| 16 مايو 2024 م

أراء و أفكار

«مرصد الأزهر».. ينفرد بدراسة مهمة عن أحوال المسلمين فى الفردوس المفقود «النهضة والاتحاد».. بوابة المسلمين «السياسية» فى إسبانيا

  • | الثلاثاء, 13 ديسمبر, 2016
«مرصد الأزهر».. ينفرد بدراسة مهمة عن أحوال المسلمين فى الفردوس المفقود «النهضة والاتحاد».. بوابة المسلمين «السياسية» فى إسبانيا

تعتبر متابعة أحوال المسلمين فى العالم واحدة من أهم أولويات «مرصد الأزهر باللغات الأجنبية»، وذلك من خلال متابعة ورصد وتحليل كافة ما تصدره الوسائل الإعلامية الأجنبية عن الإسلام والمسلمين، وترجع أهمية هذه المتابعة المستمرة من جانب المرصد إلى التعريف بأحوال المسلمين والوقوف بجانبهم فى كل الأمور المتعلقة بحياتهم فى المجتمعات التى يعيشون بها. كانت وحدة الرصد باللغة الإسبانية قد تمكنت من إعداد دراسة ديموغرافية حول الكتلة السكانية المسلمة خلال الأعوام الستة الأخيرة، فضلاً عن الوقوف على أهم المشاكل التى تواجه المسلمين فى إسبانيا «الفردوس المفقود» كما يطلق عليها البعض وكان من أهم ما جاء فى هذه الدراسة هو أنه على الرغم مما يتعرض له الإسلام والمسلمون من إساءاتٍ وتضييقاتٍ فى كثير من الأمور، إلا أن أعداد المسلمين فى إسبانيا فى تزايدٍ مستمر، كما يُتوقع استمرار هذه الزيادة خلال الأعوام المقبلة. وبطبيعة الحال ارتفعت نسبة المسلمين من إجمالى السكان فى إسبانيا حيث وصلت إلى ما يقرب من 4%.

كما تبين أن هناك تزايدًا فى أعداد المسلمين الإسبان بشكلٍ عام من المسلمين المهاجرين ممن يحملون الجنسية الإسبانية ومن الجيل الثانى من أبناء المهاجرين المسلمين الأوائل الذين وُلدوا فى إسبانيا. وتشير الإحصائيات فى الوقت ذاته إلى تزايد إقبال ذوى الأصول الإسبانية الخالصة على اعتناق الإسلام حيث بلغ عددهم مع نهاية العام الماضى22.808 مسلمًا، بزيادة قدرها 4080 عن عام 2010 الذى كان قد بلغ 18.728.

ومع أن الأقلية المسلمة فى إسبانيا لا تعانى من رفضٍ حكوميٍ أو شعبيٍ، فليست إسبانيا مثل المجتمعات التى تنبذ المسلمين أو تحارب اندماجهم فى المجتمع بشكلٍ علنيٍ، إلا أن الحكومات المتعاقبة تُعرقل أحيانًا حصول المسلمين على حقوقهم التى يكفُلُها لهم دستور البلاد. وعلى رأس الصعوبات التى تواجه المسلمين بإسبانيا قلة المساجد والمقابر، فعلى الرغم من أنه يَحِق للأقليات الدينية المسلمة والجمعيات الإسلامية فتح مسجدٍ وإنشاء مقبرةٍ خاصة بهم، إلا أنه من الصعوبة بمكان الحصول على التراخيص اللازمة لهذا الأمر، لذا أصبح من الضرورى أن يكون هناك حزبٌ سياسيٌ مسلم يعمل على المطالبة بحقوق الأقليات أمام الحكومة الإسبانية كسائر الأحزاب الأخرى الموجودة داخل الحكومة، وأن تكون له مشاركةَ فاعلة داخل الحياة الديمقراطية الإسبانية، وكخطوة إيجابية لتسهيل عملية اندماج المسلمين فى المجتمع الإسبانى.

وفى هذا السياق ظهر أول حزب سياسى مسلم داخل إسبانيا وهو "حزب النهضة والاتحاد الإسباني" PRUNE، وإن كان لا يحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ فى الوقت الحالى، إلا أن هدفه الرئيس والمعلن هو تشكيل الحكومة فى إسبانيا بحلول عام2030. يُذكر أن هذا الحزب تم تأسيسه فى يوليو لعام 2009 وفى شهر أكتوبر من نفس العام تم الإعلان عنه بشكلٍ رسميٍ كأول حزبٍ مسلمٍ داخل الحكومة الإسبانية، حيث أعلن مصطفى بكاش مؤسس الحزب عن أول حزبٍ مسلمٍ قائمٍ على تعزيز العدالة والمساواة والتضامن بين أفراد المجتمع واحترام الشرعية والدستور الإسبانى، مع الوضع فى الاعتبار -على عكس الأحزاب السياسية الأخرى- بأن الإسلام هو مصدر هذه المبادئ، ليُصبح بذلك الكيان السياسى الوحيد فى إسبانيا الذى لديه أجندة وبرنامجًا سياسيًا وإستراتيجية على أساسٍ دينى، حيث لا يوجد فى إسبانيا أية قوة سياسية تستخدم الدين فى سياساتها.

جديرٌ بالذكر أن مشاركة المسلمين فى العمل الحزبى ليست هى الأولى من نوعها عبر هذا الحزب فحسب، بل تشير التقارير إلى أن عام 1995 سجّل ظهور أول نائب مسلم داخل برلمان "سبتة" وهو مصطفى بكاش التابع للحزب الديمقراطى الاجتماعى. كما تؤكد التقارير ذاتها على ظهور العديد من الأحزاب السياسية الإسلامية المحلية فى مدينتى "سبتة" و"مليلية" منذ عدة عقود. ومن هنا يبرز لنا أن حزب النهضة ليس هو الأول من نوعه فى إسبانيا، إلا أنه يشكل أهمية قصوى لسببين رئيسين:

أولاً: باعتباره الحزب المسلم الأول والوحيد الذى ظهر خارج مدينتى "سبتة" و"مليلية".

ثانياً: باعتباره الحزب المسلم الأول والوحيد حتى هذه اللحظة داخل الحكومة الإسبانية. وبهذا فإن إسبانيا تعتبر هى الرائدة على مستوى دول الاتحاد الأوروبى منذ أكثر من 25 عاماً فى إدماجها للمسلمين فى أحزاب سياسية إسلامية، وإن كانت أحزاب داخل نطاق مدينتى سبتة ومليلية فقط.

جدير بالذكر أن حزب النهضة يأتى بالتزامن مع ظهور العديد من الأحزاب السياسية الإسلامية فى دول الاتحاد الأوروبى بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر الدامية داخل أنظمة الأحزاب المحلية والإقليمية والحكومية لدول أعضاء الاتحاد الأوروبى. ويسعى الحزب منذ اليوم الأول لتأسيسه إلى إنشاء جسور للتواصل بينه وبين الأحزاب الأخرى داخل وخارج إسبانيا، وفى هذا السياق أوصى أعضاء الحزب فى الملتقى الأول فى أكتوبر لعام 2010 بتشكيل مجلسٍ أوروبيٍ للأحزاب الإسلامية لتعزيز علاقاتها الدولية ولتبادل الخبرات فيما بينها؛ حيث أوضحوا أن لديهم علاقات طيبة داخل أوروبا مع الحزب الإسلامى فى فرنسا ورابطة النهضة الألمانية. كان الحزب قد دعا إلى انعقاد مؤتمرٍ دوليٍ فى طليطلة لعام 2012 وحضرته أحزاب من أوروبا وشمال إفريقيا بالإضافة إلى حزب الاستقلال فى المغرب.

تشير التقارير إلى أن الحزب تقابله صعوبات وتحديات كبيرة منها اقتناع الغالبية العظمى من الشعب الإسبانى بضرورة فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، وهو ما يُمثل عائقًا كبيرًا للحزب أثناء العمليات الانتخابية سواء المحلية أو العامة، كما توجد صعوباتٌ أخرى ذات طابعٍ خاصٍ وهى قلة الموارد المالية، والتى تعتمد فى المقام الأول على تبرعات الأعضاء، كذلك أيضاً من الصعوبات التى كانت تقابل الحزب فى طور الإنشاء هى قلة الأعضاء ممن لديهم الخبرة الكافية لتمثيل الحزب على الوجه الأكمل مع قلة الدعم والمساندة من جانب الجمعيات الإسبانية المختلفة فى إسبانيا، فضلاً عن قلة الخبرة لدى أعضائه بالحياة الديمقراطية نظرًا لأن معظمهم من المهاجرين المقبلين من دول عربية تفتقر إلى الحس الديمقراطى بشكل عام. من أجل ذلك يضع الحزب الكثير من الآمال على الجيلين الثانى والثالث من المهاجرين لتحقيق المزيد من المشاركة الفاعلة من خلال العمل داخل الحزب وعلى أن يكونوا على درايةٍ كاملةٍ بالحياة الديمقراطية.

يهدف الحزب إلى أن يكون أداةً سياسيةً مفيدةً لصالح الأقليات الدينية والعرقية فى إسبانيا، ليس فقط الأقليات المسلمة بل وغير المسلمة أيضًا، وفى هذا السياق وعلى الرغم من أن مؤسسى هذا الحزب من المسلمين إلا أن الحزب أعلن مرارًا أن الباب مفتوحٌ أمام جميع الأقليات ممن يرغبون فى الانضمام إلى كيان يُدافع عن حقوقهم أمام القانون، وأنه يرحب بالمسلمين وبغير المسلمين، ولا ينوى أن يهتم فقط بالجانب السياسى لكن أيضًا بالمبادئ والمشاكل اليومية للمواطنين. ويشترط الحزب فى الشخص الراغب فى الالتحاق بالحزب أن يكون متوسط العمر، حاصل على دراسات متوسطة، إسبانى الجنسية أو حاصل عليها.

وفى سياق متصل صرح "مانويل بوخيرو"-أحد مؤسسى هذا الحزب- بأن الحزب ينظر إلى الأقليات بشكلٍ عامٍ العرقية والدينية، وأن الهدف هو توصيل صوت أبناء الحزب إلى أعلى المستويات داخل الدولة سواء كانوا من الغجر أم الأجانب مسلمين أو يهود، مع محاربة التمييز والتفرقة العنصرية والإسلاموفوبيا. وأعرب عن استيائه من بعض التصريحات التى تقول بأن الحزب هو حزبٌ متطرفٌ، وتساءل: إذا كانت هناك أحزابٌ سياسيةٌ مسيحيةٌ، فما المشكلة فى أن يكون هناك أحزاب سياسية إسلامية؟ مؤكدًا أنه لا توجد أية دولة أجنبية تقوم بتمويل الحزب، وعلى الرغم من بعض العروض التى تقدمت بها بعض الدول لتمويل الحزب إلا أنها قوبلت بالرفض التام. وأكد كذلك على أن الصندوق المالى عبارة عن ما يقوم به القائمون على الحزب من بعض التبرعات وأنهم لا يتلقون دعمًا من إسبانيا أو خارجها ولا من أية دولة أجنبية، وأضاف قائلاً: "نحن الآن نعمل على تحصيل الأموال اللازمة لتمويل الحملات الانتخابية"، كما أكد الحزب أنه لا يسعى إلى إعادة فتح الأندلس ولا إلى تطبيق الشريعة.

الجدير بالذكر أنه تم إنشاء هذا الحزب فى مدينة غرناطة، وكان يطمح فى أن يكون له مقارُّ حزبية فى مدن أخرى داخل إسبانيا، وبالفعل أصبح لديه مقارّ فى مدريد وبلنسية وطليطلة وقادش وسبتة ويسعى إلى فتح مقارّ جديدة، مع العلم بأن المقر الرئيس الآن فى أشتورياش. ويرفض الحزب أن يتم وضعه فى دائرة الأيديولوجيات السياسية سواء اليمين أو اليسار، وعلى الرغم من ذلك فإن زعماء الحزب أبدوا أنهم يفضلون التفاهم مع أحزاب اليسار. هذا وقد قرر المجلس الوطنى للحزب فى مارس لعام 2012 أثناء انعقاد المنتدى الثانى للحزب ما يلى:

أولا: تكثيف عمليات الدعاية للحزب فى وسائل الإعلام والعمل على تحسين سياسة التواصل.

ثانيا: انتهاج حملة جديدة للحزب لاستقطاب أعضاء جدد، والعمل على تكثيف الموارد البشرية للحزب، والدخل المتمثل فى مساهمات الأعضاء.

ثالثا: التواصل مع السفارات فى إسبانيا والاتحادات والجمعيات الإسلامية الإقليمية والدولية.

رابعا: وضع خطةٍ سياسيةٍ والبدء فى وضع ملامح خارطة طريق انتخابيةٍ لخوض انتخابات عام 2015.وبالفعل تنافسَ الحزب على الانتخابات المحلية فى مدريد وبرشلونة وأشتورياش وبلنسيه ومرسيه وملقا وغرناطة منذ عام 2011 وحتى الآن، ويأمل الحزب فى خلال عشرين عامًا من تأسيسه أن يكون من الحزب عمداء للمدن الإسبانية، وفى خلال 30 عامًا من تأسيسه أن ينال أحد أعضائه رئاسة الحكومة الإسبانية.

ـ بناءً على ما تم طرحه يتبيّن لنا أن فكرة إنشاء حزبٍ مسلمٍ معتدل فى المجتمعات الأوروبية هى خطوةٌ إيجابيةٌ وفعالةٌ من شأنها تحسين الصورة التى شوهتها الجماعات الإرهابية المتطرفة من خلال تصرفاتهم المشينة التى لا تمت إلى الإسلام بصلة من قريب أو من بعيد. وفى الوقت ذاته تُعتبر أداة فاعلة للمطالبة بحقوق الجالية المسلمة فى هذه المجتمعات كممثلٍ شرعيٍ أمام الحكومات الغربية. ويأمل مرصد الأزهر الشريف أن يتحقق لهذا الحزب ما يتمناه من تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أفراد المجتمع الإسبانى وأن تنال الجاليات المسلمة وغيرها حقوقها كاملة، كما يثمن المرصد خطوة هامة يقوم بها هذا الحزب وهى إعلانه عدم السعى لتحقيق مطالب المسلمين فحسب بل يعمل على إيصال صوت المسلمين وغيرهم إلى الجهات المسئولة فى الحكومة لتلبية مطالبهم.

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg