| 19 مايو 2024 م

أراء و أفكار

ثقافة الاعتذار.. وشجاعة القرار

  • | الجمعة, 12 مايو, 2017
ثقافة الاعتذار.. وشجاعة القرار

من هنا نبدأ.. أو بالأحرى إلى هنا نعود لننطلق من جديد. من لحظة تأكيد واضحة أنه إذا كانت مشكلة الإرهاب عصية على الحل، بسبب تأويل مختطف لنصوص دينية، فإن الوقوف ضد مخرجات هذا التأويل بحسم، هو البداية للخروج من هذه الدوامة.

آفة التطرف التكفير.. ليس فقط بالمنطق الدينى، وإنما بمنطق تصنيف المختلف لوصمه وإيذائه، سواء كان هذا الإيذاء بإخراجه من الملة، أو تخوينه وطرده من عباءة الوطنية، وكل تفكير يبدأ من نقطة «من ليس معنا فهو آخر»، أو «من لا يفكر مثلنا، فهو جاهل ورجعى ومتخلف.. وإرهابى».

المتطرفون كثر، و«المكفراتية» أيضاً، ليسوا فقط فى منطقة المتدينين والمستغلين للدين سياسياً، وإنما لدى الطرف النقيض الذى حاول طوال فترة طويلة سابقة ابتزاز الأزهر والضغط عليه بكل وسيلة لتكفير المنتمين للتنظيمات الإرهابية، وجر المؤسسة الدينية الأهم فى العالم إلى هذه المنطقة الخطرة، وكأن كل مشكلة الإرهاب المعقدة بعوامل سياسية وثقافية واجتماعية سيحسمها وينهيها تكفير أصحابها.

لكن المثقفين الذين يعتقدون بأن أزمتهم الأساسية مع القطاع الدينى فى مصر تبدأ من التكفير وتنتهى عنده، لم يمدوا الأيدى لهذا الموقف الذى اتخذه الأزهر برفض تكفير الإرهابيين، على الأقل لبناء تأصيل وتأسيس ما كانوا يقولون إنهم يرغبون فيه من تصدى كامل لمنطق التكفير وأفكاره.

أوضح الأزهر موقفه ومنهجه وشرح عقيدته التى ترفض التكفير وفتاويه، وتختلف معها جذرياً، ورغم تشكك البعض إلا أن أصحاب القضية الحقيقيين أثنوا على ذلك وطالبوا بتحويله لسياسة ثابتة وراسخة ومنهج متأصل فى المجتمع كله، يضمن ألا تنفتح فتنة التكفير ونيرانها لأى سبب ومع أى شخص، وإبقاء الجرائم التى يرتكبها البشر حتى لو كانت باسم الدين والمذهب والطائفة بعيدة عن الفهم العام الصادر من المؤسسات المعبرة عن القطاعات الأوسع جداً من المؤمنين فى العالم.

ومرة أخرى ينتصر الأزهر وشيخه لمنهجه، ويؤكد رسوخه واستيعابه الكامل، حين يرفض مجدداً تكفير الأشخاص، ويتخذ من الإجراءات الحاسمة والسريعة ما يضمن ذلك، ويرد عليه فى حينه، لتبقى تلك الإجراءات رسالة واضحة جداً للجميع داخل الأزهر وخارجه بأنه ضد التكفير قلباً وقالباً، يرفضه لمن يرتكبون الجرائم باسم الأديان، ولمن يزدرون الأديان «حسب ما وقر فى عقيدة محكمة النقض عنهم على السواء»، وهى خطوة تستحق الدعم الكامل من كل من كانت قضيته الحقيقية حرية الإنسان وحقه فى المعتقد، وعدم منح صكوك التكفير والغفران لأشخاص بعينهم أو مؤسسات بعينها، أما من كانت قضيتهم الأساسية تكسير الأشخاص والمؤسسات، فالأرجح أنهم لن يُقدروا أى خطوة مهما كان تأثيرها وعمقها التاريخى.

لديك الآن موقف راسخ من المؤسسة المعنية بالشأن الدينى فى مصر وفق الدستور، والمرجعية العالمية الكبرى فى أوساط المسلمين فى العالم، أنها ضد التكفير، تستند لذلك بوقائع دامغة، تستطيع أن ترتكز عليها وأن تبنى هذه الثقافة وتعززها، متكئاً على إمام «طيب»، يؤصل للمواطنة وقبول الآخر والتعايش والدولة المدنية والحقوق والحريات، ويقف ضد ثقافة التكفير التى يحاول البعض محاصرته بها من المتدينين والعلمانيين على السواء، ما يثبت أن التطرف جين واحد، وحين يختلف كشخص أو مؤسسة، لا يلجأ للفتوى التى يعرف خطورتها، وإنما ككل مواطن يملك حق التقاضى ويؤمن بسيادة القانون، يلجأ للقضاء.

انتصر الإمام الأكبر للأزهر ومنهجه ورسالة الإسلام الحقيقية ووجهه المفترض فى القول والفعل، وانتصر للمجتمع، والمفارقة أنه انتصر لكل المثقفين الذين بنوا طرحهم طوال سنوات على النضال ضد التكفير وثقافته.

من كانت معركته التصدى للتكفير ومنهجه وثقافته وفتاويه، فمعركته هى معركة الأزهر والإمام الطيب.

 

أجمع سياسيون وبرلمانيون على أن قرار فضيلة الإمام الأكبر بإعفاء رئيس جامعة الأزهر الدكتور أحمد حسنى من منصبه يلزم كل صاحب خطاب نقدى للأزهر أن يتمهل قليلاً ويتدبر فى حقيقة الأمور داخل هذه المؤسسة العريقة، وأن هذا القرار قوبل بارتياح كبير لدى كثير من الأزاهرة والمثقفين، موضحين أن شيخ الأزهر لا يتوانى ولو لحظة واحدة عن الوقوف ضد من يعمل على تكدير الرأى العام، أو الخروج عن المنهج الإسلامى الوسطى الذى عرف به الأزهر منذ أكثر من ألف عام..

وقال اللواء شكرى الجندى عضو لجنة الشئون الدينية بالبرلمان المصرى: أؤيد ما قام به فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف من إقالته لرئيس جامعة الأزهر السابق، مع احتفاظى الكامل تجاه الدكتور أحمد حسنى بكل حب وتقدير، فهو قامة من القامات العلمية المحترمة وصاحب تاريخ معروف للجميع، لافتا إلى أن مكانة رئيس جامعة الأزهر - وهى أكبر جامعة تمثل الإسلام السنى الوسطى على مستوى العالم - لا تسمح بمرور أى كلمة مرور الكرام، فالاعتذار وحده لا يكفى، وإن ما قام به شيخ الأزهر هو وسام على صدر كل أزهرى وكذا كل مسلم ليتضح للعالم أن هذا هو إسلامنا الذى تعلمناه تجاه الآخرين حتى ولو كانوا مختلفين معنا فى الرأى، وهذه هى الصورة التى نتمناها للأزهر الشريف.

فى ذات السياق، أشار الدكتور مصطفى الفقى المفكر والكاتب السياسى إلى أن الإمام الأكبر محق فى قراره وينتصر للإسلام الصحيح المعتدل وهذا ما عهدناه عن فضيلته منذ توليه مشيخة الأزهر الشريف وتاريخه حافل بمثل هذه المواقف، وفى مثل هذه الأخطاء وهذه الأمور الاعتذار وحده لا يجدى، فكان لا بد من اتخاذ قرار يتواكب مع قدر الجرم خاصة إذا كان متعلقا بحقوق الآخرين ليكون درسا وعبرة للغير.

وأكد الدكتور عمار على حسن المفكر السياسى، أن قرار شيخ الأزهر قرار حكيم، ولا يمكن لشيخ الأزهر أن يترك رئيس جامعة الأزهر فى منصبه بعد هذا الخطأ الفادح، لأن مثل هذه الأمور تتنافى مع تصورات الأزهر وتوجهاته، وهذا يثبت أن بعض الآراء تخرج من بعض الأزاهرة فى بعض الأحيان لا تعبر بالضرورة عن موقف الأزهر الشريف كمؤسسة، والأزهر لم يكفر جماعات معروفة بالاسم، لأنه لا يريد أن ينزلق فى مجرى التكفير لخطورته، فلا يمكن أن يعالج الأزهر بعض الخلافات فى وجهات النظر أو بعض القضايا الفكرية بالتكفير، فضلا عن أنه لا يوجد مع الآخر خلاف فى العقيدة أصلا.

مشيراً إلى أن مكانة رئيس جامعة الأزهر شىء ليس بالقليل، بجانب أنه قبل أسبوع كان يزور مصر بابا الفاتيكان أكبر رأس فى الديانة المسيحية الغربية، وعقد مؤتمر السلام وبين فيه قبول الآخر، ويأتى رئيس جامعة الأزهر السابق بقوله الذى يخالف ما يدعو إليه الأزهر الشريف، فكان ولابد من وقفة مع مثل هذه الأمور، وقرار فضيلة الإمام قوبل بارتياح كبير لدى أوساط المثقفين، لأنه لو أبقى رئيس الجامعة فى منصبه كان سيظل شوكة فى خاصرة الأزهر وسيكون شماعة لكل من تسول له نفسه النيل من الأزهر ومكانته. مضيفا أن اعتذار الدكتور أحمد حسنى منه شجاعة تحسب له، فقد رأينا مشايخ كباراً كانت تأخذهم العزة بالإثم ولا يعتذرون مع علمهم بأنهم أخطأوا، ولو ظن البعض أن قرار اعتذاره يعد تحايلاً منه ليتجنب هذه المشكلة فإن قرار فضيلة الإمام الأكبر بإعفائه أعطى لاعتذاره قيمة.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg