| 29 مارس 2024 م

أراء و أفكار

القيم العليا فى الرسالات السماوية «حفظ النفس فى الإسلام»"3"

  • | الإثنين, 28 نوفمبر, 2016
القيم العليا فى الرسالات السماوية «حفظ النفس فى الإسلام»"3"

بقلم : د. سعيد عامر

وحرمة الدماء لا تتوقف على دم المسلم، بل كل من يعيش فى ديار الإسلام وإن كان غير مسلم، روى البخارى فى التاريخ الكبير والنسائى بسند صحيح من حديث عمرو بن الحمق الخزاعى - رضى الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أمَّنَ رجلاً على دمه - أى أعطاه الأمان على حياته - فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافراً».

وروى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم، فمن أخفر مسلماً فى عهده، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبلُ منه صرفٌ ولا عدلٌ».

وفى الحديث المتفق عليه من حديث أم هانئ - رضى الله عنها - أخت الإمام على بن أبى طالب - رضى الله عنه - جاءت إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح وقالت يا رسول الله زعم ابن أمى علىُّ - رضى الله عنه - أنه قاتلٌ رجلاً من المشركين قد أجرته يقال له: فلان ابن هبيرة، قال: - صلى الله عليه وسلم - «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ».

وروى النسائى (4010) وابن ماجة (2621) وغيرهما أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: ««يجىء المقتول يوم القيامة وأوداجُهُ تشخُب دماً يتعلق بالقاتل ويقول: يا رب سل هذا فيم قتلنى؟»

فحرمة الدماء فى الإسلام عظيمة، ومع كل هذا صارت الدماء أرخص شىءٍ على الأرض.

وهذه الحرمة كذلك لمن قتل نفسه سواء أكان ذلك بفعل منهى عنه، كاستعمال سيفٍ أو رمحٍ، أو بندقية، أو أكل سم، أو إلقاء نفسه من شاهق، أو فى النار ليحترق، أو فى الماء ليغرق.. إلخ، وإما أن يكون بالامتناع عن واجب، كالامتناع عن الأكل والشرب، وترك علاج الجرح أو المرض الموثوق ببرئه.. إلخ.

روى الإمام مسلم - رحمه الله - وغيره من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «من قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يتوجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سُماً فقتل نفسه فهو يتحساهُ فى نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبلٍ فقتل نفسَهُ فهو يتردى فى نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً «وفى رواية للإمام مسلم « ومن ذبح نفسهُ بشىءٍ ذُبحَ به يوم القيامة» وفى رواية «ومن قتل نفسهُ بشىءٍ عُذِبَ به يوم القيامة».

وقد أوجب الإسلام القصاص ردعاً لكل من تسول له نفسه قتل غيرهِ بغير حق. «وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِى الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» البقرة (179).

فالقصاص إذا لم يعف أصحاب الدم، فإذا عفا ولى الدم عن القاتل، فلا يُقتلُ.

 وحفاظاً على النفس كذلك حرم الإسلام كل ما يضُر بالنفس أو يؤذيها، وأباح كل ما يصلحها ويغذيها.

قال الله عز وجل «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ» الأعراف: 157.

 فوجب على المسلم أن يهذب نفسه ويزكى روحه ويشعرها ببهجة الحياة والأمل، ولا يعتدى على غيره بل ولا يضره ولا يؤذيه.

ومما سبق يتبينُ لنا أن الإسلام حرمَ قتل النفس بغير حق ورتب على القتل وعيداً فى الآخرة، وحداً فى الدنيا «أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً» المائدةَ (32)

ولذا قال ربنا «وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ» لأن القاتل إذا قُتل فإن الناس يأمنون على دمائهم وأنفسهم، أما إذا لم يُقْتل القاتلُ وترك المجرم يعبث ويقتُل النفوس البريئة فإنه يصبح خطرًا على المجتمع، وكون القاتل يقتل فهذا حقنٌ للدماء، وجعل الله القصاص حياة لأنه يسبب حياة، ولو أنه موت لنفس المقتص منه لكنه حياة للبقية، وكانوا فى الجاهلية يقولون: «القتل أنفى للقتل» - يعنى قتل الجانى نفىٌ لقتل الآخرين -

ففى القصاص حياة الأنفس البريئة، وفيه كف لأيدى العابثين والمجرمين عن سفك الدماء، ولذا لا يعوضُ عن القصاص شىءٌ من العقوبات مهما كانت.

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg