| 02 مايو 2024 م

أراء و أفكار

د.سمير عبد السيد تناغو يكتب: إصلاح الخطاب السياسى قبل الدينى

  • | السبت, 29 أبريل, 2017
د.سمير عبد السيد تناغو يكتب: إصلاح الخطاب السياسى قبل الدينى

يوجد لدى الناس فى مصر إحساس عام بالتقارب بين المبادئ الأخلاقية فى الديانات السماوية المختلفة، وإحساس عام بالتقارب بين ما تقضى به هذه المبادئ وبين ما يقضى به العقل.

يضاف إلى ذلك المبادئ العامة للقانون المعترف بها فى مصر، وهى مبادئ حقوق الإنسان، والمبادئ العامة الكلية للشريعة الإسلامية. وحقوق الإنسان: هى الحقوق التى لا يجوز التنازل عنها فى أى عقد اجتماعى، وإلا أصبح هذا العقد باطلًا حسب فلاسفة العقد الاجتماعى. وقد نصت على هذه الحقوق كل الدساتير المصرية منذ دستور 1923 إلى دستور 2014. وطبقًا لمبادئ حقوق الإنسان، المنصوص عليها فى كل الدساتير المصرية المتعاقبة، فإن مصر دولة مدنية تقوم على مبدأ سيادة القانون.

أما مبادئ الشريعة الإسلامية، فهى المبادئ الكلية، التى لا خلاف عليها بين الفقهاء، وهى تكاد تطابق فكرة العدل.

والدولة المدنية أهم مقومات الهُوِيَّة المصرية، ومعيارها الأساسى أن الأمة مصدر السلطات، وأن الدولة تقوم على مبدأ سيادة القانون، وأن القانون هو دائمًا عمل بشرى وضعى، حتى لو كان يستلهم أفكارًا جوهرية غير وضعية، مثل: مبادئ القانون الطبيعى، أو مبادئ حقوق الإنسان، أو المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية.

والأزهر كان -ومازال- أحد أهم داعمى هذا المفهوم المتعلق بالدولة المدنية.

وثائق الأزهر والدولة المدنية

 لقد انحازت وثيقة الأزهر الصادرة فى يونيو 2011، إلى مبدأ الدولة المدنية، بقولها: "بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب"، وهى بهذا تنسف مبدأ "الحاكمية"، وكونُ الأمة مصدر السلطات هو معيار الدولة المدنية.

وفى قولها: إن "المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع"، فقد أخذت بما قاله الدكتور السنهورى، من أن المقصود بالشريعة الإسلامية ليس الأحكام وإنما المبادئ، وليس المبادئ فقط، وإنما المبادئ الكلية، وهى المبادئ التى لا خلاف عليها بين الفقهاء.

ويقرأ المرء في بيانات الأزهر ودار الافتاء، الإدانة الشديدة، دون تحفظ، لجرائم القتل المرعبة، وسبى النساء، وبيعهن فى الأسواق، والإشادة بمبادئ الرحمة والسلام فى الإسلام، والمبادئ الإنسانية التى لا تقبل هذه الهمجية والبربرية.

وثائق وبيانات الأزهر تجديد حقيقى للفكر الدينى، ويجب أن نفرق بوضوح بين تجديد الخطاب الدينى، وبين تنقية كتب التراث. فقد خلط الكثير من الكُتّاب بين الأمرين، وجعلوا التجديد الدينى مرادفًا لتنقية كتب التراث. وتَرتّب على هذا الخلط توجيه حملة شديدة ضد الأزهر الشريف، لعدم قيامه حتى الآنَ بتنقية كتب التراث مما جاء فيها من عبارات وأقوال تستخدمها الجماعات الإرهابية، لتبرير جرائمها الخسيسة فى حق الإنسانية، مثل: الذبح والحرق.. إلى غير ذلك من الأعمال الهمجية، التى يرفضها أى إنسان له عقل وله ضمير. وفى تقديرى أن محاولة تنقية كتب التراث نوع من العبث الذى لا يجوز. فكتب التراث جزء من التاريخ، ولا يجوز أبدًا إعادة كتابة التاريخ. وكل محاولة لتغيير أو تجميل التاريخ، هى بكل بساطة ووضوح، تزوير لا يليق. ومن غير المقبول أن نطالب الأزهر بتزوير التاريخ، أو تزوير كتب التراث.

كما أن مناقشة الجماعات الإرهابية، فى تفسير بعض ما جاء فى كتب التراث، هو نزول إليهم فى ملعبهم، ورفع غير مستحق لقيمتهم، فالعاقل لا يناقش الجاهل، فما بالك بالمجرم القاتل. والنصوص حمّالة لأَوجُه، حتى فى المناقشة بين العقلاء أنفسهم. والدين يؤخذ فى مجموعه، وليس فى بعض نصوصه؛ كما قال الإمام محمد عبده. والأجدر بالاتّباع هو ما يقوم به الأزهر فعلًا وكذلك دار الافتاء، من إصدار وثائق وبيانات، هى فى مجموعها، تجديد للخطاب الدينى، ونواة لفكر دينى جديد.

والأزهر فى غير حاجة إلى تفسير بعض ما جاء فى كتب التراث، ويكفيه الرجوع إلى الآيات القرآنية، خاصة ما جاء منها فى الفترة المكية، عن حرية العقيدة، «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، و«لا إكراه فى الدين»، و«لكم دينكم ولى دين»، و«وجادلهم بالتى هى أحسن»، و«لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك».. والعالم كله يعيش الآن فى عصر حقوق الإنسان. والأزهر لا يَكفّ أبدًا عن التذكير بالمبادئ الإنسانية. فارحموا الأزهر ولا تظلموه، ولا تطلبوا منه تنقية كتب التراث وتزوير التاريخ. وأعتز شخصيًّا بأننى كنت أول الحاصلين على دبلوم الدراسات العليا فى الشريعة الإسلامية، من جامعة القاهرة، عام 1960. ودرست على أكبر أساتذة الشريعة، الشيخ فرج السنهورى، والشيخ على الخفيف، والشيخ محمد أبوزهرة، الذى كان يشرح لنا بعض أحكام المذهب الشيعى، فى محاولة للتقريب بين المذاهب. وبالتالى فأنا أعتز برجال الأزهر، ولا أريد أن يظلمهم أحد.

إصلاح الخطاب السياسى وليس الخطاب الدينى

نحن لسنا فى حاجة إلى إصلاح الخطاب الدينى، إذا نجحنا فعلًا فى كشف ألاعيب الأحزاب الدينية التى تخلط بين الدين والسياسة، وتتاجر بالدين من أجل السياسة. وكل خطاب فى الشأن العام هو خطاب سياسى حتى لو رفع شعار الدين، بل حتى لو رفع المصاحف فوق أَسنّة الرماح. فالدين حق يراد به باطل. وكل ما يجرى على الأرض بفعل البشر، أو قول البشر، هو عمل بشرى، ولو زعموا أنه فعل الله وكلام الله.

ولا ينبغى على رجال الفكر أن يتخلوا عن مسئوليتهم، بنقلها إلى رجال الدين، وإلزامهم بما لا يلزم، وإقحامهم فيما لا شأن لهم به. والأجدر برجال الدين فى هذه الحالة أن يردوا إلى رجال الفكر بضاعتهم. إن ما نحتاج إليه فعلًا ليس هو إصلاح الخطاب الدينى، وإنما هو إصلاح الخطاب السياسى. وكل ما يجرى على مسرح السياسة لا يحتاج إلى اجتهاد دينى، وإنما يحتاج إلى نضج سياسى وعقل راجح سليم.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg