بميلاد المسيح عليه السلام ولا تهنئة المسيحيين به إلا الانغماس فى أعمالهم وشئون حياتهم وترك الأمرين معاً، فلم يصدر أحد قانوناً بسجن غير المحتفل بميلاد الأنبياء أو تارك تهنئة المسيحيين بأعيادهم.

ولو أن المنشغلين ببيان الحكم الشرعى فى أمر الاحتفال بميلاد الأنبياء والتهنئة بهذه المناسبات كانوا من العلماء حقاً، لما حاروا كل هذه الحيرة وما أصدروا أحكاماً ما أنزل الله بها من سلطان فى هذا السياق، فالاحتفال بميلاد رسولنا - صلى الله عليه وسلم - هو رأى السواد الأعظم من المسلمين، وأدلتهم على ذلك كثيرة، منها اعتزازه باليوم الذى وُلد فيه، وقد كان من بين الأيام التى يصوم فيها، ففى صحيح مسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: «فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ». وتحريم بعض المسلمين احتفال شركاء الوطن بميلاد المسيح عليه السلام لا وجه له ولا حق لنا نحن المسلمين فيه، فهو تزيد وتدخل فى شئونهم التى أمرنا شرعنا الحنيف بعدم التدخل فيها وتركهم وما يعتقدون، فضلاً عن أننا كما لا نقبل منهم التدخل فى ما نعتقده فى ديننا، يجب علينا أن نكف عن التدخل فى شئونهم كمسيحيين.

ولعل النقطة الباقية، وهى احتفال المسلمين بميلاد المسيح عليه السلام أو ما يعرف برأس السنة الميلادية، هى أبرز النقاط فى هذا السياق وربما يظن بعض الناس أنها أعقدها، مع أن الأمر فيها لا يختلف عن سابقاتها، فقد سبق القول إنه لم يفرض علينا الاحتفال بميلاد رسولنا الكريم ولا بميلاد المسيح عليهما الصلاة والسلام، ولذا فلا شىء على التارك، ولكن ليس له أن يمنع الفاعل أو يحرم عليه فعله؛ لأن المنع والتحريم لا يكون إلا بدليل قطعى الدلالة، ولا وجود لهذا الدليل بين نصوص شريعتنا السمحة، بل إن المدقق لا يعدم أدلة على الجواز، ولعل منها قول ربنا: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ»، فنحن ونبينا أحق بإبراهيم أبى الأنبياء، وقد أمرنا ربنا باتباع جميع الأنبياء والمرسلين فقال تعالى: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ». وقد يقول بعض المتعالمين إن إثبات أولويتنا بالأنبياء لا يعنى جواز الاحتفال بميلادهم، ودعواهم هذه مردودة بما رواه البخارى فى صحيحه: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْماً، يَعْنِى عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْراً لِلَّهِ، فَقَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ»، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. أليس هذا من الاحتفال بنبى الله موسى عليه السلام؟! وإذا جاز الاحتفال بنبى قوم هم أشد الناس لنا عداوةً بنص كتاب الله - بعيداً عن سيدنا موسى بطبيعة الحال - فاحتفالنا برسول قوم هم أقرب الناس لنا مودةً أولى، يقول عز وجل: «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ».

ولو أردنا استقصاء أدلة جواز احتفال المسلمين بميلاد عيسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام، لطال بنا المقام، ولكن الأهم فى هذا السياق هو كيفية الاحتفال وليس حكمه، وهو ما ينبغى أن يتحدث الناس فيه، فكثير من احتفالات الناس مخالفة لقواعد شرعنا، فالاحتفال برأس السنة أو ميلاد عيسى عليه السلام لا يكون بسهرات صاخبة وارتكاب الموبقات التى حرمتها المسيحية قبل الإسلام، واحتفالنا بميلاد سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - لا يكون بشراء بعض الحلوى وتوزيعها على الأهل والأقارب، ولا أقصد بطبيعة الحال تحريم الحلوى بيعاً وشراء فى هذه المناسبة، ولكن أقصد الاكتفاء بها كمظهر للاحتفال، فالاحتفال بميلاد نبى من الأنبياء يكون بإحياء سنته، ونشر سيرته، والتأسى ببعض صفاته وأخلاقه، وتطبيق شريعته واتباع تعاليمه التى جاء بها، ولا شك أننا لو فعلنا ذلك أو بعضاً منه فى كل مناسبة للاحتفال فسوف ينصلح كثير من خلل مجتمعاتنا. وكل عام وشركاء الوطن جميعاً بخير وسلام ووئام.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
3.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg