| 01 مايو 2025 م

كلام يهمنا

الشيخ مصطفى إسماعيل.. قرأ القرآن بـ"الأقصى" فى ذكرى الإسراء والمعراج

وقفات فى ذكرى وفاة واحد من أبرز بُناة دولة التلاوة المصرية

  • | الجمعة, 27 ديسمبر, 2024
الشيخ مصطفى إسماعيل.. قرأ القرآن بـ"الأقصى" فى ذكرى الإسراء والمعراج

فى السادس والعشرين من ديسمبر 1987 غيَّب الموت القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل بعد مسيرة حافلة فى تلاوة القرآن الكريم. ويعتبر "إسماعيل" واحداً من أبرز بناة دولة التلاوة المصرية وصُناع مجدها.

تميز الراحل منذ صغره بأداء فذٍّ فى تلاوة كتاب الله عز وجل، وبراعة منقطعة النظير فى التنقل بين أنغامها وألوانها، وحُسن تعبير عن معانى آياتها وكلماتها بصوته وأدائه، ووقفه وابتدائه، وتمكنه فى تجويد القرآن الكريم وقراءاته.

ولد "إسماعيل" فى 17 يونيو عام 1905 بقرية ميت غزال، مركز السنطة، محافظة الغربية، وأتمَّ حفظ القرآن الكريم فى كُتَّاب القرية قبل أن يتجاوز الثانية عشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الأحمدى فى طنطا؛ ليتلقَّى علوم التجويد والقراءات. بدأ يذهب للمسجد الأحمدى، وكان يذهب لصلاة الجمعة مبكراً ويجلس فى أحد أركان المسجد ويتلو القرآن وبدأ المصلون يستمعون له ويعجبون بصوته ويتجمعون حوله كل جمعة.

وذاعت شهرة الشيخ فى محافظته والمحافظات المجاورة لها فى بداياته، ثم انتقل إلى القاهرة، فزادت شهرته، وازدانت بصوته محافلها ومناسباتها.

وفى محفل تغيب عنه الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى لظروف طارئة كان لحسن تلاوة الشيخ مصطفى إسماعيل بالغ الأثر فى تعرُّف جمهور جديد عليه، وذيوع صيته، وتعلق قلوب مُستمعى القرآن الكريم بصوته الشجى العذب.

وبعد سماع الملك فاروق تلاوته وإعجابه بها أمر بتعيينه قارئاً لقصر مصر الملكى، رغم عدم اعتماد إذاعة القرآن الكريم له فى ذلك الوقت.

وفى عام 1945 انطلق صوت الشيخ "إسماعيل" صادحاً بآيات الكتاب العزيز عبر موجات إذاعة القرآن الكريم، وتعلقت بصوته الآذان والقلوب، وطارت شهرته فى آفاق مصر والعالم.

وقد جاب الشيخ كثيراً من دول العالم قارئاً لآيات القرآن الكريم، ومُحيياً ليالى رمضان، وسط احتفاء وتقدير كبيرين على المستويين الشعبى والرسمى فى شتى الدول التى زارها، والتى من بينها دولة فلسطين، التى قرأ بحرمها القدسى الشريف «المسجد الأقصى» تلاوته المشهورة فى ذكرى الإسراء والمعراج عام 1960، كما حصل على العديد من الأوسمة داخل مصر وخارجها.

زار الشيخ "إسماعيل" أكثر من 25 دولة، فسافر إلى أمريكا وألمانيا وكندا ودول أفريقيا وماليزيا، وكان يفضل الذهاب إلى لبنان باستمرار لإحياء حفلات القرآن الكريم، وكانت تربطه علاقات وطيدة بالوزراء اللبنانيين، وحصل على وسام الأرز، كما حصل على العديد من الأوسمة والنياشين من الرؤساء والملوك.

 

الصدفة الجميلة

أحد أعيان طنطا ويدعى حسين بك القصبى توفى، وكان عضواً فى البرلمان عن مركز طنطا، وزوار من جميع المحافظات حضروا للتعزية، وكل المقرئين فى مصر ذهبوا، وكان مصطفى إسماعيل يجلس فى المنزل فجاء له أحد الأشخاص يطلبه للحضور والقراءة فى العزاء، فقال له مصطفى إسماعيل: "هذا مأتم كبير وأنا خايف".

لكنه ذهب وجلس على دكة بها مشايخ وظن الحاضرون أنه طالب صغير يدرس جاء وجلس معهم، ولكنه ذهب إلى دكة المقرئين وجلس عليها، فأحد المقرئين الكبار حينها، وهو الشيخ شفيق، عنفه وقال له: «إنت عيل صغير.. هى لعبة عيال؟.. انزل»، فتسبب هذا الكلام فى إحراج مصطفى إسماعيل؛ إلا أن المحامى الذى جاء به إلى المأتم وكان محامياً مشهوراً تدخل وقال للشيخ شفيق إن مصطفى إسماعيل مدعو للمأتم، فطلب منه الشيخ شفيق أن يقرأ، فقرأ مصطفى إسماعيل، وأعجب الشيخ شفيق بصوته للغاية وأشاد به.

الأجر الأول

أول أجر تقاضاه "إسماعيل" كان 15 قرشاً وكان فى ليلة من ليالى القرية قبل أن يذهب للمعهد الأحمدى، وأخذها وأعطاها لوالدته، فطلبت منه أن تظل تلك الأموال معه فرد عليها قائلاً: «هعمل بيهم إيه، خليهم معاكم كل ما أنزل طنطا أعطينى 5 صاغ»، كان يركب لطنطا ويركب بقرش ويعود بقرش، ثم يأكل بـ3 قروش، ويتفسح ويذهب للمسجد الأحمدى يصلى ويزور المتنزهات هناك.

عندما اشتهر صيته بعد مأتم حسين القصبى بدأ يقرأ فى كل مكان، لدرجة أنه كان فى دمياط يقرأ هناك، تزوج فى دمياط عام 1931، حيث ذهب لدمياط فى 1930 وقرأ فى حفل نظمه حزب الوفد فى ذكرى سعد زغلول، والشيخ محمد عمر الذى أصبح حماه فيما بعد وكان صاحب مدارس وكان أزهرياً أعجب به للغاية، وأخذه معه فى المنزل وعزمه على الطعام وظل ليلة كاملة فى منزله ورأى مصطفى إسماعيل صورة ابنة الشيخ محمد عمر معلقة فى حائط المنزل وعرف أنها ابنته، ولم يمر سوى عدة أشهر حتى وجد ابن الشيخ محمد عمر يكلمه ويقول له: والدى مات، وذهب وقرأ فى المأتم مجاناً وقال إنه سيأتى فى الأربعين، وجاء فى الأربعين وخطب ابنة الشيخ محمد عمر وتزوجها، ظل يقرأ فى الوجه البحرى من الإسكندرية ثم الصعيد ولم يكن يقرأ فى القاهرة حينها وكان يرفض، كان يقول إن القاهرة يوجد بها كبار القراء مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالفتاح الشعشاعى والشيخ محمد سلامة.

كان على علاقة جيدة بفؤاد باشا سراج الدين الذى كان ينظم سهرات فى منزله فى دوار القرية الخاصة به، وكان يقرأ الشيخ مصطفى إسماعيل فيها لمدة 6 سنوات، وباشاوات الوجه البحرى كانوا يحضرون المآتم ويعرفون الشيخ "إسماعيل"، فعندما خرج صوته فى الراديو انبهر الناس، وبدأ أهالى القاهرة يطلبونه.

الخاصة الملكية

جاء له تليفون أن مراد باشا محسن، رئيس الخاصة الملكية، يريد مقابلته، فذهب له "إسماعيل"، فقال له: ماذا تفعل فى طنطا؟ إن صوتك مميز للغاية.

وكان الملك عام 1944 قام بتنظيم سهرات رمضان لأول مرة، كان يقرأ فيها عدد من المشايخ بينهم الشيخ أبوالعينين شعيشع، وبعدها بسنة طلب مراد باشا محسن من مصطفى إسماعيل أن يحضر ليقرأ فى الذكرى الخاصة بالملك فؤاد التى ينظمها الملك فاروق لوالده، وذهب ليقرأ بالذكرى التى حضرها الملك فاروق والأمراء والباشاوات وكبار رجال الدولة والإذاعة نقلتها، فسمعوه وقالوا لا بد أن يقرأ فى رمضان.

وفاء كبير

الشيخ مصطفى إسماعيل كانت لديه درجة وفاء كبيرة، وعندما تحدث معه مراد باشا محسن عن أن يقرأ فى سهرات الملك فاروق، طلب منه أن يستأذن من فؤاد سراج الدين حتى لا يكون قد تركه بدون سبب، فتواصل معه مراد باشا محسن وقال له إن الملك فاروق يريد مصطفى إسماعيل يقرأ فى سهرات الملك ولكن الشيخ مصطفى رافض لأنه يحضر سهراتك، فرد عليه فؤاد سراج الدين وقال له: «يا خبر.. عندما يقرأ الشيخ مصطفى فى السرايا فكأنه قرأ فى بيتنا».

دخوله الإذاعة

الصدفة وحدها سبب دخول الشيخ "إسماعيل" الإذاعة، وقد كان يتمتع بشهرة كبيرة فى محافظتى الغربية والشرقية، وكان يملك سيارة رقمها 2 فى مصر، فى يوم تعطلت سيارته، فذهب لإصلاحها بالقاهرة، وفى القاهرة قرأ لافتة مكتوباً عليها «رابطة تضامن القراء» فدخل إلى مقر الرابطة وتعرف على المقرئين الموجودين، وبمجرد أن ذكر اسمه لقى حفاوة شديدة منهم، وكان من بينهم الشيخ محمد الصيفى القارئ بالإذاعة الذى عرض عليه قراءة القرآن فى الإذاعة يوم الجمعة الساعة 10 مساء، وكان هذا فى عام 1944، وبذلك التحق «مصطفى إسماعيل» بالإذاعة دون أن يعرض على لجنة اختبار، وكانت الإذاعة سبباً فى انطلاقه وأصبح يستمع إليه الملايين فى فقرة قصيرة، ولكنه ابتعد عنها فترة لأنه يحب التلاوة لساعات طويلة، ولم يكن ترضيه نصف الساعة التى أتاحتها له الإذاعة أسبوعياً لذلك انقطع عنها، ولكنه عاد إليها مرة أخرى بسبب الضغط من القصر الملكى ولكثرة الرسائل التى انهالت من المستمعين.

مقرئ الرئاسة

كان الشيخ مصطفى إسماعيل سعيداً بالثورة، حيث كان يشعر بالضيق من وجود نساء على جوار الملك فاروق وهو يقوم بالتلاوة، لكنه فى العموم كان يتعامل كمقرئ للقرآن ولا علاقة له بالأمور السياسية، ومن ثم فقد افتتح حفلات الرئيس محمد نجيب ومن بعده الرئيس جمال عبدالناصر الذى كان يحبه كثيراً وذهب إلى بيته مرات عدة كلما أصابه ضيق، وأعطاه وسام الاستحقاق فى عيد العلم فى 19 ديسمبر 1965، وكان أول مقرئ يحصل على الوسام، كما كانت علاقته بالرئيس أنور السادات جيدة للغاية، لدرجة أنه رافقه فى زيارته إسرائيل التاريخية وقرأ القرآن فى المسجد الأقصى، وتزامن موعد الزيارة مع عيد الأضحى المبارك، كما زار "إسماعيل» القدس للمرة الثانية وقرأ القرآن الكريم بها فى إحدى ليالى الإسراء والمعراج.

وفاته

فعل الشيخ مصطفى إسماعيل شيئاً غريباً قبل وفاته، حيث رأى فى رؤيا خلال وجوده فى منزله بالقرية أنه توفى ودفن فى مكان معين وهذا المكان داخل الحديقة فى منزله بالقرية، فاستيقظ مبكراً وذهب ليقف فى هذا المكان، فقال لابنته إنه سيحصل على تصريح من الرئيس محمد أنور السادات ليدفن فى هذا المكان.

ذهب بعدها إلى دمياط مباشرة ليقرأ القرآن فى صلاة الجمعة بمسجد البحر مع الرئيس أنور السادات حينها، ثم ذهب إلى الإسكندرية حيث فيلته هناك، وصعد لغرفته لينام، وطبيعته أنه يستيقظ الساعة السادسة صباحاً ويفتح النافذة ثم ينزل ويمشى حول الحديقة، ولكن فوجئ من فى المنزل من خادميه أن الساعة أصبحت الثامنة صباحاً ولم يتم فتح النافذة فدخلوا عليه غرفته فوجدوه مريضاً للغاية فأبلغوا الإسعاف ونقل إلى المستشفى لمدة 3 أيام ثم توفى ودفن فى المكان الذى وقف عليه. وأوصى بأن يدفن فيه فى حديقة منزله بقرية ميت غزال بعد أن طلب عبدالعزيز إسماعيل، شقيق الشيخ مصطفى إسماعيل، وكان شيخ البلد حينها، من الرئيس السادات أن يحصل على تصريح أن يدفن شقيقه فى حديقة منزله وذلك خلال احتفال الرئيس السادات بعيد ميلاده فى 25 ديسمبر، وكانت لأول مرة شخص يدفن فى بيته منذ عهد الفراعنة.

 

عادل أبو الشعور

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2025 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg